لماذا تخطئ التنبّؤات حيال سير الأزمة السورية؟/ بشار عمر الجوباسي
تراوح الحراك السياسي العالمي والسياسي فقط طيلة السنوات الثلاث من عمر المحرقة السورية بين مد وكثير جذر، وتمخض عن ذلك العديد من المقالات والتحليلات لمؤيّدي حقوق الشعب السوري تنبّؤوا فيها في كل مرحلة من مراحل تطور الأزمة بقرب سقوط النظام، فاعتبروا بادئ ذي بدء أنّ تأسيس المجلس الوطني سيكون أولى الخطى الحقيقية في سحب بساط الشرعية من تحت أقدام النظام وبالتالي إسقاطه، ثمّ عُلّقت الآمال على الجيش الحر مع التغني بوعود التسليح النوعي التي ما يزال يظهر كذبها.
ولمّا تأسس الإئتلاف وسعى للمّ شتات المعارضة وحاول إنتزاع إعتراف دولي بتمثيل الشعب السوري وطرح نفسه كبديل للنظام خاصة بعد إستلامه مقعد سوريا في مؤتمر القمة العربية في الدوحة حيث خُيّل للجميع أنّ النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط نظراً لتزامن ذلك مع رفع الإتحاد الأوروبي الحظر على تصدير الأسلحة للمعارضة السورية، ثمّ كانت الشعرة التي لم يشك أحد أنّها ستقصم ظهر البعير الأمريكي عندما تخطى النظام خطوط أوباما الحمراء وإستخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وليس إنتهاءً بجنيف ـ 2 الذي إقتصر دوره كسميّه الأول على السياحة فقط، وما تخلل ذلك من الكثير من وعود التسليح النوعي، إنطلق المحللون والكتاب من تصاعد الزخم الدولي والتصريحات الرنانة لمختلف المسؤولين التي كانت تتأجج بين الفينة والأخرى في إستقرائهم لمستقبل الأزمة السورية ولكن أيضاً امتزجت تحليلاتهم ربما دون قصد برغباتهم الدفينة التي تستعجل إنهاء الفظائع التي يقاسيها السوريون، لذلك لم يصح أي من تلك التنبّؤات، وبالتالي ليست تصريحات ومواقف المسؤولين العرب والغربيين ولا حتى الروس أو الإيرانيين هي الأساس الصحيح للإنطلاق في تحليل وإستشراف مستقبل الأزمة السورية، وما يحدث في سوريا ليس سببه ضعف المعارضة السياسية منها والعسكرية ولا قوة خارقة من النظام وحلفائه، إنّ السير اللامنطقي للأحداث في سوريا وحولها لا يمكن أن يكون وراءه إلا إسرائيل التي لا تزال تعيش مرتاحة من أي تهديد يأتيها من جبهتها الشمالية فلماذا تدفع لتغيير هذا الواقع، لذلك يجب الإنطلاق من مخططات إسرائيل حيال سوريا والجداول الزمنية لتلك الخطط لكي يصح أي تحليل لسير الأزمة السورية.
تعهد أوباما بالعمل على حل الأزمة السورية سياسياً وعدم السماح لأي طرف بتحقيق النصر العسكري الحاسم على الآخر . تحول النظام منذ الأيام الأولى للأزمة إلى العوبة بيد حلفائه الذين يمثلون عن قصد أو غير قصد مصالح إسرائيل في سورية، أما الثوار السوريون فهم لا يملكون من أمرهم الكثير، حتى أنّ قرار القتال على الأرض السورية ليس بيدهم، فمعركة الساحل التي لا يختلف أحد على أنّها زلزلت أركان النظام وكانت ستعجّل كثيراً بسقوطه – مهما إستعر إجرامه – توقفت بقرار من حلفاء الثوار ولا يملك أحد القدرة على إعادة إشعالها من جديد، تقدّم الدول الداعمة للثوار القليل من أسلحة توازي أو تقل عن نوعية ما إستخدم في الحرب العالمية الأولى فتصادر قرارهم، لكن الثوار معذورون فليس لديهم حل آخر، فإذاً ليس النظام وحده مسؤولا عما يرتكب من جرائم بحق السوريين وما يسيل فيها من دماء.
