لبنان وسوريا تحت “الغطاء الإيراني”
عبد الوهاب بدرخان
عبثاً حاول أركان الحكم والحكومة ويحاولون تبرير الموقف اللبناني المخزي ضد قرار الجامعة العربية لمعالجة الأزمة السورية، لعلهم يدركون انهم فوّتوا لتوّهم فرصة تاريخية نادرة لتأسيس علاقة مستقبلية سليمة مع الشعب السوري ومع سوريا ما بعد هذا النظام. لجأوا الى “الخصوصية” و”الاعتبارات التاريخية والجغرافية” لتسويغ كونهم مجرد عابرين في قيادة البلد، فتلك اعتبارات لا تتغيّر لكن البشر يتغيّرون بل يغيّرون التاريخ. ها هم، مرة أخرى، يلوذون بـ”تفهم” العرب لتمرير تخاذلهم. ولا يزال رئيس الحكومة يبشّر بأن لبنان “سيظل يتفاعل مع محيطه العربي”. يتفاعل؟ شكراً جزيلاً. لا بدّ أنه يراهن أيضاً على تفهم العرب لـ”تفاعله” مع النفوذين السوري والايراني في لبنان.
الواقع أن العرب لا يتفهمون بل يعتبرون ان لبنان مجرد “تابع لسوريا”، ويذهلهم ان يكون متمتعاً بهذه التبعية ومصرّاً عليها. لذلك صاروا يعاملونه كحرف ناقص أو رقم زائد. أي لا قيمة له في صنع الاجماع العربي او خرقه. كانت الجامعة تخطو بهذا القرار الجريء خطوة أولى نحو نظام عربي جديد، ولم يكن حكام لبنان معهم على الموعد. كان لبنان على الدوام ضمير العرب، فاذا به في استكانته السورية – الإيرانية بلا ضمير، وحتى بلا اخلاقية، اذ ينفرد بالوقوف مع نظام يرفض التوقف عن قتل شعبه. نعم، كان لبنان وحده، فالعراق امتنع من التصويت مسايرة لايران، أما اليمن فيخشى قراراً عربياً مماثلاً بخصوص نظامه المتهاوي.
إذا كان أركان الحكم والحكومة يعتقدون أن هذا الموقف يضمن الاستقرار الداخلي، أو يقي البلد تداعيات انهيار النظام السوري، فهم اول من يعلم أن هذا مجرد أوهام. فالساحة اللبنانية مصادرة وموضوعة في خدمة سوريا وايران، وهي ممنوعة من “التفاعل مع المحيط العربي” بل منسلخة عنه. واذا احتاجها هذان النظامان للتوتير والتفجير، او “لإشعال المنطقة”، وفقاً لرغبة بشار الأسد، ومن أجل استمراره، فلن يترددا في استخدامها. لقد غيّرا وجه لبنان وموقعه ومعناه ورسالته.
في الخطاب الأخير نصح السيد حسن نصرالله مجدداً بـ”عدم المراهنة” على سقوط النظام السوري. المشكلة ان النظام نفسه لا ينفك يفسد كل المراهنات على بقائه. وبصفته الحاكم الفعلي للبنان، بدا نصرالله مهجوساً بحديث الحرب، على سوريا وعلى ايران، “انتقاماً للهزيمة الأميركية في العراق”. أراد السيد ان يطمئن فاذا به يبث الرعب. كان يعني ان الحفاظ على نظام الأسد يستحق حرباً قال إنه لا يريدها لكنه مستعد لها. فماذا لو لم تقع، وماذا لو استمر تداعي نظام الأسد، فهل تفتعل الحرب لانقاذه؟ فات الوقت على مثل هذه الاحتمالات.
وحده النظام السوري يعرف، في لجة ارتباكاته، ماذا يعني فقد الغطاء العربي، حتى لو كان معنوياً وواهياً. فهو اختار اللعب في الفلك الايراني، ووضع لبنان تحت رحمة سلاح “حزب الله”، ليجد نفسه هو الآخر تحت رحمة مرشد الجمهورية الايرانية. هذه وصفة للسقوط، ولاستدراج سوريا الى حرب أهلية قد تكون هي التي عناها نصرالله وسيخوضها ضد خصوم النظام السوري في لبنان.
النهار