كيف يحوّل حزب الله العملاء مقاومين والوطنيين عملاء؟
بول شاوول
عندما تَرى الاحتفالية “الوطنية” التي قوبل بها العميل الإسرائيلي في “التيار العوني” فايز كرم، ورشقه بالرز والورود والكولونيا تُحس انك تشهد عرساً يزدهي بالألوان والروائح والزغاريد والزلاغيط: فعميل لإسرائيل (في عهد حزب الله!) جدير بالاحتفال. ويستحق أن يخرج من السجن (بعد إتمام مدته!) خروج الأبطال. وهنا لا تعود تفرّق مثلاً بين إطلاق إسرائيل القنطار من سجونها وما رافقه من تكريم وبين خروج فايز كرم! فالعميل والمقاوم في مستوى واحد من الاحتفاء. رائع! وكأن الصورتين هنا، تُعبِّران عن الأدراك التي وصلت إليها الممارسات السياسية! لكنه صورة “عريس المقاومة” المتهم بإسرائيل أبلغ: إذ انها قد تكون من الصور النادرة في التاريخ التي نرى فيها كيف يستقبل فريق من اللبنانيين (محسوبين على الممانعة والمقاومة) عميلاً محترفاً وقديماً للمخابرات الصهيونية! رائع! وعندها يمكن أن نتساءل عن الحدود التي يمكن ان تفصل العميل عن العميل، والعميل عن الوطني، والعميل عن المقاوم! وهذه الظاهرة ليست جديدة: فقد ابتكرتها الوصايات الخارجية المتعاقبة على لبنان وعلى رأسها النظام السوري متضامناً مع ولاية الفقيه فأنت يمكن أن تنقلب بين الصبح والظهيرة من حليف المقاومة إلى حليف العدو. ويمكن أن تتحول من عميل خطر وخائن إلى مناضل، ومجاهد. هكذا لمجرد ان غيرت رأيك حتى في قضية صغيرة! فالمسافة ملغاة بين الضفتين. فهناك بعض المتربعين على “عروش” الحقائق، يوزعون الألقاب على هواهم! وسياسة التصنيف معروفة: إما ان تكون معنا، وانت حر ان تكون عميلاً لاسرائيل وإما ان تكون ضدنا… ولو حتى “مناهضاً للسامية” نفسها… وتكون عميلاً لإسرائيل!
وقد لا تكون القضية معقدة أو عويصة أو أخلاقية. فالقاعدة معروفة عند حزب الله مثلاً (مندوب ولاية الفقيه ونظام القتل في سوريا)، فهي سيف إرهابي مصلت عليك. كأنه يذكرنا دائماً بأنه هو الذي يكتب “الوصايا” و”التاريخ” (ويقسم الجغرافيا الأرضية والسموية!) بل وكأنه يقول “الويل لمن يخالفنا” ! فله الجحيم في الدنيا والجحيم في الآخرة! و(كأن قادة الحزب آتون من توّهم من جهنم!). فنحن حزب الله حزب الممحاة. حزب النسيان. (وحزب الخنجر أيضاً وفي الظهر: لا تنسوا). نحن صنّفنا مع حلفائنا الأبرار ميشال عون عميلاً ولصاً وهارباً من الجندية، ومتعاملاً مع أعداء الوطن، عندما تجرأ وأعلن حرب التحرير (المزعومة) على نظام الوصاية في لبناننا (المفدى) ونحن غسلنا “ذنوبه” وطيبّنا وجهه وسريرته وقبعته ليكون “جنرالاً للمقاومة” فأزلنا كُرمى لتوبته، ولخضوعه، مع قاضي قضائنا، عدنان عضوم وبرعاية مقاومنا الأول إميل لحود كل التهم التي نسبناها إليه عن قصد ووعي وشرف (نحن شرفاء) وأخرجناه مثل ليرة الذهب يلمع بالوطنية من كل جوانبه. هذا الدرس تعلمّوه أيها اللبنانيون: فنحن