ليس دفاعاً عن النهار
حـازم الأميـن
لماذا لم يُثر الكلام القميء الذي قاله رفعت عيد بحق اللاجئات السوريات ردود فعل مشابهة لتلك التي أثارها تقرير مصور قليل الذكاء وعديم الحساسية بثه موقع جريدة “النهار” عن اللاجئين السوريين في لبنان؟ فكلام رفعت عيد لامس البذاءة، فيما تقرير “النهار” صدر عن وعي اختلط فيه ضعف الخيال والكسل، بشقاء لبنانوي، مضافاً إليه عنصرية مُنكَهة وجاهدة للتواري.
ومرد التساؤل ليس طبعاً استهوال ردود الفعل على تقرير “النهار”، فهذه كانت ضرورية ومُثمرة، والدليل ان “النهار” سحبت التقرير في أعقابها، لكن مرده استهوال الصمت على كلام سياسي لبناني تحدث بلهجة “ما بعد عنصرية” عن اللاجئين السوريين. ويبدو ان سر الصمت على كلامه، مرة أخرى، هو انه من “ذوي القربى”، فالحساسية العالية حيال عنصرية “مسيحية” تجاه اللاجئين السوريين، تنخفض الى أدنى مستوياتها عندما تصبح حيال عنصرية “مسلمة”.
هذا الكلام قد يبدو فظاً، لكنه يصح على معظم المحطات التي اختبرت فيها العنصرية في لبنان. وهو ليس اتهاماً موجهاً الى من تولوا الرد على “النهار”، وهم أصدقاء، وقد قاموا بمهمة نبيلة فعلاً عندما اقدموا على الرد، انما هو محاولة لنقل النقاش حول “العنصرية اللبنانية” الى سوية أخرى، لا سيما وان قضية اللاجئين السوريين في لبنان لا يمكن اختصارها بضيق تقرير “النهار”، كما بالبذاءة التي عبر فيها رفعت عيد. فعلى ما قال صديقنا علي الأتاسي في سياق سجاله “النهار”، يبقى ان لبنان استوعب نحو مليون لاجئ سوري، هم ربع عدد سكانه، من دون ان يترافق ذلك مع احتكاكات بحجم هذا الحدث الكبير.
وعلى الرغم من تقاعس الحكومة عن إغاثتهم، فقد تولت هيئات أهلية و”طائفية” المساعدة على استيعابهم وايواء ألوف منهم. ومثلما سجلنا على الطوائف “عنصريتها” المتجلية في تقرير “النهار”، وأعفيناها من هذه التهمة في كلام عيد، علينا ان نُسجل لهذه الطوائف (كل الطوائف) توليها اغاثة وإيواء لاجئين سوريين. فقد استقبل المسيحيون اللبنانيون مسيحيين سوريين، والسنّة فتحوا مدنهم للسنّة الهاربين من حمص ودمشق، وأسواق الأرمن اللبنانيين اليوم تعج بالأرمن السوريين.
وفي هذا السياق، وبما ان “حزب الله” قد وضع الشيعة اللبنانيين في موقع المُدان سياسياً بفعل انحيازه الى النظام في سورية، لكن يجب ان يُسجل للشيعة اللبنانيين، انهم استقبلوا في مناطقهم عشرات الآلاف من غير الشيعة، هم عائلات العمال السوريين التي التحقت بأبنائها في قرى جنوب لبنان بفعل استهداف مناطقها في سورية.
اذاً من غير العادل ان تُختصر قضية اللاجئين السوريين في لبنان بتقرير “النهار” او بكلام عيد، لكن يمكن البحث في ثنائية ردود الأفعال على كلا الأمرين ليختبر المرء مسألة العنصرية كمقولة “سياسية” لا كمقولة أخلاقية، تتدخل في تحديدها عوامل مقيمة في لاوعينا الطائفي. فأن يقول رفعت عيد ما قاله فإن ذلك مجرد بذاءة عابرة، بينما عُرفت سقطة “النهار” بصفتها شيئاً “جوهرياً” وثقافياً.
موقع لبنان الآن