قصّة النظام في سوريا مع الجولان المُحتَلْ
وهيب أيوب
شهد مُنتصف السبعينيات بداية توجه طلاب من الجولان المحتل إلى جامعة دمشق لاستكمال دراستهم هناك. ومع مرور الوقت، بدأوا بتلقي المفاجآت والصدمات؛ وأولها أن معظم السوريين لا علم لهم بوجود قطعة محتلة من أراضيهم اسمها الجولان وأن سكاناً سوريين، مثلهم، ما زالوا يعيشون تحت الاحتلال، ومن بين هؤلاء مسؤولون حكوميون؛ فقد تمّ تثقيف السوريين وإفهامهم أن الجولان قد تحرّر أثناء “حرب تشرين التحريرية” على يد الرئيس حافظ الأسد.
والمُفاجأة الأعظم أن وزير التعليم العالي في حينه، المرحوم شاكر الفحّام، قد صُعق عندما سألَ طلاب الجولان عن القرى والمدن التي ينتمون إليها؟ فأجابوه: من الجولان المُحتل، وأبدى شديد استغرابه لوجود مواطنين سوريين ما زالوا تحت الاحتلال؟! وهنا نتحدّث عن وزير التعليم العالي وليس مجرد سائق تاكسي عمومي أو بائع ترمس. ولم يعرف العالم أصلاً، والسوريون خاصة، أن هناك مكاناً اسمه جولان مُحتل إلا بعد إضراب أهل الجولان الشهير عام 82 رفضاً للجنسية الإسرائيلية وما رافقها من نضالات مُستمرّة، أخرجت النظام في سوريا عن صمته، لا بل أخذ باستثمار الأمور وكأنه راعي النضالات والمناضلين! وهو الذي لم يكن له يد فيها.
ولن أعود هنا اليوم على قصّة سقوط الجولان والأسئلة العسيرة التي لا إجابة عنها من النظام حتى اليوم، خاصة وأن وزير الدفاع في حينه كان هو ذاته الرئيس الأسبق للوارث الحالي بشار أي، حافظ الأسد، صاحب بيان سقوط القنيطرة رقم 66، إبّان الهزيمة.
منذ اقتصر الأمر على ذهاب طلاب الجولان إلى دمشق ثم العودة إليه، مروراً بعام 82؛ مرحلة الإضراب الكبير والنضال العلني ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد قانون ضمّ الجولان المعروف، وحتى مطلع التسعينيات، كان أهل الجولان وحركته الوطنية بأحسن حال، وحتى حين بُدئ السماح بزيارات بعض الجولانيين ورجال الدين إلى الداخل السوري. ولكن ما أن بدأت أيدي الأمن والمخابرات السورية تمتد إلى الجولان تحت سمع وبصر الإسرائيليين حتى حلّ الخراب والصراعات والخلافات بين سكان الجولان ومناضليه، وتم تشتيتهم أيما تشتيت، عبر محاولة رمي الفتن والتشكيك بين الوطنيين أنفسهم، وبدأوا كعادتهم بمنح شهادات وطنية لجهة وتخوينية للأخرى، حتى ندمنا على الساعة التي تم فيها فتح الطريق شرقاً إلى دمشق، ويا لسخرية الأقدار…فمَنْ يمنحُ مَنْ!!!
وهكذا استطاعت مخابرات النظام في سوريا أن تُنجِزَ ما عجزت عنه مخابرات الاحتلال الإسرائيلي خلال أربعة عقود من الاحتلال.
لقد نهج النظام مع أهالي الجولان المُحتل، ما انتهجه أثناء دخوله لبنان من ضرب وتشتيت الحركة الوطنية فيها وضرب الفلسطينيين، وكما ينهج حيال المواطنين داخل سوريا نفسها، وبين فئات المجتمع وقواه، على غرار المثل المعروف “فرّق تَسُدْ”.
ما بين المخابرات الإسرائيلية، والمفهوم أنها مخابرات احتلال، وبين مخابرات النظام في سوريا، والتي يُفترض أنها مخابرات “وطنية”، ذهب سكان الجولان المحتل بين الأقدام وباتوا بين كفي الرحى، أو المطرقة والسندان، وحق قول المتنبي:
وسوى الرومٍ خلفَ ظهركَ رومٌ فعلى أيٍ من جانبيك تميلُ
ولا يتعامل النظام في سوريا مع أهل الجولان بوجه ولسانٍ واحد، بل أنك تشعر أن هناك مجموعة عصابات كل واحدة لها رأيها وقرارها الذي يتناقض مع الأخرى، فضاع أهل الجولان في هذه المعمعة-اللوثة، وطبعاً لبعض أيادٍ من أهالي الجولان حصّة من الممارسات، لا تُغتفر، أساءوا بها لأنفسهم وللجولان معاً.
وآخر “طَب الكيل” كما يُقال، قام قبل أيام، ولا ندري أي من أفراد العصابات الأمنية والمخابراتية في دمشق أو نواحيها، المختصون طبعاً بالإلكترونيات ومهام الاستشعار عن بُعد!! بحجب موقعي إنترنت في الجولان إسوة بالمواقع السورية وصفحات الفيس بوك والمدوّنات. ليبقى الشعب السوري، شعباً واحدأً برأيٍ واحدٍ، حفاظاً على الأمن الوطني والقومي!!
مع أن المواقع الجولانية المذكورة لا تُقصّر بنشر أخبار وادعاءات للنظام السوري، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، ومع ذلك فهي لا تروق لهم.
فلم يبقَ أمام الشعب السوري إلا صُحف البعث وتشرين والثورة وبعض الصحف والمجلات والمواقع التي تُطبّل وتزمّر للنظام أكثر مما يفعل هو، ناهيك عن الفضائية السورية التي تنقل ما يحدث في الصومال والعراق والسودان وكوريا والواق الواق، ولا تتحدّث عما يجري على الأرض السورية أو في معتقلاتها أو ما يجري من اضطهاد للأكراد السوريين وسائر الشعب السوري، فهذه كلّها أمور ثانوية!
قبل أسبوعين كان يتحدّث، على الجزيرة وفي برنامج الاتجاه المعاكس، الجهبذ الصحافي الذي تربّع على عرش النقابة في سوريا ربع قرن، الفطحل صابر فلحوط؛ وظننت في البداية أن بعض الأحرف قد اختلطت عليه وأنه يتحدّث عن حرية الصحافة والإعلام في سويسرا أو السويد، لا عن سوريا؛ وكان يُجيب عن كل سؤال بخطاب قومي مرير، لا تهضمه حتى التماسيح.
هذا غيضٌ من فيض، من قصّة النظام في سوريا في تعامله مع الجولان المُحتل، ولو طاوعني قلمي في ذكر بعض الأشياء الأخرى التي ستُشمّت الأعداء فينا، ولو أخرجت ما في بطني إلى حلقي لاحترقت الشفاه بنار الكلمات.
الجولان المحتل/ مجدل شمس