الجيش الحر و إمكانيات الوصول
أحمد المصري.
لن نختلف بعد الآن على تاريخ إنطلاق الثورة ومكانها، سواء كانت عبارة عن حراك سياسي خافت إنطلق في دمشق في 15 آذار، أو إنفجار شعبي ثائر في درعا في 18 آذار ، مايهمنا هو إنطلاق ثورة كرامة وحرية مافتئت أن تسجل على صفحات التاريخ تحولات إقليمية جذرية بحروف ممزوجة بالذهب والدماء.
في البداية أخذ هذا الحراك الشعبي طابعاً سلمياً بحتاً في محاولة من المشاركين به أن يستنسخوا تجارب من سبقهم، آخذين بالمنطقة بأسرها لتشهد ثورة شعبية عارمة ، إنقضت الشهور الستة الأولى ولم نشهد إلا زيادة في بؤر التوتروإتساع رقعة مناطق الإحتجاج وزيادة بوحشية النظام وهمجيته، وبات يثبت لشعبه وللعالم أجمع بأنه لايتمتع بأي روادع أخلاقية من شأنها أن تكون عائقا أمامه في ردع الاحتجاجات التي أصبحت تعم البلاد .
في تلك اللحظة المفصلية أفرزت الثورة مكوناً جديداً من مكوناتها المتعددة ألا وهو المكون المسلح الذي بدأ من مواطنين أصيبوا في أهلهم وأولادهم وإخوانهم ومالهم وعيالهم، بسبب سياسة المعاقبة المتبعة من قبل النظام، وأصبح أقل حق من حقوقهم هو الدفاع عن النفس ، بدأ النظام في وقتها تحديداً بتوجيه رسائل إعلامية مفادها إن العصابات المسلحة باتت تعم كامل المناطق التي كان يوجه بطشه عليها وقت إذ، فكان لابد من الحل الذي يوفر المظلة شبه الشرعية لهذا المكون.
في بداية الشهر الثالث من الثورة كان الحل، عندما فتح المجند وليد القشعمي باباً واسعاً على النظام قد يكون به هلاكه من خلال إنشقاقه عن الجيش وعن الحرس الجمهوري تحديداً ليسجل عبر التاريخ أسمه كأول عسكري ينشق عن جيش النظام، ولكنه خرج الى الأردن بذاك الوقت. إلا أن الصفعة الكبرى للنظام كانت بعد ذلك بأيام ليطل عبدالرزاق طلاس على العالم أجمع وعبر قناة الجزيرة معلناً إنشقاقه عن جيش النظام كأول ضابط مصرحاً بأنه سيبقى داخل سوريا مدافعاً عن أبناء شعبه.
نعم كانت تلك هي مهمة الجيش الحر… الدفاع عن الناس في مظاهراتهم في البداية، ولكن مع تطور الأحداث وتسارعها بدأت مهمات هذا الجيش الحر بالتوسع والتمدد بما يتماشى مع ماذكرنا، فأصبحوا يعدون الكمائن لأرتال جيش الموت الذي كان يسرح ويمرح في جميع أصقاع الوطن ليردعه عن التحرك بحرية ولكي يحسبوا حساباً بأن هناك من يترصده في كل مكان، وأنه بات عرضة للخطر المحدق والموت يلاحقه أينما حل.
بدأت اعداد المنشقين تزيد والرتب العسكرية تتسارع وللحقيقة الدوافع ليست مشتركة، بالمجمل كان المنشقين بالبداية يدفعهم ضميرهم وحرصهم على أبناء شعبهم مع كل ماتحمله تجربة الإنشقاق وإتخاذ قراره من مخاطر ومخاوف وحسابات كثيرة، والبعض الآخر كان قد إستقرأ مبكراً أن هذا المركب سيغرق أسوة بمن سبق فآثر على نفسه القفز منه سابحاً بإتجاه اليابسة. ومن ذلك نتجت مبادئ ودوافع وأيدولوجيات مختلفة للعمل، و زاد من ذلك إختلاف مشارب التمويل الداعم لهذا المكون الذي ما تسنى له ان بات ينشطر على نفسه ليشكل تشكيلات متباعدة إعلامياً متقاربة عملياً ( لواء الضباط الأحرار- الجيش الحر- القيادة المشتركة – الجيش الوطني)، لن نخوض الآن بالنشاط الإعلامي والقيادي لهم فهو بحث طويل، ولكن ماكان يحدث على الأرض كان مختلفاً تماماً.
النظام دفع منذ اللحظة الأولى ومنذ أحداث درعا بشكل ممنهج وخطير جداً إلى أن مايحدث هو حرب طائفية، وزاد في تكريسه للمفهوم الطائفي وركز في إنتهاكاته الى الدفع بهذا الخصوص تاركاً أثراً طائفياً مقصوداً ورائه بجميع مجازره التي حدثت على أن يخلق حربا طائفية ممنهجة ، ومن الطبيعي ان يساق بهذا الكثير وخصوصاً من بات يتكلم بلغة السلاح، لأنه يغيِب بشكل جزئي لغة العقل فهو يعطيك إحساساً بالسلطة والقوة ولو أنك تحمل مسدساً بمواجهة دبابة .