حزب الله بقادتنا “غير الآدميين” وبنعم المولى عز وجل، وبارادته العلية قادرون على جعلكم كلكم، إذا اقتضت مصلحة سوريا وإيران عملاء! وقد أذقنا أكثريتكم هذه الكأس: أولم تتهم 14 آذار بملايينها بالعمالة لإسرائيل! نعم! اتهام جماعي (غير عنصري بالتأكيد وانما سياسي) لأنها تجرأت على “تحرير” لبنان من الوصاية السورية! لا تنسوا: العملاء وحدهم يحررون لبنان! العملاء وحدهم يحققون “السيادة” له! والاستقلال. والديموقراطية! حتى شهداؤكم، لم يسلموا منا، أحياء، وموتى، نعم! قادرون على جعل الشهداء قتلة، ولصوصاً والقتلة واللصوص والخونة… أبطالاً. (كأس البطولات في خزائننا!) حتى موسى الصدر… لم نطالب به كما يجب ولم نصر على كشف الحقيقة لأن مصالحنا مع الشقيقة الأولى سوريا والقذافي… قد تتهدد. وكمال جنبلاطكم! وحسين مروة… ومهدي عامل.. وسهيل طويلة وميشال واكد والمفتي الشيخ حسن خالد، والشيخ العلامة صبحي الصالح والنائب ناظم القادري.. وصولاً إلى الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض.. كل هؤلاء محونا أسماء قتلتهم بجرة ممحاة! وإذا كنتم لا تصدقون: ها هو الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري! وقد جعلنا المتهمين باغتياله أبطالاً، وقديسين! وهذا ما فعلناه مع قتلة الشهداء: سمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد وجورج حاوي.. فقد اتهمنا كل هؤلاء قبلاً بالعمالة… ثم اتهمنا اسرئيل بقتلهم. عليكم ان تعلموا ايها اللبنانيون (أيها المغتربون في وطنكم بفضل وطنيتنا) اننا نحن المرجع المعني بالاتهام بالعمالة… وبالخيانة ونحن في أيدينا الحكم والبراهين… والنفاذ! رائع! فانتبهوا! نحن القضاة! وإذا كنتم ما زلتم تشككون فها هو فايز كرم؟ العميل الكبير وأحد قادة التيار العوني (حليفنا) يخرج (بمشيئتنا العادلة الورعة الايمانية) من السجن (سجن بخمس نجوم!) بطلاً! نعم! ألم تتابعوا في التلفزيونات وفي الصحافة صوره محمولاً على الأكتاف (وكأنه حرّر تل أبيب في اسرائيل!) ومرشوقاً بالورد والرز والبرغل والمجدرة… ومستقبلاً بالزغاريد! تابعتم جيداً ايها “المكابرون” كيف تكون العمالة لإسرائيل ممراً للمجد مع حلفائنا، وكيف تكون “وطنيتكم” ممراً للعمالة كونكم “أعداء” لنا! فايز كرم الذي وصفه ميشال عون بـ”يوضاس”…(هل تتذكرون رسائله إلى زوجته وبعض أقربائه بأنه نادم… على ما ارتكبه في عمالته للعدو وانه خيب آمالهم! كل هذه الرسائل مُحيت! وكأن لم يكن لا قلم ولا ورقة… ولا مرسال ولا مراسيل. ولا شيء آخر. تذكروا اننا اتهمنا عدداً من أبناء “البيئة الحاضنة المقدسة عندنا.. بالعمالة! هل عرفتم اسماءَهم؟ لا! هل عرفتم مصيرهم؟ لا! هل عدتم وسمعتم عنهم؟ لا! فنحن نكتشف العملاء ونحن نحاكمهم (من دون مساعدة القضاء اللبناني، فهذا ليس من شأنه، بل من شأن جماهيريتنا العظمى في الضواحي..) وتذكروا الشيخ مشيمش عندما القت القبض عليه “قوات” حليفنا النظام الديموقراطي الشقيق المقاوم، الممانع، محرر الجولان، ولواء اسكندرون.. بتهمة العمالة لإسرائيل: انتم تعرفون لماذا؟ لأنه بكل بساطة خرج عن طوعنا! والخروج عن طوعنا وطوقنا، وأياً تكن الاسباب هو عمالة لإسرائيل! وأكيد انكم تتذكرون الكتائبيين السابقين كريم بقرادوني وميشال سماحة.. اللذين كانا متهمين أيضاً بالتعامل مع اسرائيل ويقال إن احدهما لم يكن بعيداً عن المخابرات الفرنسية. ماذا حلّ بهما اليوم: صارا رمزين من رموز مقاومتنا الالهية، وممانعاتنا وتحالفاتنا. صارا “أجمل” و”أنظف” ما عندنا من أصوات طربية دعائية للتحرر و”مواجهة” العدو (يمكن أن تتذكروا من منهما كان دليل شارون في الأشرفية وفي لبنان اثناء غزو لبنان في 1982). معليش: حتى الصور التي تمثل جنرالنا الكبير ميشال ما غيرو مع الضباط الإسرائيليين على المتحف… تجاوزناها! أو لم يُصبح في قبضتنا؟ هذا هو المطلوب. ونحن أوفياء ولا تنسوا اسم كتلتنا في البرلمان الذي عطلناه خدمة لمصلحة “اللبنانيين” كتلة الوفاء… قبل المقاومة!
كافأنا الجنرال. وهو يستحق أكثر: احتضنا فساده كإنجازات تتجاوز ربما التحرير! حيينا جشعه وجشع صهره .. فصار الجشع “معنا” ضرباً من ضروب الكرم والشهامة والنزاهة وهي من صفات المقاومين! وغضضنا الطرف عن الصفقات: المازوت الأحمر والبواخر والكهرباء… وهو يستحق منا هذا الجزء (ويمكن ان نصلي له وصهره لكي يشملهما جزاء الآخرة بالجنة والفراديس). هو، الجنرال وكتلته النيابية المنفوخة بأصابعنا الطاهرة النزيهة المنزهة، يبادلنا كل ذلك: فقد غطى كل تحركاتنا النضالية! من احتلال وسط العاصمة واغلاقنا مجلس النواب خدمة لازدهار العمل البرلماني وحاصرنا الحكومة وفرضنا اقامة جبرية على النواب الأكثريين في فينيسيا! وقد ايدّنا بكل “وفاء” ايضاً حتى الاغتيالات التي نتهم بها، أو يتهم بها بعض حلفائنا.. غطاها (كرمى للحقيقة وللعدالة اللتين نجسدهما بمشيئة الهية!) برذاذ من الغبار: وتتذكرون ايّها اللبنانيون كيف أرجع الجنرال اغتيال سمير قصير إلى اسباب عاطفية، واغتيال جورج حاوي… إلى خلاف قديم.. وكيف برّر اغتيال جبران تويني بأن هذا الأخير “كل يوم شكل” (وتتذكرون ان والد جبران الاستاذ غسان تويني رد على عون بجملة “هذا رجل بلا دم!”). تأملوا ان الجنرال نسي الدم في عروقه من اجلنا! ونحن نسينا تاريخه، من أجله! وها هو اليوم يحمي بقاء حكومتنا “البيضاء” الديموقراطية خدمة لارادة النظام السوري حليفنا.. وأكثر: انه يرفض ايضاً استقبال النازحين لأنهم “ارهابيون” ومجرمون! هل تريدون اقوى من هذه المواقف التي يعبر عنها الجنرال اخلاصاً لنظام الأسد الإصلاحي، الوطني، الممانع! حتى النظام السوري كيف لا نكافئه على ما احاطنا به من رعاية فنفّذ الاتفاق الذي عقده حافظ الأسد مع رفسنجاني بانشاء المقاومة المذهبية ودعمها