قرابين النظام السوري للاستمرار في الحكم
محمود الزيبق
ليست غريبة أبدا تلك المعلومات التي سربها مصدر أمريكي عن لقاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالرئيس الأمريكي باراك اوباما .. وتفيد بان النظام السوري عرض عبر المالكي خدمات للولايات المتحدة تتمثل في تنسيق أمني واسع في المنطقة وتسليم مجموعات عراقية مقاومة مقيمة بدمشق في مقابل بقاء الأسد بالسلطة ..
فمثل هذه الخدمات ليست جديدة على نظام الأسد بل إنني أجزم بأن النظام السوري لا يحتوي اللاجئين السياسيين في بلاده إلا لمثل هذه الأوقات العصيبة..
في سورية مأوى لمعارضات عربية عدة كما يقدم النظام فيها دعما ماديا ومعنويا لمعارضات عربية اخرى خارج سورية … في دمشق ستجد معارضات لتركيا واثيوبية وتشاد ودول آسيا الوسطى .. بل إن في سورية من يعارض إيران أيضا وإن كانوا بنشاط محدود … الرابط الجامع لكل هذه المعارضات كما يقول أحد ضباط المخابرات الكبار أن تجد على أبوابها حراسة من قبل عناصر أمنية .. لم ينس احد بعد قصة عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي كان لاجئا في سورية لفترة قبل ان تقدمه المخابرات السورية قربانا لايقاف الحشود العسكرية التركية على حدودها ..
قبل أيام قليلة تحدث ملك البحرين أيضا عن قيام الاستخبارات السورية بتدريب معارضين بحرينيين في دمشق وهم بلا شك ورقة أخرى يلقي بها الأسد في مواجهة ازمة رحيله.
في لبنان أيضا كان لسورية علاقات مع بعض المحسوبين على فتح الاسلام وجند الشام لضمان بعض اوراق التأثير الداخلية على الحكومات اللبنانية عقب انسحاب الجيش السوري ..
كذلك نستحضر هنا تصريحات نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع قبل سنوات والتي عتب فيها على إدارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش لنسيانها الخدمات التي قدمتها أجهزة الامن السورية للاستخبارات المركزية الأمريكية ..
تعود القصة إلى عام 2001 عقب أحداث 11 أيلول سبتمبر مباشرة يوم وجدت الولايات المتحدة نفسها في معركة وجها لوجه مع ما تصفه ب’الارهاب الاسلامي’ وكان لا بد لها من معلومات موسعة وتفصيلية عن الاسلاميين في الغرب .. بالطبع كان جهاز المخابرات السورية واحدا من أكثر الأجهزة الأمنية جمعا لمثل هذه المعلومات نظرا لخبرة النظام السوري في قمع الاسلاميين في الثمانينات و محاولاته لاغتيال بعضهم في الغرب ومتابعة نشاطاتهم الأمر الذي يقتضي جمع أكبر قدر من المعلومات ..
في عام 2003 سهلت المخابرات السورية دخول المقاتلين السوريين والعرب إلى العراق للمشاركة في الدفاع عنه ضد الغزو الامريكي .. من ينسى حكاية أبو القعقاع في حلب ذلك الشيخ الذي اقام معسكرات تدريب عسكرية اسلامية في سورية لتأهيل مقاتلين عرب وسوريين للانخراط في صفوف المقاومة العراقية .. بعد فترة تخلى أبو القعقاع هذا عن لحيته الكثة وعاد لعمله في المخابرات السورية قبل أن تنجح بعض فصائل المقاومة العراقية باغتياله في سورية عام 2007 نظرا لوقوع غالبية الذين أدخلهم ابو القعقاع إلى العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي ..
اكثر التفسيرات المنطقية لهذا الدور الذي لعبته سورية مع المقاومة العراقية انها ساعدت وربما اتفقت مع الولايات المتحدة على ادخال أكبر قدر من الاسلاميين إلى العراق ومن ثم تصفيتهم من خلال تسريب معلومات مرورهم عبر الأراضي السورية وذلك بلا شك واحد من مصادر عتب الشرع على إدارة بوش التي أغفلت هذا الجميل.
كثير من الضباط الكبار في نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقيادات حزب البعث العراقي وجدوا في سورية أيض ملاذا آمنا عقب سقوط نظام صدام حسين .. وقد قابلت شخصيا الكثيرين منهم وقبل حوالي 3 سنوات تم استدعائي إلى اجهزة الامن بسبب لقاء إعلامي مع خضير المرشدي الناطق باسم حزب البعث العراقي تحدث فيه بلهجة حادة عن المالكي في وقت كان النظام السوري يوطد العلاقة مع المالكي ويتغنى بها ..
قبلها بفترة قصيرة اجتمعت ببعض رموز النظام العراقي السابق الموجودين في سورية لغرض فيلم وثائقي عن سقوط نظام صدام .. حدثني أحد الضباط العراقيين الكبار عن مشروع كان قد طرحه على آصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية (يومها) واخبرته بأن هناك آخرين حدثوني عن هذا المشروع أيضا وهم ليسوا أصدقاء فتفاجأ جدا وقال لي بالعراقي بصوت خافت (هذا شكله يتاجر فينا آني ما حكيت الفكرة لحد غيره) .. طبعا لم يخرج هذا الوثائقي إلى العلن بسبب تحفظات أمنية وضعتها الاستخبارات على التصوير لكنني ما زلت احتفظ ببعض وثائق هذه اللقاءات لوقت الحاجة.
في عمان قابلت بعض شخصيات المعارضة الأردنية في لقاء إعلامي وتحفظ أحدهم على سؤال حول مصدر تمويله وطلب حذفه .. أجبته بانني أقدم السؤال فقط .. وله الحق بأي جواب يريده .. كرر اشتراطه حذف السؤال .. طبعا هذا المعارض الاردني وآخرون مثله يملكون مراكز بحثية ووسائل اعلام ناشطة بتمويل ذاتي ولمجرد المصادفة أنهم كانوا ضمن وفد ‘شعبي’ مشارك في لقاء الاسد للتضامن مع نظامه ضد المؤامرة.
أضيف هنا أيضا أن الفصائل الفلسطينية المقاومة لا تستبعد أن تكون في يوم ما أضحية يقدمها نظام الأسد ثمنا لبقائه وقد سبق أن أغلقت مكاتب هذه الفصائل في 2005 للسبب نفسه .. ولذلك تتسم علاقة هذه الفصائل المقاومة مع النظام السوري بالحذر في كثير من جوانبها كما نقل لي يوما أحد المسؤولين في هذه الفصائل.
بالتاكيد من يقدم لهم الأسد قرابينه ليسوا قادرين على إيقاف انتفاضة شعبية واسعة في سورية .. ولكنهم قادرون على غض النظر عن جرائم الأسد وانتهاكاته المستمرة بحق شعبه على الأقل.
‘ كاتب وإعلامي سوري
القدس العربي