صفحات العالم

مؤتمرات تتاجر بالشعب السوري


د. عوض السليمان

بعد عام سيكون الوضع على الأرض قد تحسن، هكذا أنهى كوفي عنان تصريحه بعد انتهاء مؤتمر جنيف حول سورية. لم يعد السياسيون يخجلون من دماء الشهداء. فالمبعوث الأممي – العربي الذي أعطى الأسد سابقا مهلة ثلاثة أشهر ليطبق خطته ذات النقاط الست، والتي لم يطبق بشار منها كلمة واحدة، يعود اليوم ليمنح قاتل الأطفال سنة كاملة يمعن فيها بالتذبيح.

جاء البيان الختامي للمؤتمر المشؤوم ضبــــابياً وغير واضــــح، ولا شك أن المؤتمرين قصدوا ذلك في سبيل أن يفسره كل طرف على الوجه الذي تقتضيه مصالحه السياسية. وقد بدا ذلك واضحاً عند مناقشة تنحي بشار الأسد، فبينما أشار وزير الخارجية الفرنسية فابيوس، إلى أن نـــص مقترحات عنان التي تم التوافق عليها تلمح إلى ضرورة تنحي الأسد، استغرب لافروف هذه الأقوال، مؤكداً أنه ليس هناك ما يشير إلى تنحي بشار على الإطلاق.

وأياً يكن من أمر فإنه يبدو اضحاً للعيان، أن مؤتمر جنيف قد جاء مباشرة بعد لقاء بوتين بنتياهو وقبل اجتماع مؤتمر أصدقاء سورية الذي سيعقد في باريس في السادس من الشهر الجاري.

بالنسبة للقاء بوتين بنتنياهو، فيبدو أن هناك خطوطاً مشتركة عميقة بين الطرفين العدوين للشعب السوري. فروسيا تخاف من المد الإسلامي المتنامي في المنطقة، كما عبر عن ذلك لافروف صراحة عندما حذر من تعاظم دور السنة واشتداد شوكتهم، ولا يخفى على أحد أن الكيان الصهيوني يعيش رعباً حقيقياً بعد صعود التيار الإسلامي في تونس وليبيا وخاصة في مصر، ولا يريد أن يكون بأي حال محاطاً بالإسلاميين من جميع جهاته. أضف إلى ذلك فإن ‘إسرائيل’ لن تجد حامياً لحدودها كبشار الأسد، الذي حافظ على مخططات والده التي تقضي ‘السلام مقابل الكرسي’. فكلنا يعلم أن بشاراً وأباه، لم يعكرا صفو الكيان الصهيوني ولو مرة واحدة منذ عام 1973، بل ولم يطلقا طلقة واحدة باتجاه الجولان المحتل. وبالطبع فإن هذا يناسب ليس روسيا فحسب بل ‘العالم المتمدن’ الذي يسمح لبشار الأسد أن يفتك بالشعب السوري جهاراً نهاراً.

أمّا إن المؤتمر قد جاء قبل مؤتمر أصدقاء سورية، فإن القصد من ذلك أن لا يخرج المجتمعون في باريس بقرارات جديدة أو ذات شأن على أساس أن مؤتمر جنيف أخذ من القرارت ما يلزم، وتوافقت عليه الدول الكبرى. وبهذا فقد قطع المؤتمر الطريق على أية مساعدة يمكن أن يقدمها المجتمع الدولي للشعب السوري.

بالطبع فلن ننسى أن المؤتمر ساوى بين النظام المجرم الطائفي وبين الشعب السوري الذي ينشد دولة حرة لكل أبنائها.

من المعيب أن تجتمع الدول الكبرى لإهانة الدم السوري ومحاولة استغفال الشعب الثائر، فقد أشار المؤتمر إلى ضرورة تطبيق خطة عنان ذات البنود الست، وهذا يعني صراحة أنها لم تطبق إلى اليوم، وكانت مدتها القصوى ثلاثة أشهر، فعلى أي أساس يجتمع إذاً هؤلاء. أليس الصحيح أن يقرروا فشل الخطة ويتجهوا إلى فرضها على بشار بالقوة؟. إن الصورة مفضوحة ولا قراءة لها إلا أن العالم يريد أن يرتوي من دماء السوريين. الخطة اليوم مستمرة لسنة كاملة، ليس فحسب لأن الدول الكبرى تريد إفناء الشعب السوري والقضاء عليه، ولكن أيضاً لأن عنان الموظف يحتاج إلى آلاف الدولارت التي يقبضها من خلال عمله الجديد، ناهيك عن أنوار الصحافة والبهرجة الإعلامية.

يجب علينا أن نعترف أن كوفي عنان ونبيل العربي ومود والدول الكبرى كلها تخطط لما يحدث اليوم، وأرجو ألا ننسى أن ‘مود’ قد علق مهمة المراقبين، بسب ازدياد العنف، دون إعلان فشل الخطة، ولكنهم بالمقابل استرخوا في فنادقهم بينا ذهب الأسد ليذبح الشعب السوري بإرادة دولية.

بشار الأسد يدرك تماماً أن أحداً لن يهاجمه، كما قال بنفسه من خلال التلفزيون الإيراني، ولذلك فقد تجرأ منذ أيام إلى إسقاط طائرة تركية في المياه الدولية. ولقد ضمن الرد الذي عرفناه جميعاً فيما بعد. والأنكى من ذلك، أن بشاراً هذا قد قتل في يوم اجتماع جنيف نفسه ما يقرب من مئتي سوري معظمهم في ريف دمشق. ففي يوم الاجتماع المشؤوم تم تهجير أكثر من نصف مليون دوماني على مرأى العالم وسمعه ولاحق الجرحى منهم إلى الغوطة وأجهز عليهم. خرجت الحرائر من دوما بثياب النوم، اضطررن أن يدسن على جثث أقربائهن للفرار من الموت، رأين الكلاب تنهش جثث الشهداء، وفي زملكا تم إطلاق قذائف الهاون على المشيعين، وفي عربين تم الإجهاز على خمسة وأربعين جريحاً في المستشفى. كل هذا وكوفي عنان يحارب في جنيف ليمدد مهمته عاماً كاملاً.

أصبحت دماء السوريين رخيصة، ربما لأنها دماء عربية، وربما لأنها دماء إسلامية. لدرجة أن مؤتمر جنيف يعقد دون دعوة المعارضة السورية إليه. فهم يناقشون مصيرنا دون وجودنا، بل وليس لنا الحق بالاعتراض أو التعليق.

اليوم بدأ كثير من السوريين يدرك أن وحدة المعارضة كانت كذبة من كذبات السيد نبيل العربي وكوفي عنان وهيلاري كلينتون لكي لا يتم مساعدة الشعب السوري. كانوا يبحثون عن أي طريقة للحفاظ على الأسد وحماية مصالحهم الرخيصة في المنطقة.

بعد كل هذا، وبعد خيبة الأمل العارمة التي أصابت أحرار العالم، من تخاذل القوى الكبرى وتآمرها على الشعب السوري المضطهد، وبعد إدراك السوريين لهذه المؤامرة القذرة، شخص سوري واحد رأى فيها نقاطاً إيجابية، إنه عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري السيدة بسمة قضماني. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى