لا تلعنوا الظلام: “أعيدوا الأنوار إلى سوريا”/ وليد بركسية
تحتمل الأزمة السورية وما رافقها من مآسٍ على أكثر من صعيد حملات تضامنية واسعة، كان أحدثها حملة “أعيدوا الأنوار إلى سوريا” العالمية التي انطلقت مع دخول الأزمة السورية عامها الخامس، حيث دعا تجمع “مع سوريا” (With Syria) المنظم للحملة قبل أيام، إلى توقيع عريضة إلكترونية تطالب زعماء العالم بإيجاد حل للأزمة السورية من منظور جديد، وذلك بعد انتشار صور صادمة ملتقطة من قبل الأقمار الصناعية تبين انخفاض الأنوار المرئية في سوريا ليلاً بنسبة 83% عما كان عليه الحال في آذار/مارس 2011.
ومن مبدأ “الحق في الضوء”، تنطلق الحملة التضامنية الجديدة في سياق خطوات مستقبلية عدة يخطط لها تجمع “مع سوريا” قبل تقديم العريضة إلى زعماء العالم في وقت غير محدد من العام الجاري. إذ ينصب التركيز في المنطلق الجديد ، المعاكس لمعظم الحملات المحلية والعالمية، على القصص الملهمة في الحياة السورية المعاصرة (منها قصص الأطباء والمعلمين وفرق الإغاثة والمتطوعين)، بناء على التجارب العادية التي يشترك فيها البشر عموماً على الكوكب، مثل إضاءة مصباح في المساء أو الذهاب إلى مدرسة أو زيارة طبيب الأسنان.
وفي الدعوة للتوقيع على العريضة كتب التجمع في موقعه الرسمي: “السادة زعماء العالم: مرت أربع سنوات على بداية الأزمة السورية، وما تزال المعاناة الإنسانية هناك أكبر من أي وقت مضى. وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن 83% من الأنوار في سوريا انطفأت خلال السنوات الأربع الماضية، لتغرق الشوارع والمنازل والمدارس والمستشفيات في ظلام حالك تنطفئ معه تدريجياً جذوة الأمل. لكن الإنسان السوري العادي. ورغم ما يواجهه من ظلام، يأبى إلا القيام بأعمال بطولية كل يوم، لا يعرف العالم عنها شيئاً. تلك الشجاعة منهم يجب أن تلهمنا، فلنقف #مع_سوريا ونبذل كل ما بوسعنا لإنهاء المعاناة وإضاءة الأنوار من جديد”.
ويضم تجمع “مع سوريا” 130 منظمة عربية وعالمية غير حكومية تنشط في مجالات إنسانية وحقوقية في شتى أنحاء العالم، أبرزها هيئة إنقاذ الطفولة، لجنة الإنقاذ الدولية، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. علماً أن الحملة انطلقت بشكل نشاط علمي بحثي عام 2011 من قبل علماء في جامعتي “مريلاند” الأميركية “و”ووهان” الصينية، قبل أن يشرف تجمع “مع سوريا” على نشر الموضوع وتحويله من بحث أكاديمي مجرّد إلى قضية رأي عام على المستوى العالمي، بهدف الضغط على قادة السياسة للاهتمام أكثر بالوضع السوري بعدما خذل العالم سوريا خلال السنوات الأخيرة.
ومع إطلاقها دليلاً لصور الأقمار الصناعية، شرح كبير الباحثين في مشروع الحملة د.جزي لي قائلاً إنّ “صور الأقمار الصناعية هي أكثر مصادر البيانات موضوعيةً، حيث تظهر حجم الدمار الذي لحق بسوريا على المستوى الوطني. هذه الصور يتم التقاطها من ارتفاع 500 ميل فوق سطح الأرض، لتساعدنا على فهم ما يشعر به السوري العادي من معاناة وخوف كل يوم، وهو يُشاهد الدمار يحصد بلده من حوله” وكشف لي عن أن “أكثر المناطق تضرراً مثل حلب، لامست نسبة الأنوار التي انطفأت حداً مروعاً بلغ 97%. وحتى الاستثناءات القليلة كمحافظتي دمشق والقنيطرة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وصلت فيها نسبة تراجع الأنوار إلى 35% و47% على الترتيب”.
وفي سياق الترويج للحملة أيضاً أطلق تحالف “مع سوريا” فيلماً قصيراً بعنوان “خائف من الظلام”، بغرض التعريف بالقضية بأسلوب فني عاطفي يوازي الأرقام الجافة. وفي دقيقة ونصف يحاكي الفيلم بشكل مكثف التناقضات التي يعيشها السوريون اليوم مقابل حالتهم قبل أربع سنوات، وذلك عن طريق تكثيف عناصر الضوء والخوف من الظلام وحكاية ما قبل النوم للأطفال، وينجح في إشاعة جو من التعاطف عبر قصة ملهمة ومحزنة في آن واحد، ساعد في نجاحها التنفيذ المتقن والتكثيف البصري بعيداً من المبالغات.
وفيما تسعى الحملة إلى حشد الرأي العام العالمي ودفع قادة العالم إلى بذل مزيد من الجهود لإنهاء المأساة الإنسانية في سوريا من خلال التركيز على فكرة أن سوريا ليست قضية خاسرة، تتلخص طلبات العريضة الإلكترونية التي أطلقتها الحملة بإعطاء الأولوية للحل السياسي المراعي لحقوق الإنسان، ودفع الاستجابة الإنسانية داخل سوريا وفي المنطقة، وتشجيع زيادة الحصص المتاحة لإعادة التوطين في دول أخرى لاقتسام العبء الذي يتحمله جيران سوريا المباشرون، وأخيراً الإصرار على وقف جميع الأطراف هجماتهم على المدنيين وإعاقاتهم للمساعدات الدولية.
المدن