هل كان سيسقط الرئيس الأوكراني يانوكوفتش لو كانت تقع إسرائيل على حدود بلاده، هناك على السواحل الشمالية والغربية للبحر الأسود ظهر كلا الضدين على حقيقته فالغرب لم يسمح للجيش الأوكراني بالتدخل في أزمة بلاده السياسية وبذلك لم يتحوّل يانوكوفتش إلى بشار أسد جديد وأجبر على تقفي سنن بن علي، وبالتالي لم يجد الدب الروسي بداً من التحرك والسيطرة على القرم التي تعج بالجنود الروس أصلاً، في أوكرانيا لا يعكر صفو المشهد شيء والرؤية واضحة للجميع ويتعلق تطور الأحداث بميزان الربح والخسارة، فأقصى ما يمكن أن يصل إليه تمادي بوتين هو سلخ القرم ذات الحكم الذاتي وتحويلها إلى مسخ دولة مستقله لا يعترف بها أحد إلا هو كما فعل في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008، حيث كسب الغرب كل جورجيا وخسروا إقليمين صغيرين، أمّا بوتين فخسر جورجيا إلى الأبد وخسر أيضاً في ربحه للإقليمين سابقي الذكر ليصبحا في النهايه عبئاً على روسية بإقتصادهما المدمر، قد لا تشكل القرم ذلك العبء على روسيا نظراً لإحتوائها على بعض الثروات الطبيعية بالإضافة لحصول روسية على موانئ لأسطولها في البحر الأسود ولكنها خسرت أوكرانيا – أهم حصونها – للأبد أيضاً، وقد غدت تستعد للبدء في مشوارها الطويل لدخول الإتحاد الأوربي وحلف الناتو وأصبحت رياح التغيير على مشارف روسيا ذات الإقتصاد المتخلف المعتمد أساسياً على النفط والغاز الذي يبدد بوتين ثمنهما لليبسط نفوذه على مناطق لا تعود عليه بشيء، في حين تنفق الولايات المتحدة لتكرس سيطرتها على العالم فتحمي مصالح شركاتها التي تربح من كل شيء، تُعطى روسيا أكبر من حجمها في بعض القضايا حيث تخفي أمريكا تخاذلها وراء التعنت الروسي كما هي الحال في الأزمة السورية.
إنتزعت الأزمة الأوكرانية صدارة الأخبار من نظيرتها السورية مؤخراً ولكن على عكس ما يتحدث عنه البعض لن يدخل الملف السوري في ما يجري من مساومات حول أوكرانية، فسوريا خارج حسابات الجميع وهي في عهدة إسرائيل التي لا تزال ترى في النظام الحالي خير خلف لنفسه ولكن هل ستظل إستراتيجيتها كذلك لو شعرت بعدم قدرته على حماية حدودها. سينعكس تشابك المصالح الإقتصادية المعقده بين روسيا وأوروبا على مفاوضاتهم حول أوكرانيا فقد خسرت أسواق المال الروسية حوالي ستين مليار دولار بعد تدخلها العسكري في القرم كما يُشكل الغاز الروسي 60′ من واردات أوربة منه لذلك ما يطلقه بوتين من صواريخ عابرة للقارات لا أهمية له وقد ولى زمانه من عقود، في سوريا تستمد روسيا قوتها من الضعف الأمريكي أما في أوكرانيا فالأمر مختلف .
لا يزال يعتقد الكثير من المحللين السياسين أن سقوط نظام الأسد سيترافق مع نهاية ولايته اللادستورية رابطين بين هذا الموعد وإنتهاء تدمير أسلحة النظام الكيماوية، ومن أبرزهم السيد مشيل كيلو الذي توقع إنتهاء الأزمة السورية ما بين أيار/مايو وتموز/يوليو.
ولكن ما زال النظام يماطل في تسليم تلك الأسلحة تجاريه في ذلك الولايات المتحدة رغم كل ما يمثله نزع السلاح الكيماوي من مصلحة إستراتيجية لإسرائيل، نظام الأسد الذي ما كان ليقترف ما إقترفه ضد السوريين لولا ضوء أخضر أمريكي غربي قبل الروسي أو الإيراني هل سيعدم طريقة ليبقى على رأسه في ولايتين جديدتين، ربما سيكون هذا الموعد الجديد ليس أكثر من حقنة مخدرة جديدة للشعب السوري ثم يواكبونه بحقنه أخرى عند بلوغ ذلك الموعد، وعلينا أن نسأل إسرائيل عن موعد إنتهاء الأزمة السورية.
‘ كاتب من سوريا
القدس العربي