قصّة حزب الله مع السوريين
ماجد كيالي
قصة السوريين مع حزب الله جدّ مؤلمة، ومحزنة، ومعبّرة. فالسوريّون قدّموا لحزب الله ما لم يقدّموه لأحد، وما لم يقدّمه أحد غيرهم له، رغم كل شيء، لأن السوريين المقصودين هنا هم بالضبط هؤلاء الذين يقتلون يوميا بقذائف الطائرات والدبابات والمدفعية، وبرصاص القنّاصة والأجهزة الأمنية وجماعات الشبيحة.
نعم هؤلاء بالذات هم الذين توّجوا نصر الله زعيما عليهم، عن طيبة خاطر، وهؤلاء هم الذين احتضنوا جمهور حزب الله من مدن وقرى الجنوب في بيوتهم، إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، وهؤلاء هم الذين اعتبروا حزب الله حزبهم، ومقاومته مقاومتهم.
لم يفعل السوريّون ذلك بضغط من النظام، ولا عن سذاجة سياسية، ولا عن طيبة قلب، لقد فعلوها على الرغم من أنهم كانوا يسمعون خطب نصر الله، التي يقول فيها “سورية الأسد”، أي التي يطوّب فيها بلدهم لشخص وعائلة. وفعلوها رغم أنهم شاهدوا بأمّ أعينهم زعيم المقاومة وهو يهدي بندقية “المقاومة” إلى رستم غزالة أحد ازلام مخابرات الأسد في لبنان (نيسان 2005)، مع كل ما يعنيه هذا الرجل وأمثاله بالنسبة للسوريين. وقد فعلوها رغم انهم يعرفون الطابع المذهبي لحزب الله، والذي يختلف بالذات عن مذهب أكثريتهم، التي تقتل اليوم وتدمر ممتلكاتها وسبل عيشها.
هؤلاء السوريون، الذين يقتلون اليوم، والذين يحاول حزب الله رميهم بشبهة الطائفية، هم الذين فتحوا قلوبهم للناصرية، أيام جمال عبد الناصر، وفتحوها بعده للمقاومة الفلسطينية، وبعدها لحزب الله.
هذا يعني أن هؤلاء السوريين احتضنوا حزب الله رغم معرفتهم بمحاباته لنظام الأسد، الذي يصادر حرّياتهم ويمتهن كراماتهم، ورغم معرفتهم بطابعه المذهبي، وفوقها مرجعيته لإيران، أي لدولة غير عربية، فقد تناسى السوريون كل ذلك بسبب وطنيتهم، وبسبب من عدائهم لإسرائيل، وبسبب إيمانهم بالمقاومة.
مقابل ذلك فإن حزب الله، ومنذ اليوم الأول للثورة السورية، ومنذ ان كانت المظاهرات سلمية الطابع، أعلن انحيازه المطلق لنظام الطاغية، حتى ان أمينه العام لم يكفّ عن استخدام عبارة “سورية الأسد” ولا مرة في خطاباته. ومنذ البداية اعتبر هذا الحزب بأن مايجري هو مجرد مؤامرة على سوريا، شاطبا في ذلك شعب هذا البلد، بإنكاره حقّه في الحرية والكرامة. وبالمحصّلة فقد تورط هذا الحزب بأشياء كثيرة في مجال دعم النظام، حتى وصلنا الى هذه اللحظة الحرجة التي بات فيها رجال من حزب الله يقتلون ويقتلون في سوريا، أي في المكان الخطأ، وهذا هو الانحراف الثاني لهذا الحزب، بعد الانحراف الأول، المتمثّل باستخدام بندقية المقاومة في الصراعات الداخلية اللبنانية. وفي هذا وذاك كأن هذا الحزب يعلن انتهاء وظيفة المقاومة، بعد أن توقّفت منذ العام 2000، باستثناء لحظة خطف الجنديين الإسرائيليين (2006)، كأن المقاومة كانت مجرد وظيفة، تتوخّى ادوراً أخرى، أو تتقرّر بحسب مزاج الوليّ الفقيه، ومصالح الطغمة الحاكمة في إيران.
ولعلّ أكثر ما يلفت الانتباه ان حزب الله، وهو يرمي الثورة السورية بتهمة الطائفية، وهو بالذات في تركيبته وعقيدته ليس براء منها، لم يفهم أن احتضان السوريين له واحتفاءهم به، كان يتأتّى من وطنية عميقة عندهم تتجاوز كل الطوائف والمذاهب.
حقاً، انظروا أين كان حزب الله وأين اصبح. أنظروا كم كانت مكانته في قلوب السوريين، وأين أصبحت. أيضا، انظروا كم كانت مجتمعاتنا العفوية والشعبية وطنية وحداثية، في احتضانها لهذا الحزب، وكم ظلّ هو غارقا في طائفيته الضيّقة. لقد خسر حزب الله في سياساته وحساباته وتحالفاته إزاء السوريين، وخسر معها مكانته وصورته كحزب مقاومة، عند السوريين وفي المجال العربي، وهي خسارة مؤسفة حقا.
المدن