لا تنسوا حلب/ فاطمة ياسين
في غمرة انتصارات المعارضة السورية على الأرض، التي تتزعمها محافظة إدلب من دون منازع، تتسرب أخبارٌ، بعضها صحيح، عن مقتل أفراد كانوا موالين للنظام السوري، أو قدموا له خدمات، وأسْر عناصر آخرين، منهم عساكر مجندون في جيش النظام، وعناصر إيرانية، وآخرون من حزب الله، وأصبحوا الآن في قبضة المعارضة في مناطق سيطرتها الأخيرة في أرياف إدلب.
يؤلمُ المراقبَ منظرُ الجثث ذات العيون والأنوف المفجرة من أثر الاشتباكات العنيفة، بينما يقف رجلان مسلحان، وإعلامي أو أكثر، حول جثة قتيل، ويحكون للمشاهدين عن التكتيك الذي استطاعوا بموجبه الظفرَ به، وسحب جثته إلى هنا.
لكن تنظيم “الدولة الإسلامية” في وسط البلاد، وكعادته، قد أعمل جهده في طمس أخبار العنف والقتل المتداولة على أرض سورية هذه التي تصدرُ عن غيره، ولجأ إلى طريقته السينمائية ذات القدرة الفريدة على رفع معدل المشاهَدات على “يوتيوب” إلى أرقام تفوق مئات الآلاف، وكذلك أصبحت متابعات أخباره في الصحف المحلية والعالمية والمواقع الإلكترونية تتصدر قوائم الأكثر قراءة.. وقد خرج علينا، أخيراً، بخبر إعدام عشرين رجلاً في المسرح الروماني الأثري في تدمر، معتقداً أن جغرافيا تدمر وعراقة مسرحها سيعطيان الخبر فاعلية تحطيمية في الضمائر الإنسانية، تُبقي اسم “داعش” موازياً لحالة الرعب التي لا تنتهي.
على الجانب الآخر، يقدم السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، والمحللون السياسيون التابعون لتياره، أخبار انتصارات لهم في القلمون، تشبه بواقعها انكسار الضوء في الماء. انتصاراتٌ لم تَحُزْ حتى على اهتمام “موقع سما” الأسدي، فكان خبرهم الأول يحكي عن جرائم تقوم بها كتائب داعشية مسلحة؛ ليس هنا، وإنما على بعد ألفي كيلومتر، وبالتحديد في مدينة تدعى درنة شمال شرق ليبيا! بينما الخبر الذي ادعى الموقع نفسه أنه حاز على صفة “الأكثر قراءة” فهو خبر قطع رأس رجل في السعودية!
وسط كل ذلك الازدحام، يمر خبر مقتل 45 مدنياً في حلب، من جراء القصف الجوي للنظام السوري على بيوت حلب، كأنه لم يكن، ومقاطع انتشال الجثث أو الكائنات البشرية الصغيرة التي لا تزال رئتاها تعمل بعض الشيء، من بين أكوام الحجارة ومن تحت سقوف المنازل أصبحت معتادة! وضاعت أهمية تكديسها ورزمها في صفحات الميديا الاجتماعية، وفَقَدَ لونُ الحطام الرمادي الممتزج بالدماء، الذي يصبغ وجوه الأطفال والنساء، تأثيرَه الإعلامي حتى ألغت قنوات إخبارية عرض مثل هذا الخبر في نشراتها السريعة، لعدم جدواه الإعلامية. حلب المدينة العريقة التي ما زال جزء صغير منها تحت نفوذ قوات الأسد، والقسم الكبير الباقي منها تحت سيطرة سلاحه الجوي الذي يسرح ويمرح في ظل غياب سلاح الميم طاء، يُغَيِّبُ، منذ ثلاث سنوات، الجزءَ الأبيض من شهبائها.
ليس ذنبُ حلب أن قضيتها طالت، ولم تُحسم بعد، وأن ستيفان دي ميستورا أعادها إلى الخلف، بعدما أخفق في تقديمها خطوة إلى الأمام، وأن أخبارها أصبحتْ مكرورة وتفتقد إلى الـ “show” الذي يزين تلفزيون الواقع الداعشي، وأن تركيبها الديموغرافي لا يخدم قضية الطائفية التي تشتغل قوى عالمية عظمى على تأجيجها. يحتاج منا أهل حلب إلى نظرة حانية، وتذكيرٍ بأنهم ما زالوا يعانون من حوادث القصف والخطف والاعتقال، وشروط الحياة في المدينة تُهرَّب إلى الخارج، وعَدَّادُ شهدائها يسبق أرقام وفيات جميع المدن، لكنها، مع ذلك، لا تزال بعيدة عن حرب الإعلام، وأهميتُها مؤجلة، حتى تتذكر مافيا القتل الموجودة على الأرض، وفي الفضاء، أن حلب من أهم مدن سورية، ولا بد من نقل أخبارها بدقة واهتمام.
العربي الجديد