لماذا قوات عربية في سورية؟/ سامح راشد
كشفت واشنطن عن مشاورات تجري مع أطراف عربية، لبحث فكرة إرسال قوات إلى سورية. وبينما يقترب المشهد من تبلور سورية جديدة، تستمر الولايات المتحدة الأميركية في سياسة ترتيب الأوضاع وإدارة الأزمة عبر أطراف أخرى. تركت روسيا تتدخل للقيام بمهمة ضرب الجماعات المسلحة. وضغطت على تركيا لتساهم في تحجيم الدواعش، وزحزحة مناطق نفوذهم إلى الشرق. وتترك لإسرائيل مهمة منع إيران من تقوية حزب الله، أو نقل نقاط التمركز الاستراتيجي والتسليحي الإيراني إلى جنوب لبنان.
واستمراراً في سياسة التفويضات والسماح للوكلاء والفرقاء بلعب الدور الملائم لكل منهم، والذي يلبي مصالحه أيضاً، تستعد واشنطن لتشكيل المرحلة التالية، مرحلة ترتيب الوضع النهائي أو شبه النهائي في سورية. ليس بالضرورة وفقاً لرغبات وتصورات أميركية منفردة، وإنما في ضوء مواقف الأطراف الأخرى وتحرّكاتها، وما ستسفر عنه الضغوط والمساومات الجارية حالياً. وهنا تأتي إمكانية الاستعانة بالأصدقاء والأطراف الأخرى التي كانت أدوارها غير مرغوب فيها أو مؤجلة.
المعنيّ هنا تحديداً، العرب الذين كانوا مستبعدين من الملف السوري. وطالما حاولوا، من دون جدوى، الاضطلاع بدور فاعل في الأزمة السورية من بدايتها. ولعل القارئ يتذكّر أن جامعة الدول العربية تحرّكت، في بدايات الأزمة، وشكلت بعثة مراقبين عرب، كانت الأولى من نوعها في التاريخ العربي، غير أنه تم إفشالها وإنهاء مهمتها بأيدٍ عربية أيضاً. الأمر الذي أفسح المجال واسعاً أمام التدخلات غير العربية، سواء الإقليمية أو العالمية. ومع نزوع الأزمة نحو العسكرة، وتحوّل الثورة السلمية إلى حرب شاملة، فقد العرب فرص التدخل والتأثير المباشر. واكتفت دول عربية بدعم جماعات المعارضة، وبعضها الآخر بدعم نظام بشار.
الآن صار العرب مدعوين إلى التدخل المباشر العلني، ولعب دور مرسوم ومحدّد الإطار والأهداف. من وجهة نظر واشنطن، تحتاج الخريطة السورية الجديدة إلى دور عسكري في بعض المناطق، لضمان عدم تمدّد أطراف بعينها في الداخل السوري. خصوصاً تركيا التي قبلت واشنطن تدخّلها المباشر على مضض، في مقابل تبديل الموقف التركي من بقاء الأسد. لكن انعدام الثقة بين أنقرة وواشنطن يدعو إلى ضرورة وجود طرف ثالث، ليكون بمثابة عازل ومحجم للتوسع التركي المحتمل، وليس فقط ضامنا لتثبيت الخريطة الجديدة.
لكن الدور العربي المأمول أميركياً لا يستهدف تركيا وحدها، بل إنها ليست الهدف الأساس. فالأهم هو منع إيران من وصل نفوذها في العراق بأذرعها في لبنان، عبر سورية. فلا يكتمل “الهلال الشيعي” الذي تحدّث عنه العاهل الأردني، عبد الله الثاني، قبل سنوات.
ثمّة مهمة أخرى للحضور العربي العسكري المنتظر في سورية، وهو التعامل المباشر مع الجماعات المسلحة، سواء بالاحتواء أو المواجهة. وهنا يمكن فهم لماذا سمحت واشنطن بخروج عناصر “داعش” وفصائل جهادية مسلحة أخرى من مناطق نفوذها، وترحيلها جهة الشرق تحت سمع جميع الأطراف وبصرها وحمايتها.
لتتجمع تلك العناصر من مختلف الفصائل في نطاق جغرافي واحد، ثم يقع عبء إغلاقه وتطويقه على القوة العربية التي ستوجد في هذا النطاق أو في محيطه. ليصير الوضع، في النهاية، تصديا عربيا لإيران، وتصديا عربيا أيضاً لجماعات المعارضة المسلحة.
ولصعوبة الاعتماد على العرب وحدهم في التصدي لتركيا، بحكم تباين العلاقات التركية العربية بين التقارب والتنافر، تقوم واشنطن حالياً بتقوية قوات سورية الديمقراطية (الكردية) لتلعب دور حائط الصد أمام أنقرة، إذا لم تقم القوة العربية بهذه المهمة كما يجب. لتصبح تركيا أمام خط دفاع مزدوج كردي وعربي، يحول دون تمدّد تركيا أكثر مما يجب.
المسكوت عنه في ذلك كله، أنه بدلاً من تدخّل عربي لإزاحة بشار أو حماية الشعب السوري، صار التدخل العربي المطلوب جزءاً من سورية جديدة، بشار باق فيها ومحصن بحماية روسية ورضا أميركي. وشرق أوسط جديد، إسرائيل ستزداد فيه حصانة وحماية، ضد إيران وضد تركيا، فضلاً عن الجماعات المسلحة.
العربي الجديد