وضرب المقاومة الوطنية والفلسطينية! تذكروا (ولو سراً) ايها اللبنانيون كيف تجاهلنا، نحن بحنكة “ربوبية” ايضاً! تصريحات رامي مخلوف عندما قال “أمن سوريا من امن اسرائيل” تأملوا! وكيف تجاهلنا رد التحية بأحسن منها من احد قادة “العدو”… “سقوط النظام السوري كارثة على إسرائيل”! نعم! فالمهم ان النظام السوري يدعم إيران (ولية أمرنا) في اختراق العالم العربي، وتدمير قضاياه ودوله، باستراتيجية اقامة خطوط اختراقات مذهبية من ايران إلى العراق فاليمن فلبنان لتكتمل الدائرة مع الأقلية الصهيونية! (كماشة ضد العرب والعروبة). ولكي لا تضيعوا البوصلة أيها اللبنانيون عليكم ان تعرفوا انكم تعيشون اليوم في “عصر حزب الله” وفي “عهدة أمينه العام” وتحت مشيئة سلطته” فهو القانون والقاضي، والحُكم والحَكَم ولا تأخذنكم مظانكم وأوهامكم ومراهناتكم إلى حقائق أخرى. خذوا هذه النصائح من أفواهنا المفوّهة، المُفوّحة: نحن من يتهم بالعمالة ونحن من يُبرئ. نحن نكافئ عملاء إسرائيل ونحن نُجرّمهم، نحن نطالب باعدامهم في الميادين: ونحن نخرجهم من السجن مقاومين مثلنا، ونحن نزوّد “المبتهجين” بالرز والطيوب والبرغل والورد.. لكي يرشوها عليهم، بعد خروجهم من السجن، بحقوقهم المدنية الكاملة… ولا تستبعدوا، أيها اللبنانيون، ان نرشح بعضهم وعلى رأسهم فايز كرم على لوائحنا التي تتضمن اشرف الناس وأطهرهم وأزكاهم رائحة “من رائحة الجبنة” روائحهم، عملاء اسرائيل الذين يتحالفون معنا! اما من يختار المواقع الأخرى المختلفة عنا، كـ 14 آذار و”السياديين”… والمؤيدين لثوار سوريا… والمطالبين بسحب سلاحنا “المقدس” الذي وإن صدئ في الجنوب فقد التمع في الجبل وبيروت في 7 أيار فالويل لهم! فكل واحد منهم مشروع عميل، وكل واحد منكم مشروع شهيد! وكل واحد مشروع منفي! فاتعظوا! فانتم في عهدة حزب الله! العظيم! في عهدة المقاومة! في عهدة الممانعين بأسلحتهم الألهية والمكافحين الارهابيين في سوريا، هؤلاء الذين يدعون الثورة!
كلمة أخيرة: على الرغم من كل ذلك، فنحن حزب الله عندنا القدرة ايضاً، كبعض حلفائنا على نقل البندقية من كتف إلى أخرى.. إذا خابت رهاناتنا… حتى في النظام السوري! كأن في كل ذلك لسان حال “الصدر الأعظم الإيراني” حزب الله! لكن يبدو انه زمن قد بدأ يأفل. وان العهد الذي كان حزب الله يتهم والبعض يصدق.. قد ولى! فبقدر ما نصدق الاعلام السوري الرسمي واعلام ولاية الفقيه… نصدق هؤلاء حتى في نشرة الطقس!
اما فايز كرم فهو المجاز البليغ لهذا الحزب: مجازه المعبر! فالرز والعطور والورود التي رشق بها العميل فايز كرم… رأينا كثيراً منها.. في مناسبات أخرى. طبعاً مناسبات تاريخية لا تنسى!
وأخيراً نقول لـ8 آذار … و”كل عميل للعميل نسيب”!
فمبروك يا حزب الله… كان على فايز كرم أن يزور حارة حريك شاكراً… قبل أن يزور جنراله المفدى في الرابية.
بول شاوول
المستقبل