كيف أصبح “أصدقاء سوريا” أصدقاء الأسد؟/ حسين عبد الحسين
يحتاج أوباما ولاية ثالثة ليقرر اتخاذ إجراء تجاه سوريا أم لا، لكن هل سنبقى على قيد الحياة إلى ذلك الحين؟
على إثر اللقاء الذي عقدته مجموعة “أصدقاء سوريا” قبل عام، المؤلفة من 11 دولة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أصدرت المجموعة الدولية بياناً مقتضباً وقاسياً أدانت فيه انتخابات الولاية الثالثة التي كان الرئيس السوري بشار الأسد يستعد لإجرائها، وحمّلت نظامه “مسؤولية الإرهاب الذي يرتكبه بحق شعبه وينشره في عموم المنطقة”. وتابع البيان ان محاسبة الأسد ستتضمن الطلب الى مجلس الأمن احالته وأركان نظامه الى “محكمة الجنايات الدولية”.
بعد 16 شهراً على المؤتمر المذكور، أطل وزير الخارجية الأميركية جون كيري من المكان الذي انعقد فيه المؤتمر – أي لندن – ليقول هذه المرة إنه صحيح أن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا، وأن عليه الرحيل، وهي اللازمة التي درج على ترديدها المسؤولون الاميركيون، لكن ليس على الأسد الرحيل “بالضرورة على الفور”. وتوجه كيري مستجدياً روسيا وإيران لدفع الأسد للمشاركة في مفاوضات التسوية السلمية. “نحن جاهزون للتفاوض”، قال كيري، مضيفا: “هل الأسد مستعد للتفاوض؟”.
في اقل من عام ونصف، انقلب الموقف الأميركي – والغربي بشكل عام – من موقف يصف الأسد بالإرهابي ويعد بمحاسبته امام “محكمة الجنايات الدولية”، الى موقف يستجديه للحضور الى طاولة المفاوضات. أما الأسباب التي أدت الى التراجع الأميركي – الغربي فيمكن ايجازها على الشكل التالي:
تراجع حلفاء أميركا، خصوصاً ممن شاركوا في مؤتمرات “اصدقاء سوريا”، بعدما أيقنوا ان أداء الرئيس باراك أوباما على المسرح الدولي أداء كارثي، وان لا جدوى من المراهنة على واشنطن او التعويل عليها لحماية مصالحهم. وفي الأداء الأميركي المزري، تتسابق الديبلوماسية الفاشلة مع المجهود العسكري المتعثر.
ديبلوماسياً، كيري – المعروف باعتداده بنفسه – يعتقد أنه من أبرع وزراء الخارجية الأميركيين، ولكنه لا يفطن ان أسلوبه يشبه طريقة “خذ وطالب” وانما بطريقة معكوسة. ومن راقب المفاوضات النووية مع إيران، رأى جيداً كيف أعلن كيري رفضه مجموعة من الأمور، ثم تراجع عنها الواحد تلو الآخر. وفي واشنطن، يطلق العاملون في الشأن العام عبارة “ازاحة قوائم المرمى” عندما يغيّر أي من الطرفين شروطه في منتصف المفاوضات. قوائم المرمى عند إدارة أوباما تتأرجح بشكل مستمر، وغالباً لمصلحة الفريق الخصم.
هكذا، انهار مؤتمرا جنيف 1 و2، وانهارت أسس التسوية في سوريا، ووافقت واشنطن على رئيس حكومة وحدة وطنية في العراق كرّس الانقسام الطائفي وعززه. ثم منح كيري اتفاقية نووية لإيران رأى كثيرون انها جاءت في مصلحة طهران. وأخيرا تراجعت الولايات المتحدة عن سياستها تجاه سوريا وانقلب موقفها تجاه الأسد من موقف يعتبره سبب ظهور داعش الى آخر يراه شريكاً في القضاء على داعش.
عسكرياً، راقب خصوم أوباما ومنافسوه الأداء البالي للرئيس المغرور، فأوباما من الرؤساء القلائل ممن تحدوا المؤسسة العسكرية وفرض شروطه، ففي أفغانستان أعطى العسكر نصف عدد القوات الذي طلبوه لتثبيت الوضع، وفرض عليهم جدولا زمنيا معلنا للانسحاب، على عكس رغبات كبار الضباط. وفي سوريا، ركن سفنه الحربية استعداداً للضربة، ثم تردد وفرّ من المخرج الديبلوماسي الروسي. وفي العراق، وافق على الحملة الجوية ضد داعش، ولكنه رفض طلب الجيش مشاركة اميركيين على الأرض لتزويد المقاتلات بالأهداف، ثم فرض سقفاً لعدد الطلعات الجوية للحد من الإنفاق.
هكذا، جاءت النتائج العسكرية لأوباما؛ انهيار الوضع في أفغانستان وعودة الطالبان، وفرار الأسد من عقاب هجومه الكيماوي، وتوسيع “داعش” مناطق نفوذها في سوريا والعراق لتشمل مدينة الرمادي بعد عام من استيلائها على الموصل، وانهيار برامج تدريبه العسكرية للقوات الحليفة في اليمن والعراق وسوريا وافغانستان.
الحكومات الحليفة لأميركا صارت تعرف أن أوباما لا يلمس شيئاً في السياسة الدولية إلا ويكسره. وصارت هذه الحكومات تعرف ان المراهنة على أوباما وحلوله هي من ضروب الجنون.
ولأن حلفاء أميركا من الأوروبيين يرون أنفسهم في مأزق بين سعيهم الى الظهور بمظهر الانسانيين في استقبالهم للاجئين سوريين وتعاطيهم مع كارثة إنسانية هي الافدح من الحرب العالمية الثانية، من ناحية، وخوفهم من ان يؤدي التنامي الديموغرافي للمسلمين بينهم الى تعديل الهوية المسيحية لأوروبا، من ناحية ثانية، فهم راحوا يبحثون عن حلول للأزمة السورية بعيداً عن واشنطن وفشلها.
وبعد المانيا، التي تتبنى منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة في العام 2011 بقاء الأسد لمواجهة “الإرهاب”، انضمت النمسا، فبريطانيا، التي استضافت كيري ليعلن عن استدارته الأخيرة وتعديل موقفه من الأسد. والأرجح ان تسرّب الإدارة في قادم الأيام ما مفاده انها انقلبت تجاه الأسد بسبب استدارة الأوروبيين، من دون ان يدرك أوباما وصحبه ان سياستهم الكارثية في سوريا هي التي تسبب بتغيير الموقف الأوروبي أصلاً.
أما بصيص الأمل الوحيد للمعارضين السوريين، فيكمن في ان فشل إدارة أوباما دوليا يشمل معاداتها للأسد كما مصادقتها له، فواشنطن لطالما صالت وجالت وأعلنت مواقف ضد الأسد، وهي الآن تصول وتجول وتقول “نحن جاهزون للمفاوضات”. ولكن أميركا لم تتحدث باسم أي طرف سوري منذ العام 2011، ولا يتوقع ان تتحدث باسم أي من السوريين اليوم. وكما كان دور أميركا هامشياً منذ اندلاع الثورة، سيبقى هامشياً بعد استدارتها، وستنتظر سوريا والعالم رحيل أوباما ومجيء خليفته، علّ من يخلفه يظهر حنكة أكبر صارت مطلوبة على وجه الضرورة.
المدن