كيف نُقنِع أردوغان بخطئه الكردي المميت؟
جهاد الزين
من الصعب بالنسبة لي ولعديدين فصلُ الشعور بـ”التورط الشخصي” عن سياق متابعة الشؤون التركية باعتبارها أساسا – خمسة أسطر للتشديد على “أساسا” – مراهنة على إمكان نجاح تجربة تحديثية في بلدٍ مسلم، البلد المسلم الوحيد باستثاء ماليزيا التي هي إسلام “صيني” الثقافة ومختلف في “كيميائه” عن العالم المسلم العربي الشرق الاوسطي والباكستاني والإفريقي الغارق في التخلف.
لهذا أشعر اليوم بعمق وصدق التحذيرات التي يوجّهها معلقون وكُتاب أتراك وعرب إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن خطورة التأزم الدموي المتصاعد للمسألة الكردية داخل تركيا بما أصبح يهدد التجربة التركية التحديثية وإنجازاتها بالكامل. هذه هي النقطة الجوهرية التي يبدو أن أردوغان لا يصدّقها: تهديد المسألة الكردية، لكامل التقدم التركي السياسي كموازٍ وشريك عضويٍّ لتقدّمِها الإقتصادي. تقدّمان مترابطان جعلا من تركيا نموذجاً فعليا.
الزعيم التركي الذي أخذ موقفُه من الموضوع الكردي يدخل مرحلة المكابَرة كما يؤكّد لي أصدقاء أتراك يحبّونه بل راهنوا عليه وكانوا من قادة الرأي في الصحافة على رأس التيار اليساري والليبرالي الواسع الذي اقترع له ولحزبه رغم “إسلامويّته” منذ العام 2002… هذا الزعيم لا ينتبه أو لا يريد أن ينتبه أن تركيا “عادت” إلى أجواء التسعينات في صراع المؤسستين العسكرية والسياسية مع الأكراد في “الجنوب الشرقي” بل في كل تركيا. إنه لا ينتبه ولا يريد أن ينتبه إلى أن تصريحاته ومواقفه لم تعد تختلف في الموضوع الكردي الداخلي عن تصريحات غلاة الكماليين الأتاتوركيين التقليديين خلال عقدي الثمانينات والتسعينات.
بسرعة ينبغي للقارئ الإستدراك هنا أن هذا التحول “القومي الشوفيني” في سياسة “حزب العدالة والتنمية” سابقٌ لموقفه الداعي بلا تردد إلى إسقاط النظام السوري. لذلك فإن النقاش على السياسة التركية حيال المسألة الكردية ليس نقاشا على السياسة التركية في سوريا وكان الموضوع الكردي يتفاقم قبل الثورة السورية وإن كانت بعض تداعيات الثورة قد ساهمت في تصعيده بشكلٍ خطِر. بالعكس فإن أحد المآخذ الأساسية لمنتقدي أردوغان أنه كان عليه ولا يزال أن يدخل مركب دعم الثورة السورية وهو مستعد كردياً. بمعنى تعزيزه للإصلاحات السياسية الديموقراطية للمسألة الكردية لاسيما بعد “تطويعه” للدور السياسي للجيش بحيث يتحصن كنموذج ديموقراطي داخل تركيا في تصميمه على سوريا ديموقراطية. وإلا عندها ما الفارق بينه وبين السعودية في دعم الثورة أو ما الفارق بينه وبين إيران في دعم النظام السوري؟
النموذج التركي في خطر بسبب الأكراد لا بسبب الوضع السوري!
النهار