هذا بدوره ساعد بالإنجرار وراء أكاذيب النظام، و بات من الواضح وجود بعض الممارسات والإنتهاكات من طرف الجيش الحر ايضاً ( بتقييم محايد) . فتسارعت بعض الجهات الدولية التي تدعم النظام وبعض الجهات والمنظمات التي تتخذ قراراتها بشكل حيادي على رأسها منظمة (هيومان رايتس ووتش) بعد تقرير أولي مختلف بتحميل كافة أطراف النزاع مسؤولية مايحصل.
إذاً نجح النظام وبمساعدة غير مقصودة من بعض أعضاء الجيش الحر بتحويل هذا المكون إلى طرف نزاع، وهو غاية كبرى وإنتصارللنظام مثبتاً أن مايحصل في سوريا هو نزاع مسلح بين طرفين من حقه أن يجابهه ليحافظ على وحدة وسيادة بلاده… وكانت تلك ذريعة لأطراف دولية أخرى مثل روسيا والصين لأن تقف في وجه التغيير في المنطقة مطيلةً بذلك رحلة آلامنا، لتزيد في ثمن غالي يكلفنا الدماء والأرواح يومياً.
من الطبيعي جداً مع إتساع بؤر الصراع والمعارك أن تزيد نسبة الأخطاء بزيادة تتناسب طرداً مع ما يتحقق من نجاحات وإنتصارات، فهاهو اليوم هذا المكون العسكري بكل أطيافه يخلق محوراً جديداً في إتخاذ المواقف الدولية ودافعاً رئيسيا في الحلول السياسية هذا من جهة , ومن جهة أخرى لا يتحمل وحده مسؤولية كل الأخطاء وهي كثيرة منها الخطأ الفادح الذي يفرض عليه أن يدير معاركه داخل المدن والذي يجر بدوره الكثير من الدمار والقتل في صفوف المدنيين , ولكن المجتمع الدولي كله يتحمل مسؤولية هذا الخطأ كونه لم يخلق حلاً بديلاً عن مواجهة النظام ولم يقدم يد العون لهم من خلال سلاح نوعي يتم به مواجهة القوات النظامية المدججة بالسلاح خارج المناطق المأهولة .
إعلامياً إرتكبت بعض المجموعات أخطاء قاتلة منها التصريح الإعلامي الغير مفيد أحياناً إلا للنظام وخلق مسرب جديد لأكاذيبهم , وعمليات القتل الإنتقامية أمام عدسات التصوير التي رأينا منها الكثير في شمال سوريا .
إذا إتفقنا بالنهاية بأن الشعب السوري ليس ملائكة ولا أنبياء فهناك مجال للخطأ ومجال أكبر لإصلاحه، و الوقت كفيل بذلك، قد يتم الأمر من خلال قيادة موحدة تكون قادرة على التواصل مع جميع الفئات العاملة والتأثير عليهم من خلال توحيد الجهات الداعمة لهم . ضبط الحالة الإعلامية بشكل صارم وقوي وعدم السماح نهائياً لأي تصريح أو خبر إعلامي يخص الجيش الحر بالتسريب إلا عن طريق مكتب إعلامي متصل إتصالاً مباشر بالقيادة الموحدة ، و خلق آليات محاسبة ومتابعة دقيقة يتم من خلالها مراقبة عمل كافة الفصائل الموجودة من قياداتها حتى أصغر مكون فيها , تشكيل فريق تواصل وعلاقات عامة مهمته التواصل والترتيب مع الجهات المحورية الدولية التي لا يمكن إنجاح أي مشروع بالمنطقة إلا بالتنسيق معها . ولا ننسى أن تتوقف المهاترات الشخصية بين القيادات وخصوصاً عبر شاشات التلفزة وصفحات الإعلام و الإعتراف أن لكل دوره ولو أتى متأخراً وتوسيع أفق التفكير وتقبل الآخر .
وهناك مهمات كبيرة أيضاً مطلوبة منا نحن كسياسين وناشطين وما شابه، تكون داعمة لهم بشتى المجالات , منها مثلا محاولة توعية بعض من نستطيع التواصل معهم حول أمور كثيرة، بعضها تقني أو إنساني أو غيرهما، وكمثال على ذلك من الممكن أن يقوم الناشطين الحقوقيين بعمل دورات تثقيفية أو توجيه رسائل تعني بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتعامل مع الأسرى وما شابه، مخففين بذلك قدر الإمكان الأخطاء والمآخذ التي من الممكن الوقوع بها .
عمل كثير وجهد كبير بإنتظارنا، وما كتبته ما هو إلا جزء صغير من مشروع ضخم من الممكن العمل عليه، هناك خطوات إيجابية وأشواط واسعة قطعت فيه وما هو شعبنا إلا شعب عظيم سيقف التاريخ على مدى سنوات طويلة إجلالاً له وإحتراماً، على ما حقق وما سيحقق .
خاص بموقع صفحات سورية.