قرار تغيير رأس النظام
غسان حجار
شكلت الخطة السياسية التي اقترحتها جامعة الدول العربية لسوريا مفاجأة معبرة الى درجة كبيرة، اذ انتقلت بشكل فجائي من مرحلة الرقابة الى مرحلة ما بعد الرئيس بشار الاسد، قاطعة بحد السيف المحطات التي كانت متوقعة من تقرير المراقبين الى تمديد مهمتهم الى ادانة في مجلس الجامعة قبل الانتقال للدعوة الى التنحي او الى التدويل.
ولم يعد واضحا في ظل الدعوة الى حكومة وفاق وطني مع نائب الرئيس السوري، دور المراقبين العرب في مهمتهم الممددة شهرا، والتي ستزداد تعثرا مع تنامي الشعور بالعداء تجاه هؤلاء، الامر الذي يحول دون متابعتهم العمل في اجواء معادية بل ترهيبية. فلا يمكن هؤلاء مراقبة اشخاص اخرين فيما هم تحت الرقابة، وهم خائفون من التحول اسرى النزاع او ضحاياه كمثل الصحافي الفرنسي الذي اقتيد الى مثواه في خطة محكمة اريد توريط القوى المعارضة للنظام بها.
لكن خطة الجامعة، وان اتت بمقاربة جديدة، الا انها ليست حلا سهلا، لانها ولدت من انسداد الافق وفشل المساعي الهادفة الى تسوية بين الطرفين المتنازعين، وهي غير مقبولة من الطرفين ايضا، بعدما سدت امامهما طرق العودة الى الوراء، وصارا محكومين بمواصلة المسير ولو ادى الى نشوب حرب اهلية بانت معالمها وبدت اسسها تتوطد على ابواب بلوغ السنة من عمر الازمة.
ان رفض الخطة من الطرفين يعني استمرار الازمة ومواصلة سفك الدماء، وازدياد البؤر الامنية، والانهيار الاقتصادي المحتوم، الذي يقود بدوره الى ازدياد التعديات من عناصر القوى الامنية النظامية قبل غيرهم، وهو الامر الذي يضعف هذه الاجهزة ويمنعها من اتمام مهماتها في حفظ استقرار البلاد.
ثم ان دعوة النائب وليد جنبلاط المتكررة للجنود الدروز في الجيش السوري لعدم المشاركة في قتل مواطنيهم من طوائف اخرى، اي اعتماد سياسة النأي بالنفس، مثلما يفعل المسيحيون رغم تأييدهم النظام، وتخوف الشيعة من اضطهاد ظهرت بوادره في غير منطقة سورية، امور تدفع الى الفرز الطائفي والمذهبي المناقض لطبيعة النظام الاقلوي، والذي حكم طويلا بخطاب اكثرية سنية تبدلت اولوياتها الفلسطينية منذ زمن، فيما حافظ الخطاب التقليدي على رتابته.
هل تطول الازمة؟ على رغم تفاؤل البعض بحسم قريب يحل بعد الانتخابات الروسية من خلال صفقة مع الغرب، وتفاؤل البعض الاخر باستنساخ الحل اليمني، الا ان هؤلاء جميعا لم يفكروا بطبيعة النظام الذي لم يعترف بضعفه بعد، وما زال يوهم حلفاءه اللبنانيين بقدرته على الحسم العسكري المؤجل لديه افساحا في المجال امام حلول ديبلوماسية، وعدم اقتناعه باصلاحات حقيقية.
في المقابل عرب حسموا امرهم، وتجنبوا قرار مجلس الامن المعرض للفيتو الروسي والصيني، ودعوا الى مرحلة جديدة لا يملكون القوة العسكرية لفرضها، ولا يملكون الوحدة اللازمة لارساء دعائمها، ولا الخبرة الديموقراطية اللازمة لتصديرها.
ما اتفقوا عليه، وما يجمعهم، هو خوفهم من ايران واستعدادهم للتضحية المشتركة لاضعافها، لذا كان قرارهم بتغيير رأس النظام السوري.
النهار