مأساة السوريين الحقيقية
محمد كريشان
بين الخطة والأفكار… ضاع القرار. لم يبد المجتمع الدولي قليل الحيلة ومرتبكا كما يبدو الآن بخصوص سوريا. لا مشكلة في تشخيص حجم المأساة ولا مشكلة كذلك في الوقوف على مدى إجرام النظام، لكن المشكلة، كل المشكلة أن العالم لا يدري بالضبط ماذا عليه أن يفعل مع بشار الأسد.
المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي لم يقل في جلسة مجلس الأمن المغلقة ولا أمام الصحافيين ما لا يعرفه الناس جميعا: الوضع خطير ويزداد تفاقما!! طيب وماذا بعد؟! هنا مربط الفرس، هنا منطقة الوجع الذي يئن بها العالم لكنه لا يعرف كيف يتحمل تبعات معالجتها. على بشار الأسد أن يرحل.. طيب ولكن كيف؟! الرجل في عالم آخر تماما، هو إما في حالة إنكار مرضية أو في حالة ‘تطنيش’ مذهلة أو في كلتيهما. إذن ماذا أنتم فاعلون تجاه هذا الوضع؟ لا أحد يملك جوابا شافيا مفحما.
‘الوضع الحالي محبط لكن لا توجد لدينا أي بدائل أخرى’… هكذا تحدث وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله عن غياب رؤى معينة للحل سوى خطة كوفي عنان ذات النقاط الست. وماذا حين يعلم الجميع أن أيا من هذه النقاط الست لم تتحرك قيد أنملة ؟ّ! أولها طبعا وقف القتل وسحب الآليات الثقيلة من المدن بل زادت الأمور سوءا بتدخل الطيران الحربي وتصاعد قصف المناطق السكنية بشكل عشوائي.
الإبراهيمي يقول في المقابل إن ليست لديه خطة بل أفكار، لكن لا أحد يعلم ما هي ولا كيف سيرد عليها نظام الأسد. المعضلة ليست في وجود أفكار فالساحة السياسية تعج بها، المعضلة أن هناك رئيسا لا يعبأ لا بالأفكار ولا بالخطط وهو يشعر بمدى أهمية أن تكون روسيا والصين إلى جانبه وكذلك إيران ومن والاها في العراق. ومع أن الإبراهيمي يقر هو الآخر بـ’المأزق’ القائم حاليا في سوريا لكنه مع ذلك يعرب عن أمله في ‘إحداث اختراق في مستقبل غير بعيد’… ما هو وكيف ومتى .. الله أعلم!!.
هناك حاليا عملية رحي للماء وبيع للهواء في الملف السوري. الكل يعرف الداء والدواء ولكن لا أحد يملك جرأة تجرع المر. هناك رهط من الرؤساء لا يسقطون إلا بتدخل عسكري دولي، هكذا كان الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش وهكذا كان الرئيس العراقي صدام حسين وهكذا كان العقيد القذافي، ولن يكون بشار الأسد سوى من زمرة هؤلاء بلا أدنى شك. إذن أين المشكل؟! لماذا تحركت القوى الكبرى ضد هؤلاء وأزاحتهم بغطاء من القانون الدولي أو بدونه أو بتحايل عليه ولا تبدو قادرة على فعل الشيء ذاته مع سوريا؟.
إنس التأييد الروسي والصيني القوي للنظام في سوريا فلو قامت غدا حرب ضد بشار الأسد فلا تتوقع من موسكو وبكين سوى الغضب الشديد والتنديد ليس أكثر، ليس في وسعهما أصلا أن يقوما بغير ذلك لحسابات يطول شرحها كما يقال. مأساة السوريين الحقيقية أنهم جيران إسرائيل ونظامهم حليف إيران الوفي . بالنسبة إلى الأولى، أي عمل عسكري ضد النظام في سوريا لا يمكن أن يكون إلا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل وهذه مجازفة غير مطلوبة، من الذي يضمن ألا يمتد رذاذ المواجهة إلى هذا الحليف المدلل وتتعقد التداعيات بحيث تصـعب لملمتها لاحقا؟ أما الثانية فلا تقل سوءا، الحرب المباشرة على النظام في سوريا يعني أنك أشعلت طرف رداء الملالي في طهران في حين أن واشنطن وحلفاءها لم يحسموا أمرهم بعد في هذا الشأن. لن تنتظر طهران حتى تصل النيران إلى عمامتها السوداء وبالتالي ستتحرك لأنها ‘يا قاتل يا مقتول’، قالتها إيران بأقصى وضوح ممكن ولا بد أن الكل فهمها تماما.
هذا ما يدركه تماما بشار الأسد ويعول عليه حتى النهاية ولهذا يمعن في غيه غير عابئ بالجميع. وبسبب ثنائية إسرائيل وإيران وتداخلهما ضاع السوريون وتركوا يواجهون مصيرهم بمفردهم. لهذا لا شيء يعبر عن مأساتهم المروعة سوى صياح المتظاهرين ‘ما لنا غيرك يا الله’.هكذا هي الأمور فعلا … نعم المولى ونعم النصير.
القدس العربي