كيف يمكن وقف الحرب السورية؟/ جيمس ستافريديس
الغوطة الشرقية تحترق. في المنطقة الواقعة شرق دمشق يموت آلاف المدنيين بينما تقوم القوات الحكومية بسحق المتمردين المتبقين. أمّا قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 3 آذار(مارس)، فمات قبل ولادته. وفي غياب آلية إنفاذ أو وسائل لمحاسبة الرئيس السوري، بشار الأسد، تواصل القوات الموالية له قصف المنطقة من دون حسيب أو رقيب. ومع اشتداد الهجوم البري، أشارت مجموعة مراقبة إلى وقوع هجوم كيميائي في الغوطة الشرقية. فيما اقترحت روسيا، الداعم الرئيسي للنظام السوري ومصدر أسلحته، «هدنة» إنسانية من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر يومياً، وإنشاء «ممر إنساني» للمدنيين للخروج من المناطق المحاصرة. لكن القتال لا يزال محتدماً.
ووقعت، في 15 آذار (مارس)، الذكرى السابعة للحرب الأهلية في سورية والتي قتل فيها أكثر من 400 ألف سوري. وأكثر من 11 مليون شخص اضطروا إلى ترك منازلهم ليستقروا في الأغلب في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة. وصار ملايين السوريين يعيشون في المخيمات هذه. وتصنف الأزمة السورية اليوم من بين أسوأ النزاعات الأهلية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لتنضم إلى البلقان ورواندا وحقول القتل في كمبوديا والتمرد الكولومبي الطويل، وتندرج تحت خانة الحروب الوحشية الشاملة واللاإنسانية والفتاكة.
ما العمل؟
مع الأسف، تقف الولايات المتحدة اليوم موقف المتفرج. وتلتزم إدارة ترامب سياسة مكافحة نظام داعش فحسب، كما فعلت إدارة أوباما. أمّا الوحدة العسكرية الأميركية المرابطة في شرق سورية، فهي تساهم في حفظ الاستقرار في الأراضي المحررة من تنظيم «داعش»، وتحول دون سيطرة القوات الإيرانية والسورية على المنطقة. وأنهت إدارة ترامب برنامج «سي آي إيه» لتسليح وتدريب المعارضة السورية المعتدلة، وهو البرنامج الذي أبصر النور في عهد الرئيس أوباما، والذي لم يكن مستداماً أو يعتد به. وفي الواقع، سمحت الولايات المتحدة بضمور حاد في نفوذها، مهما كان النفوذ هذا ضئيلاً، في الميدان السوري. وقبول مثل الضمور هذا خطأ وليس في محله. فهي تتنازل عن المنطقة لمصلحة روسيا وإيران. وتعرّض للخطر أقرب حليف لها في المنطقة، إسرائيل، وتصيب باليأس الأصدقاء في العالم السنّي؛ وتساهم في انحراف تركيا إلى خارج الناتو، مما يضعف الحلف في شكل كبير. ويعتبر أن الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، هو المنتصر الأبرز بعد الأسد، فهو اكتسب قوة أكبر بأقل ثمن فعلي. فهو استخدم وكلاء، وكان عدد خسائر الروس البشرية متدنياً. ويرى الجمهور الروسي بوتين كلاعب عالمي قوي ينجز الأمور. فيما يرون الولايات المتحدة ضعيفة ومشتتة بسبب الدراما الداخلية اليومية. يجب علينا الدخول في اللعبة أو المخاطرة بالتهميش الدائم في منطقة حاسمة من العالم. واقترح الخطة التالية للحؤول دون تهميش أميركا في الشرق الأوسط:
أولاً: إيجاد طريقة لتسليم المساعدات. يجب على الولايات المتحدة العمل مع المجتمع الدولي لإيجاد وسيلة فعالة لإيصال المواد الغذائية إلى المنطقة. وتُظهر الصور القادمة من الغوطة أن السكان يتعرضون لأسوأ الظروف التي يمكن تخيلها. علينا أخذ زمام المبادرة، وفرض وقف حقيقي لإطلاق النار بواسطة الأمم المتحدة للتخفيف من هذه المعاناة الوحشية.
