صفحات المستقبلمالك ونوس

المواطن السوري في درجة الصفر مبادرات/ مالك ونوس

 

 

إن سكنت يداك عن التحرك والتنقل بين القنوات التلفزيونية خلال البحث عما يريح القلب في أمر الحرب السورية، فلن يسكن البال ولن يهدأ السؤال، يظل يجول في الرأس ثم يضرب البطين الأيمن فالأيسر من القلب، فيتعبه. ثم يدور في الأوعية الدموية قبل أن يعود للتفرع في خلايا الدماغ، فيوجعه، مكبلاً إياك بالسؤال الذي يطرح كل يوم: «متى يطفأ هذا الجحيم؟» و«إلى متى سيستمر هذا الموت؟».

أصاب الجمود كل ما يتعلق بالسوريين، بأمور حياتهم اليومية وفقرهم وهجرتهم ونزوحهم وموتهم وتشظيهم. حتى الرصاص، جمدت اليد التي تطلقه على الزناد، فظل يخرج إلى كل اتجاهات البلاد وإلى صدور كل أبنائها. حتى بدعة البراميل المتفجرة التي اخترعت لتسقط على رؤوس الموطنين وأرزاقهم مدمرة منازلهم وكل أشكال حياتهم، جمدت اليد التي تشعل فتيلها فظلت تتنقل من برميل إلى برميل، واليد التي تصنعها نسيت أن هنالك اختراعات أخرى يمكن استنباطها. اختراعات تفيد، تحيي وتصنع وتبني. هذه اليد، جمدت عقول أصحابها، فلم تعد ترى انجازاً لها سوى القتل.

في كل صباحات العزاء التي تصيب السوريين، يستيقظ بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، يمشي متثاقلاً إلى غرفة الحمام، لم تزل آثار خمرة الأمس تعمل في رأسه. يدير مشغل الأقراص المدمجة، وعلى أنغام موسيقى باخ يحلق شعر ذقنه، يأخذ حمامه الصباحي. وحين يفرغ، يجلس على الأريكة ليتناول قهوته بالحليب المحلى بالعسل. يسرح نظره في أفق مدينة نيويورك الواسع، لا شيء يشغل باله، نِعَم الحياة تفقده الحساسية تجاه آلام الآخرين. يلبس بذلته، ومن أغلى العطور يرش القليل، يركب السيارة إلى مكتبه ليتناول إفطاره الخفيف. خلال هاتين الساعتين اللتين أمضاهما قبل الوصول إلى عمله، لا يعرف بان كي مون أن مئة وعشرين عائلة سورية تكون قد نزحت عن بيوتها وقراها ومدنها بمعدل عائلة كل دقيقة. ولا يعرف باراك أوباما ذلك أيضاً، ولا فلاديمير بوتين وغيرهم وغيرهم. لكن على العكـس، فـمن الممكـن أنهـم يعرفـون ذلك، وأن السوريين دخـلوا عندهـم في ترف الأرقام والنسب والمقارنات والتوقعات. كما من الممكن أنهم لم يعودوا يهتمون بأرقام الموتى، ونسب الدمار والتوقعات حول امتداد الحرب للسنين القادمة. وهم لجهلهم أو لتجاهلهم لذلك، أصبحوا يعدمون أية أفكار حول حل المسألة السورية. وفي هذا الوقت يكون المواطن السوري قد تجمد في درجة الصفر مبادرات. المبادرات التي أشعلت الأجواء حولهم طيلة السنين التي سبقت، حتى بدا الأمر وكأن سباقاً للمبادرات قد انطلـق فأصـبح الجميـع يجترحون المعجزات للخروج بمبادرة، تكسرت جميعها، وللأسف لم تصب شظاياها سوى فقراء هذه البلاد والضحايا المعتادين.

الآن والجمود يضرب في قلب المسألة السورية، يبدو العالم كأنه قد نفض يديه من موضوع إيجاد الحل لهذه المأساة أو من وقف القتال بين الأطراف على أقل تقدير. كما أن قادته بدوا معتادين على القتل اليومي، يتابعون أخبار هذه البلاد من خلال نشرات الأخبار وليس من خلال مبعوثيهم أو تقارير مراكز البحوث التابعة لوزارات خارجيتهم. فتظهر الأحداث أمامهم أشبه بمسلسل بوليسي يصور القصف اليومي والقتل والتهجير، كمجرد أحداث رتيبة في حلقاته التي تبث عليهم يومياً. لكن فارقاً واحداً وصغيراً يبقى ماثلاً، أن مواطناً سورياً تتقطع فيه السبل في هذا العالم، إن نجا من الموت المترصد به، ويصبح غريباً أو نكرةً على أي مشهد أو مكان يحل فيه. ويكون محط شك في كل المطارات، ينوء تحت ثقل الجنسية التي يحملها وكأنه قنبلة موقوتة ستنفجر بك، أو وباء سيحل فيك إن تنفس بقربك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى