ليست الثورة فئوية، أو دينية.. هي ثورة شعبية..
عقاب يحيى
هناك من يريد أن يشيّع، ويروج بأن الثورة حالة سنية، وربما يذهب أكثر لوصفها بأن ردّ فعل طائفي (لأهل السنة) على أكوام ممارسات التمييز، والعسف، والقمع التي مورست عليهم، وتجد مثل هذه الحكايا رواجاً في بعض الأوساط الشعبية المتدينة، خاصة وأن بعض الشيوخ، ورجال الدين الذين أقحموا أنفسهم بالشأن السياسي، وبعضهم نصّب نفسه اباً روحياً، او مفتياً، وحتى قائداً سياسياً، وعسكرياً، وكل شيء.. يحاولون تغذية الجانب الديني ـ المذهبي، ولا مانع لدى فئة منهم من اللعب على الغرائز، وتوتير وشحن أجواء مذهبية ضد حالة طائفية مقابلة..
ـ على صعيد آخر بعض العلمانيين المتأوربين يعتقدونها، أو يريدونها ثورة فوق الواقع والوقائع، وخصائص شعبنا ومعتقداته ومحركاته وإيمانه، وتوجههاته، فيرسمون عوالم خيالية، ويطرحون شعارات سماوية عن الذي يجب ويكون، أو عن ” سرقة” الثورة و” انحرافها، وعن واجب عودتها بعد أن ” خطفت من الإسلاميين، وحتى السلفيين والمتشددين، ويمارس بعض هؤلاء، ومن خلفهم ـ بالنتيجةـ جيش لجب من شبيحة النظام الإعلاميين والمثقفين المبرمجين.. عملاَ شديد النتائجية بتخويف قطاعات شعبية واسعة، خاصة في المكونات الدينية والمذهبية غير السنية، وترفق تلك الحملات بقصص يريدون انتقائها من بعض الحوادث الفردية، أو بعض التصريحات غير المسؤولة لشخص ما محسوب على الثورة، أو يحسب نفسه عليها.. وبعض الاختلاقات التي تنتجها مصانع أمنية وإعلامية مختصة..
ـ الثورة.. السورية ثورة استثناء بكل المقاييس، والثورة بألف باءاتها هي ثورة الحرية والكرامة على عقود التغييب والتزييف والقمع والقتل وخيانة الأهداف والأماني، وإعدام الأحلام والحريات الديمقراطية…ولأنها كذلك فهي ثورة الشعب بكل فئاته ومكوناته السياسية والقومية والفكرية والدينية. إنها تهدف إلى بناء الإنسان في نظام ديمقراطي تتساوى فيه الحقوق والواجبات، كجوهر للدولة المدنية الديمقراطية، التعددية، التداولية، وهي بذلك تخص الجميع. من يشارك فيها ويضحي بالنفس والغالي، ومن يقف متفرجاً حتى الآن، بل ومن يعاديها ممن لم تلوث أيديهم بالدماء والقتل ونهب ثروات الشعب.
ـ ثورة الحرية والكرامة انقلاب على السائد المفروض لإحداث التغيير الجذري، والتغيير لن يخص فئة، أو ديناً، أو قومية، أو مذهباً، وإنما يتجه إلى سورية الشعب والوطن والدولة والجغرافيا الموحدة. ولئن كانت المشاركات “السنية ” هي الغالبة. ولئن تحملت المدن والمناطق ذات الأغلبية السنية الدمار، والقتل المقصود، وما يشبه الاستهداف المنظم، فأسباب ذلك تعود للعوامل المتداخلة التالية :
1 ـ إن شعبنا بأغلبيته الساحقة سني المذهب، بمعنى العقيدة والإيمان، وليس بمعنى التحزب السياسي، أو التقوقع المذهبي، وكان الطبيعي أن يكون ثقل الثورة على عبء الأكثرية، انطلاقاً من درعا الأيقونة، فحمص عاصمة الثورة، وحماة الفداء، وإدلب الصمود والشموخ، ثم دمشق الحسم، وحلب الترجيح.. وغيرها من المدن والمناطق والقرى، وبطابع شعبي بعيد عن المذهبية الضيقة، وهذه الأسيجة التفتيتية التي أراد نظام الطغمة، وبعض المتخلفين، والمتطرفين، والمشوّهين، وأصحاب مشاريع التقسيم والحرب الأهلية اتهام، أو صبغ الثورة بها.. قد مزقتها الثورة في يومياتها، ووعيها وممارساتها وشعاراتها، وبنيتها الحقيقية.
2 ـ الإيمان في شعبنا حالة تاريخية تقترن برأي الإنسان وخياراته، وهنا فالدين الإسلامي يحتل موقعه التاريخي والراهن في تركيبة، ووعي، وإيمان، وحركة المواطن العادي، وحتى عديد النخب. إنه الصلة الوثيقة بين الإنسان والخالق المعمّدة بإرث حضاري، وأبعاد تراثية، وجغرافية، وثقافية تشكل حاضنة طبيعية. ولذا فشعارات الإيمان، والله وأكبر، وما إلنا غيرك يا الله، وغيرها كثير، واستخدام المساجد والخروج منها في التظاهرات، والمسحة الدينية، الإيمانية العامة هي نتاج منطقي وطبيعي لا يتنافى وجوهر الثورة، وهدفها الرئيس.
3 ـ إن موقف المكونات الدينية والمذهبية المتسم بالتحفظ، و”الحيادية” والتردد، عدا عن حالة الطائفة العلوية الخاصة التي تعتمل فيها كثير المفاعلات، والتي تظهرها وكأنها جدار استناد الطغمة، ويده الضاربة، وذراعه في القتل، ومخزونه لتجنيد قطعان التشبيح..وحالة سلمية الاستثناء التي التحقت بالثورة منذ الأيام الأولى، وكسرت بوعي تلك الخطة المسبقة لعتاة النظام بتشويه الثورة..
هذه الحالة ضاعفت ثقل” الوجود” السني في الثورة، وسمحت لمن يريد الصيد في الوضع أن يلقي بجراثيمه، بينما تؤكد الثورة أنها خارج الأسر الضيق، وأنها لكل السوريين، وأن أعداداً كبيرة من جميع المكونات، مهما كانت نسبتها، منضوية بالثورة علانية، أو بشكل سري..
4 ـ دأبت طغمة الإجرام والتطويف على الدفع بالثورة نحو منزلق الصراع المذهبي ـ الأهلي بالتركيز المحموم على المناطق السنية، بينما عديد مناطق المكونات المذهبية والدينية، بما فيها سلمية الثائرة، لم تعرف ذلك الحقد المعمم من الدمار والإبادة والاستهداف، بما يحاول تصويره على أنه صراع سني ـ علوي، أو سني في مواجهة الآخرين. كان هذا دأبه منذ أيام الطاغية الأكبر في جميع المجالات، حتى داخل السجون ومع المعتقلين، لزرع الفرقة، وتهديم الوحدة الوطنية….
5 ـ الأكثري، وبغض النظر عن بعض الأمواج المتشددة، وبعض اللفحات المذهبية ـ الطائفية عند فئات معينة، يحمل على الدوام مشروع الوطن، وليس المذهب، ويعمل بروحية جمعية تتجاوز الفئوية إلى عموم الشعب، عدا عن أن طبيعة الشعب السوري، وفي مقدمهم الأكثرية المذهبية(إن صحّت التسمية) وحدوي، حضاري، يعي موقع الوحدة الوطنية، ومستقبل البلاد، وأهمية وجود مشروع نهضوي، حداثي لها يضع بلادنا، وليس فئات منها وحسب، على سكة التقدم والتطور، والمساواة.
ـ الثورة السورية العظيمة، صاحبة مشروع التغيير الجذري، واشتلاع منابت ومخلفات الأحادية والاستبداد.. هي ثورة الشعب السوري التاريخية لأجل كرامة وحرية وومستقبل الإنسان السوري..