لك الله يا سوريا
أحمد المنصوري
لطالما أشهرت القوى الكبرى سلاح “الفيتو” في مجلس الأمن ضد الحقوق والمصالح العربية.. فبعد سلسلة من “الفيتوهات” الأميركية ضد الحقوق العربية المنتهكة في فلسطين طوال السنوات الماضية، أتحفنا هذه المرة الروس والصينيون بـ”فيتو” مزدوج ضد القرار الذي طرحه الأوروبيون والعرب بدعم خطة الجامعة العربية لتسوية الأزمة في سوريا وإدانة الانتهاكات بحق المدنيين الأبرياء.
ومثلما كانت “الفيتوهات” الأميركية تنحاز بشكل كامل لصالح إسرائيل دون اعتبار لمدى الإجرام والوحشية لما ترتكبه بحق المدنيين سواء لدى اجتياح غزة أو الحرب على لبنان أو ما ارتكبته من مجازر عديدة طوال فترة احتلالها واجتياحها للأراضي الفلسطينية، فإن “الفيتو” الروسي والصيني أيضاً انحياز أعمى لنظام الأسد الذي استنفر آلته العسكرية وترسانة أسلحته ليس لمواجهة “العدو الأزلي” وإنما للقضاء على شعبه بعد أن تجرأ وثار على واقعه المرير، وسعى لتغيير نظام مارس كل فنون الظلم والقمع.
والتبريرات الأميركية لاستصدار “الفيتوهات” ضد إدانة انتهاكات الإسرائيليين هي نفسها التي تسوقها روسيا والصين هذه المرة ضد إدانة انتهاكات نظام الأسد.. فأميركا كانت -ولا تزال- تبرر لإسرائيل ارتكاب أفاعيلها بحق الفلسطينيين زاعمة أنها دفاع عن النفس ضد “إرهابيين” لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود. وكذلك “الفيتو” الروسي والصيني الأخير أشار أيضاً الى أن هناك مسلحين إرهابيين هدفهم الإخلال بالأمن في سوريا.
وسلاح “الفيتو” المشؤوم هذا في مجلس الأمن لم تستخدمه القوى الكبرى لحماية المدنيين ورفع الظلم عن البشرية، فقد استغلت القوى الكبرى هذا الحق في الباطل واستغلته أبشع استغلال لتحقيق مصالحها الذاتية واضعة ذلك فوق أي اعتبار آخر. إن روسيا مهتمة ببقاء النظام السوري في الحكم لأبعاد اقتصادية عسكرية وطدتها منذ زمن كما تشير إلى هذا بعض التحليلات. فلدى روسيا مصالح استراتيجية عسكرية في ميناء طرطوس السوري. كما أن هناك علاقات قوية ومصالح خاصة تربط روسيا والصين بعدد من المسؤولين السوريين حيث تعتبر سوريا كذلك زبوناً وفياً للسلاح الروسي بعقود تقدر بمليارات الدولارات في السنوات الأخيرة، فيما احتلت الصين ثالث أكبر مستورد في سوريا عام 2010.
لقد بدا العرب اليوم أمام القضية السورية أكثر تشتتاً وأقل حيلة من أي وقت آخر، فبعد أن فشلوا في فرض مبادرتهم على النظام السوري عن طريق الجامعة العربية، استنجدوا بالأمم المتحدة لتجهض روسيا والصين مساعيهم لوقف نزيف الدم في سوريا، ما يعطي النظام مزيداً من الوقت ليستمر في قمع الثورة الشعبية، متوهماً أنه سيتمكن هذه المرة أيضاً من إخراس إرادة الشعب عبر شن حرب إبادة جماعية مثلما فعل قبل ثلاثة عقود في حماة.
ينبغي على الدول العربية إتخاذ موقف شجاع وتعترف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للسوريين، والتعامل مع سفراء النظام في العواصم العربية على غرار ما فعلت تونس، وفرض عزلة عربية شاملة على النظام وأركانه، بالتعاون مع تركيا. إلا أن العرب مختلفون كعادتهم، فالعراق الذي كان يشتكي من النظام السوري سابقاً لتسهيل دخول “الإرهابيين” إلى أراضيه بات اليوم يرضخ لتوجيهات الجار الإيراني بضرورة معارضة أي قرار عربي موحد ضد النظام السوري، وكذلك اليمن والجزائر اللتان تعارضان اتخاذ أي إجراء عربي موحد ضد النظام في دمشق.
لكم الله يا أحرار سوريا.. يبدو أنه قد كتب عليكم تجرع مزيد من الظلم ويبدو أن فجركم لن ينبلج عما قريب، ولكنكم بثباتكم ستنالون حريتكم وإن قتل النظام منكم المزيد في كل يوم، ففي النهاية أنتم من سيبقى والنظام إلى زوال.
جريدة الاتحاد