ثانياً: إصلاح العلاقات مع تركيا. في النهاية، تقتضي سياسة الولايات المتحدة في سورية التعاون مع تركيا. وهذه تشن حالياً عملية «غصن الزيتون» ضد الأكراد السوريين في مدينة عفرين بشمال سورية، من أجل تأمين حدودها الجنوبية ومنع إقامة دويلة كردية. المشكلة هي أن واشنطن تعتمد على «قوات سورية الديموقراطية» الكردية كشريك لها في حملتها العسكرية على داعش.
وعوض إرساء تحالف أكثر صدقية وأكثر رسوخاً مع قوات عربية سورية، بنت الولايات المتحدة حملتها لهزيمة داعش حول دعم الأكراد، على رغم اعتراضات تركيا الدائمة. وفي حين أن الحملة ضد داعش أحرزت نجاحاً، ليس ممكناً إرساء استقرار دائم في المناطق التي كانت تحتلها داعش في السابق من طريق الاستعانة بقوات برية كردية لا ينظر إليها العرب السوريون بعين الثقة ويعارضها أحد حلفاء الناتو. وتركيا هي وحدها المخولة رعاية مصالح أميركا في شمال سورية، فهي هناك صاحبة الثقل الجيوسياسي والموارد. ولكن عوض استمالتها، تُركت قوتها على غاربها. وفــــــي وسع تركيا أن تفسد خطط أميركا. وتمس حاجة إلى احتساب إنشاء منطقة أمنية تركية تكون منطقة عسكرية عازلة في شمال سورية، أي منطقة آمنة إنســـانياً. فمعاهدة الناتو تلزمنا حماية حدود الأطلسي كذلك على الجانب التركي. وعلينا إرساء إطار تعاون وتعـــايش إلى حين التسوية.
ثالثًا: التلويح بفرض عقوبات إضافية وفورية على روسيا. ولا شك في أن بوتين يتحمل مسؤولية تصرفات الحكومة السورية. واستنفدت الخيارات في مجلس الأمن الدولي بسبب غياب آليات المساءلة والمحاسبة، وتقويض آليات التحقيق، على غرار تحقيق الأمم المتحدة في الهجمات الكيميائية في سورية، من طريق الفيتو الروسي. ويجب أن تسعى أميركا من دون الشركاء الأوروبيين إلى إعلام الروس، قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، بأن ثمة عواقب تترتب على قرارات بوتين السياسية.
رابعاً: احتساب احتمال تقسيم سورية. فالتقسيم كان علاج الحروب الأهلية الدامية في البلقان والسودان قبل سنوات. وعلى رغم أن هذا الحل لم يكن مثالياً، يجمع معظم المراقبين على أن النتائج كانت أفضل من الوقوف موقف المتفرج من كرّ سبحة فصول الحروب في المنطقتين.
وتبرز الحاجة إلى مناقشة خيار يشمل ما هو أقل من تفسيم كامل، أي إنشاء نظام فيديرالي تحدد أطره في عملية ديبلوماسية دولية. وهذا من شأنه أن يسمح للعلويين بالبقاء تحت حكم الأسد (على الأقل في الوقت الحاضر)، ولكنه يتيح مستوى من الحكم الذاتي السنّي في أماكن أخرى. ولن يكون هناك منتصرون في الحرب الأهلية السورية، وستكون تكاليف عملية إعادة الإعمار، على أقل تقدير وأدنى مستوى مقبول، هائلة. لا تستطيع روسيا ولا إيران وحدهما تحمل كلفة الإعمار، وسيتحمل السوريون تكاليف هذه الأزمة لعقود مقبلة. وحري بواشنطن ألا تسعى إلى حل المشاكل أحادياً، ولكن لا يسعها مواصلة ببساطة تجاهل الكارثة الإنسانية والجيوسياسية المستمرة التي تتكشف أمام أعيننا. ويمكننا أن نساعد في توجيه دفة مساعٍ دولية ترمي إلى فرض وقف لإطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، ووضع حد فوري لاستخدام الأسلحة الكيميائية، وإرساء مسار سياسي معقول من طريق التقسيم أو إنشاء نظام فيديرالي.
* قائد القيادة العليا السابق لحلف «الناتو»، عن مجلة «تايم» الأميركية، 12/3/2018، إعداد علي شرف الدين
الحياة