لا حل خلف الحل!
عبدالله ناصر العتيبي *
مرت سنة كاملة على انطلاق الثورة في سورية.
أسد القصر الجمهوري يمعن في قتل العجائز والأطفال ودول العالم تتناقش في كيفية الوصول إلى حلول ترضي الأطراف المتنازعة كافة! الأبرياء، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، يفقدون حياتهم كل يوم في الشوارع والبيوت، وأصحاب الرؤى والحلول والمنظِّرون العالميون محتارون ما بين: هل يتنازل أسد المزة عن صلاحياته لنائبه أو يختار بلداً آمناً يلجأ إليه؟!
ما يحدث على الأرض لا يتناسب أبداً مع لغة الخطاب التي يتوجه بها العالم يومياً إلى بشار الأسد ونظامه. طرف يتعامل مع شعبه بوحشية لا حد لها، وطرف آخر يبعث المندوب تلو المندوب الى دمشق من أجل الخروج بحل مرضٍ للطرف الأول أولاً ومن ثم الطرف الثاني!
قوة مفرطة من الطرف الأول في التعامل مع المحتجين في الشوارع والحارات والأرياف، ونعومة لا حد لها من الطرف الثاني في مفاوضات أروقة المكاتب!
ما يحدث على أرض الواقع لا يتناسب أبداً مع الحركة الديبلوماسية المكثفة التي تدور في العواصم المهتمة بالشأن السوري. فلا حل خلف الحل! لا حل للقضية يمكن أن يمر عبر نظام بشار. كل الحلول المنطقية تستبعد النظام من طاولة الحوار، فلماذا الإصرار على إدخاله في لعبة المفاوضات الطويلة التي تعتمد على طرق الوقت وسحبه؟!
على العالم أن يتوقف عن حشر مبادراته في حقيبة سفر وشحنها على طائرات تذرع خطوط الطيران الموصلة لدمشق جيئة وذهاباً، عليه أن يراجع المسألة من جديد. عليه أن يبحث عن أطراف أخرى يجري معها المفاوضات الناعمة! روسيا مثلاً، أو الصين، أو حتى إيران! أو إن أراد الفوز بإحدى الحسنيين: النصر وعدم الرشوة السياسية، فعليه التوجه مباشرة إلى لجان تنسيق الثوار والعمل معها على إسقاط النظام من الداخل!
هل هذا ما أود الحديث عنه في هذه المقالة؟ لا. ما أريد أن أتحدث عنه يتعلق بالإصلاحات التي تلي صعود الشعب وتسبق سقوط الحاكم، فبعد صعود نجم الثورة السورية في العام 2011، وتراكم تجربتها اليومية، سن نظام بشار الأسد عدداً من الإصلاحات التي كان التفكير فيها قبل سنوات يعد ضرباً من تأليف روايات الخيال العلمي.
رُفعت رواتب موظفي الدولة بمقدار 25 في المئة، ثم تلا ذلك خفض ليتر الديزل للمزارعين إلى 16 ليرة فقط للتر الواحد، ثم عاد النظام من جديد ورفع الرواتب 15 في المئة بحيث صارت الزيادة في الرواتب 40 في المئة في سنة واحدة فقط!
وصدرت أوامر مباشرة وواجبة التنفيذ الفوري إلى كل منتم الى القطاعات العسكرية بضرورة تغيير الطريقة اليومية للتعامل مع المواطنين المدنيين من غير الأعضاء العاملين في حزب البعث. كان العسكري (الشرطي أو المخابراتي) قبل قيام الثورة نجماً في الفضاء الاجتماعي السوري، يعمل ما يريد، ويمتهن كرامة من يريد، ويسجن من يريد. كان يضغط على أعصاب المواطن بشكل يومي بمباركة من الحكومة البوليسية، لكن ذلك تغير منذ منتصف العام 2011، فقد أصبح المواطن في حِلٍّ من هذه العلاقة المرتبكة التي لا وجود لها في الألفية الجديدة إلا في عدد محدود جداً من دول العالم! أصبح المواطن نداً لرجل الشرطة، بل وسيّداً له في أحيان عملية كثيرة.
تم أيضاً تسهيل عمليات إعطاء القروض الزراعية والتجارية للمواطنين بمبالغ إجمالية تصل إلى 3 ملايين ليرة للقرض الواحد، الأمر الذي جعل عدداً كبيراً جداً من المواطنين يندفعون للاقتراض بطرق شرعية وغير شرعية، بل وصل الحال ببعض العاملين في الجهات المقرضة إلى تمرير معاملات أعداد كبيرة من المقترضين غير النظاميين تحت نظر النظام وبرعايته!
لكن على رغم كل ذلك، وعلى رغم اندفاع النظام المحموم نحو الإصلاحات، اندفع الشعب في اتجاه معاكس نحو التغيير، لسبب بسيط جداً يتمثل في توقيت هذه الإصلاحات، فلو كانت هذه الحزمة وغيرها من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في العام 2006 أو العام 2007، لتحول بشار من طبيب عيون برتبة رئيس إلى رمزٍ وطني خالد، لكننا في العام 2012، ولا حل خلف الحل! الإصلاحات حلول جميلة ورائعة، لكنها ليست المنطقية في هذا الوقت.
هل هذا ما أود الحديث عنه في هذه المقالة؟ لا. ما أود الحديث عنه يتمثل في مسألتين في غاية الأهمية من وجهة نظري: الأولى توريط المواطن السوري في معاملات مالية غير شرعية لإغرائه بالإبقاء على الحكومة (الفاسدة) الحالية كي لا ينكشف أمره مع الحكومات النظيفة الجديدة التي يُتوقع أن تستلم دفة الحكم بعد سقوط بشار، والثاني دعوة صغيرة لبقية الحكومات العربية التي لم يضربها الربيع العربي حتى الآن لتسريع الإصلاح قبل أن يصبح التفكير فيه مجرد «حل خلف الحل»!
* كاتب وصحافي سعودي
الحياة