صفحات العالم

من “النأي بالنفس” إلى الانحياز

 

    عبد الوهاب بدرخان

وزير الخارجية أخطأ ويريد إيهامنا بأنه أصاب، أخطأ ليثبت كغيره في هذه الحكومة أن أحداً لا يمكن أن يحاسب وزيراً، بل ان الأخير يستطيع أن يجحظ عيونه في عيون منتقديه ويقول إن المقصود بـ”الضجيج” الحكومة وليس هو. هذا يشبه ثقافة ميليشياوية ما كان معروفاً انها تتوفر لدى هذا الديبلوماسي المحترف.

إذا كنا فهمنا شيئاً من “فزعة” الوزير للمقعد السوري في الجامعة العربية، فهو انه لم يفاتح أياً من رئيسي الجمهورية والحكومة بما يعتزمه. فهل فهمنا صحّ ام خطأ؟ لم يتبرع أحد بالإيضاح.

كانت مطالبة الجامعة بإعادة عضوية سوريا خطوة سياسية تستوجب التشاور والاستئذان، لا أن ينتهز عدنان منصور فرصة متاحة على المنبر ليتصرّف بشكل متفرّد، سواء كان يعبّر عن اقتناع خاص أو ينفذ تعليمات من خارج الحكومة. وليس لأحد أن يشرح للوزير الأسباب الموجبة لتجميد عضوية سوريا، فهو كان حاضراً عندما اتخذ القرار وتحفظ عنه نأياً بالنفس. بل يعرف أن ممارسة النظام السوري القتل المنهجي كان الدافع إلى هذا القرار، اسوة بما اتخذ ضد النظام الليبي قبله. لكن منصور تجاهل الأسباب، أو أنها لا تعنيه.

لن يناقشه أحد في رأيه الخاص، لكنه مدعو للاحتفاظ به لنفسه طالما أنه منفذ لسياسة دولة، لا سياسة حزب أو طائفة. ففي اللحظة الحرجة اخفق في “النأي بالنفس” او بالاحرى في ضبط النفس، ليعلن تعاطفه مع نظام وحشي لم يعد أحد يربطه بسوريا، ولا حتى بالانتماء إلى اي شريعة غاب. ومنذ أصبح تجميد العضوية قراراً عربياً نافذاً لم يكن لهذا الوزير أن يتحدى غالبية العرب ويورّط لبنان في موقف خاص وفئوي. وكديبلوماسي محترف كان يفترض أن يقدّر انه اختار لحظة دولية – اقليمية بالغة الحساسية ليمارس “حكمة” الانحياز الى الموقف الايراني، فهذا خطأ مكلف للبنان داخليا وخارجيا.

من الواضح ان هناك توجيهاً ايرانياً بمهاجمة دول الخليج والتعرض خصوصا للسعودية، على خلفية التغيير الجاري في الموقف الدولي من الازمة السورية. ويهم طهران ان تظهر مدى تأثيرها في سياسة الحكومة اللبنانية، بل ان تتولى صياغتها لتكون رافضة وناقدة للنفوذ الخليجي المهيمن في الجامعة العربية. ومن شأن طهران ان تعتبر ان عدنان منصور نفذ المهمة بجدارة، ليصبح الذراع الديبلوماسية لتدخلها وتدخل “حزب الله” في القتال في سوريا.

كل ما سمحت به “الشفافية” هو ان نعلم ان الرئيس اكتفى بمعاتبة الوزير، ورئيس الحكومة بمراسلته. لكن بقي مجهولا لدى اللبنانيين اذا كان لا يزال ممكناً الاعتماد على هذا الوزير، خصوصا ان التطورات متجهة نحو التفاقم في سوريا، مثلما ان الصراع الاقليمي حولها متجه نحو الاحتدام. ومن الاساس كان الخيط رفيعاً وواهياً بين “النأي بالنفس” والانحياز، اما الآن، وبفضل هذا الوزير، فإن العلاقات الخارجية للبنان مهدَّدة بالافساد ، ولا سيما مع دول الخليج التي يحتاج اليها جداً جداً.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى