كلّنا ماضون و سوريا وحدها من تعرف الحقيقة
الحزن المفاجأ كالموت المفاجأ يترك ُ خلفه ُ أشياء لا منطقية يصبح ُ التفكير ُ فيها أكثر لا منطقية ً من التفكير الذي هو نفسه ُ لا منطقي ، “ و الموت ُ مثلي ، لا يحبّ الانتظار “ .
أعمل ُ و ريثما أتخرّج من كلية الهندسة المعمارية، مع الأطفال في روضة كمدرّسة. ابتعدت ُ عن العمل فترة ٍ و عندما قررت ُ العودة هذا الصيف و تقدمت ُ بأوراقي للعمل في روضة ٍ جديدة طـُلب َ إلي ّ أن آتي برسالة توصية ، بمعنى آخر ورقة ٍ موقعه ٍ من مديرتي في الروضة السابقة تتحدّث ُ فيها عنّي أثناء العمل معها، عن شخصيتي و المنصب الذي تراه ُ مناسبا ً لي . مديرتي السابقة أصبحت عميدة ً في احدى الكليّات و كان التواصل معها صعبا ً بعض الشيء لإنشغالها الدائم لذا لم أتمكن من رؤيتها عندما ذهبت ُ لأخذ الورقة من سكرتيرتها ، دخلت ُ المكتب و انا استرجع كلّ ذكرياتي السابقة ، مديرتي هذه هي واحدة من الأشخاص الذين تركوا أكبر الأثر الإيجابيّ في حياتي. لم تكن مديرة ً و حسب ، كانت صديقة و الفضل يعود إليها بالكثير من الأفكار التي أحملها عن الإنسان و الطفولة . أخذت ُ الورقة ، شكرت السكرتيرة و خرجت ُ متجهة ً إلى سيارتي ، كان لديّ فضول ٌ لأقرأ ما كتبت . احدى الجمل التي توقفت عندها كثيرا ً هي وصفها لي بأنني امتلك ُ طاقة ً ايجابيّة كبيرة ً و أنه ُ بإستطاعتي أن أحوّل أيّ عمل ٍ ممل إلى لعبة ٍ مسلية يستمتع ُ بها كلّ من يعمل ُ معي ، علّقت ، كما العديد من الذين أعرفهم ، على أنّ ابتسامتي الدائمة التي تشعر ُ المحيط بالارتياح لأن يتحدثوا معي بأريحيّة حتى لو لا يعرفونني سابقاً.
انهيت ُ قراءة رسالة التوصية وضعت ُ المفتاح في مكانه و قمت ُ بتشغيل السيارة ، قبل أن أبدأ بالقيادة أسدلت ُ المرآه المعلقة فوق مقعد السائق ، نظرت ُ إلى نفسي ، حاولت الإبتسام بأكثر من طريقة، أغلقتها و بدأت ُ القيادة .
هل فقدت ُ قدرتي على الإبتسام ؟ هل سرقوا هذه أيضا ً ؟
كيف َ أبتسم ؟؟
كيف َ أبتسم و أنا هنا وحدي و سوريا هناك ؟ أشعر ُ اذا ما قضيت ُ وقتا ً ممتعا ً أو تجرأت الإبتسامة أن تعتلي صهيل َ شفاهي ، بالخيانة، فكيف َ تسير ُ حياتي بشكل ٍ طبيعي هنا و سوريا هناك تحصي في كلّ مساء ٍ عدد السكان و عدد المقابر و تنقل ُ ابنائها من سكان ٍ إلى مقابر. كيف َ أبتسم و شعبي ، الشعب السوري تفرّق بين َ معتقل ٍ و مشروع معتقل ، شهيد و مشروع شهيد ، ، لاجئ و مشروع لاجئ ، صديق سابق و مشروع صديق سابق ، “متآمر “ و مشروع “متآمر”. كيف َ أبتسم و قد أصبح َ شعبي عبارة عن صفحات فيس بوك تبحث ُ واحدة عن مفقود و تنادي أخرى بحريّة معتقل و تتضامن ُ ثالثة مع شهيد و رابعة تندد ُ و تكذّب ُ كلّ الصفحات الأخرى ؟
كيف َ و أنا هنا و أصدقائي و أقربائي في سوريا هناك أهاتفهم فيردّ صوت الرصاص قبل َ أن تردّ حناجرهم ، كيف و طفلة بعمر الخمس سنوات أسألها عن حالها فتضيع ُ اجابتها بين “ مبسوطه بس مو مبسوطه “ و “لا تخافي عم يقوصوا ، يمكن هذا عرس “ .
كيف و الحقيقة تضيع ُ بين َ كذب هذه الوسيلة الإعلاميّة و اجندات تلك ؟ كيف و البعض مازال مصرّا ً على أن يغلق كلّ الأبواب و الشبابيك و يعيش في الظلمة و من ثمّ ينفي وجود الشمس في أيّ مكان في العالم؟ أمـّا البعض الآخر فيصرّ على أن يمارس لعبة النعامة و يدفن رأسه ُ بعيدا ً و يتباهى بأنه “محايد” و كأنّ الأمر مشكلة بين جيرانه و الأمر لا يعنيه على الإطلاق ، كيف والبعض الثالث يسكت ُ عن كلّ شيء بحجّة أنّ أيّ من الأطراف لا يمثله ُ و يتعامل مع المسألة و كأنّ ما يجري هو مباراة كرة قدم و عليه أن يشجع أحد الفريقين أو يغيّر المحطه و يتنقل ُ فيما بينها و هناك فئة بين هذا “البعض “ ترى نفسها الحكم الذي يريد ُ أن يوفّق َ بين ضربات الجزاء و التجاوزات بين الفريقين .
أمـّا فيروز فما زالت تردد ُ ، “ بتخلص الدني و مافي غيرك يا وطني” لتذكرني بأننا جميعا ً راحلون و التاريخ سيـُسجّل لصالح الأقوى أمّا سوريا فوحدها من تعرف الحقيقة ، وحدها من ستبقى.
. . .
http://www.freesham.com/2011/06/blog-post_15.html