كش ملك
ماذا تحمل الأيام للشعب السوري بعد أن انتفض محتجاً على الظلم والاستبداد؟ بعد أن نفخ غبار الطغاة عن وجه هذا البلد العريق؟ بعد أن سالت الدماء ثمناً للحرية والعدالة الاجتماعية؟ وهل ستجد القيادة السياسية مربعاً، لم يُلَطَّخ بدماء نزفت من أجل الكرامة، تهرب إليه؟ وهي التي تهرب من موقع الـ”كش ملك” إلى الاختباء خلف أكباش الضحية.
ما عاد لعاقل أن يقف موقف الشك إزاء مستوى الوعي لدى الشعوب العربية، المتقدم بمراحل عمّا هو عليه لدى حكامها. وما عاد من المقبول أن يبقى مجلس الشعب السوري على حاله بعد أن شاهدناه بمسرحيته الهزلية أمام خطاب الرئيس الأسد. مجلس الشعب هو السلطة التشريعية التي تسنّ القوانين وتمارس الرقابة الصارمة على السلطة التنفيذية والنظام الاقتصادي ومحاسبة الفاسدين؛ وأعضاؤه مؤتمنون على تمثيل الشعب وليسوا شعراء بلاط ينظمون قصائد المديح لـ”الملك”. بات من الواضح تماماً أن إصلاح هذه السلطة، تحديداً، مرتبط بكافة الإصلاحات وبحاجة إلى حزمة من القوانين الجديدة فيما خصَّ الأحزاب وفصل السلطات، لكي يتسنى للمواطن، من خلال ممثليه تحت قبّة البرلمان، مراقبة ومحاسبة كافة المسؤولين في جميع دوائر الدولة والمشاركة في اتخاذ القرار.
هذا جزء من ملامح رؤية الشعوب العربية التي من أجلها قامت الثورات. لذلك من الأجدى للقيادة السورية بدل الاختباء خلف الصراع مع إسرائيل والمواقف منه – التي طالما دعمها الشعب السوري وسيبقى يدعمها أبداً ما دامت مواقفاً وطنية – وإقالة الحكومة والإعلان عن إصلاحات بقيت دون الحد الأدنى للمطالب الشعبية والتهويل والتخويف من فتنة داخلية.. أن تقف بإجلال وإكبار أمام إرادة هذا الشعب العظيم الذي أثبت للدنيا بأسرها، مع شعب مصر وتونس وكافة الشعوب الحرة، بأننا أمة تنبض بالحضارة وبرجاحة عقول شبابها؛ تتكسر على صخورها كل مشاريع التقسيم والتفتيت ومحاولات تخريب الإنسان العربي، وأن تعترف له بأنه شعب لا يمكن استعباده واستغلاله…
الأجدى للقيادة السورية أن تقف فوراً وقفة شجاعة ومسؤولة أمامنا نحن أبناء الشعب السوري؛ شركاء الوطن والمواطنة، والإعلان الفوري عن بدء حوار يشمل كافة فئات المجتمع لضمان المشاركة في الإصلاح والتغيير السلمي.
لا شك أن هذه الهبة الشعبية هي استمرار لثورة الجماهير الشعبية التي انطلقت شرارة حمراء من رماد جسد محمد البوعزيزي في تونس الخضراء، وعلى أغلب الظن ستستمر بالانتشار وتطال بنيرانها المقدسة كل أوكار الفساد، وستكوي بلهيبها كل رموز القمع والاضطهاد، وستغلق كل منافذ الهروب لتبقي خياراً وحيداً أمام أصحاب القرار هو الاستجابة الكاملة لمطالب الشعب بالإصلاح الديمقراطي.
وفي مثل هذه الأيام المفصلية من تاريخ وطننا لا بد من القول: مزيداً من العمل من أجل بناء دولة حديثة تضع الإنسان وكرامته على رأس سلم أولوياتها، دولة تعمل ليل نهار من أجل كرامة الوطن وعزته واستقلاله وتحرير أراضيه المحتلة، ومن أجل حرية المواطن وسعادته وتقدمه ليلحق بركب الأمم المتحضرة.
وئام عماشه
معتقل جلبوع
2011-04-08