لا “مسألة كردية سورية” ولا “كردستان الغربية”
الحل بحقوق المواطنة في دولة عربية سورية واحدة
إن حل المسألة الكردية في سوريا مفترض في اطار حل وطني سوري محض، فمن حق الاكراد المطالبة بحقوق المواطنة، وليس من حقهم الحل على أساس “كردستان الكبرى” خارج الاطار الوطني السوري، لأن توزع المجتمعات المحلية الكردية لا يسمح بالحديث عن مجتمع كردي متجانس يشكل “كردستان الغربية”، وليست هناك سياسات “عنصرية” طبقتها السلطة السياسية ضدهم.
هذا ما يستنتجه قارئ كتاب “مسألة أكراد سوريا” (الواقع – التاريخ – الاسطرة) الصادر عن المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الذي يبحث في الهوية الكردية في اطار الهوية السورية المركبة اتنيا وطائفيا، وفي حالة الاكراد في ما يسمى “المسألة الكردية”. انطلاقا من تاريخ الاكراد الحديث في سوريا ونشوء مجتمع كردي محلي في منطقة الجزيرة السورية (محافظة الحسكة) وفي التكوين الديموغرافي والجغرافي والسياسي باعتباره غير منفصل عن تاريخ سوريا.
كذلك يركز الكتاب على انطلاق الحركة السياسية الكردية في سوريا ونشوء أحزابها وتطورها وبرامجها وعلاقاتها بالقوى السياسية المختلفة، ويفضل حراك الاكراد في الثورة ودرجة مشاركتهم فيها وتقاطعهم معها وافتراقهم عنها و”يقارب الانخراط الشبابي ونشوء التنسيقيات مقابل التحفظ الحزبي عن المشاركة”، ويرصد خريطة التحالفات الحزبية الكردية في الثورة وعلاقاتها بقوى المعارضة السورية.
في التوجه الى الحل الديموقراطي الذي يخلص اليه الكتاب نلاحظ النقاط الآتية:
– ينفي ان تكون هناك سياسات “عنصرية” (للنظام) طبّقت بالفعل وفقا لما ورد في صيغة المجلس الوطني السوري، بغية استيعاب المطالب الكردية في الثورة، وان ما هو عنصري كان أفكارا ورغبات فردية، لم تتحول قط الى سياسة وبرامج (كما شرح الجزء التاريخي من الدراسة).
– تشكل المنطقة الكردية في سوريا مجالا وسيطا للمنطقتين الكرديتين في كل من العراق وتركيا، لكن توزع المجتمعات المحلية الكردية السورية الراهنة، بحكم تباعدها الجغرافي الكبير، لا يسمح بالحديث عن مجتمع كردي متواصل وممتد جغرافيا ومناطقيا وبشريا، يشكل ما سمّي “كردستان الغربية”، وبالتالي لا يسمح بتصور قيام اقليم كردي سوري على غرار اقليم شمال العراق…
– لا يسمح التوزع بحل “المسألة الكردية السورية” على قاعدة مفهوم “كردستان الكبرى” خارج الاطار الوطني السوري، من دون “إرباك واعادة رسم” الحدود السياسية للدول القائمة.
– من حق الاكراد المطالبة بحقوق المواطنة والحصول عليها مثل بقية السوريين، لكن ليس الادعاء بحقوق اقليمية، وبالتالي فان صيغ الحكم الذاتي الاقليمي والفيديرالية والكونفيديرالية تقوم على أساطير ايديولوجية بحت. عدا عدم واقعيتها واستفزازها للشعب السوري الثائر من أجل حقوقه ومن أجل الديموقراطية للسوريين جميعا…
– إن مفهوم “الحق الاقليمي” في الارض وان “الشعب الكردي يعيش على أرضه التاريخية” مفهوم حديث لا يستند الى الواقع او التاريخ ولا سند له… لذلك لا يمكن حل “المسألة الكردية السورية” إلا في اطار حل وطني سوري محض، خارج اختراعات “كردستان الغربية”، وفي اطار العضوية في المجتمع السوري عموما.
– إن هذه المسألة هي مسألة وطنية سورية عامة، وليست مسألة كردستانية، وقد تكونت من موجات الاكراد اللاجئين الى الحسكة. لذلك هي قابلة للحل الديموقراطي في اطار ما يشمله الحل من حقوق لغوية وثقافية وتعليمية.
تشكل الثورة السورية بما تطرحه من حتمية دخول سوريا في مرحلة تحول تاريخي جديدة، فرصة حقيقية لانتاج حل ديموقراطي عادل وواقعي للمسألة الكردية في سوريا باعتبارها مسألة محقة، وفي اطار التأكيد على التمسك بوحدة الدولة وهويتها وطابعها العمومي لكل مواطنيها.
إن المواطنة الديموقراطية المؤسسية، بمعناها الذي يشمل الحقوق الثقافية الجماعية هي الطريق كحل “المسألة الكردية” السورية في اطار دولة عربية سورية واحدة.
النهار