صفحات العالم

مؤشرات قد تنذر بالتفاؤل إزاء وقف العنف في سوريا/ رابحة علام

 

 

في تاريخ الحروب حيث يأخذ العنف دورته من الصعب أن يتم وقفه فوراً، وإنما لابد أن تتوفر الظروف المواتية لوقفه سواء دائما أو مؤقتا. وفي بلد بأهمية وموقع وتعقيدات سوريا لابد أن تتوفر هذه الظروف على مستويات ثلاث محلي وإقليمي ودولي. وهنا تبدو المشكلة أكثر تعقيدا واعتمادا على عوامل هشة وسريعة التغير. ومع ذلك يمكن القول أننا اليوم بصدد بعض المؤشرات التي قد تنذر بالتفاؤل إزاء وقف العنف بسوريا أوعلى الأقل كبح جماحه تدريجيا.

ثمة بعض التداخل على المستويين الدولي والاقليمي، من جهة جاء الاتفاق النووي الايراني الغربي ليعزز فرص التفاؤل بشأن كبح الطموح الإيراني في المنطقة بالأخص نوويا. فمع صمود الاتفاق ومروره بمراحل التصديق المختلفة خاصة داخل ايران، يمكن توقع بعض التطور بسلوك ايران بالمنطقة وبالاخص في سوريا. ولكن لا يمكن الجزم بأن ايران ستقبل باستبدال الاسد ضمن لعبتها للتحالف والسيطرة على كل من سوريا ولبنان.

من جهة ثانية، بدا أن المفاوضات القائمة بين السعوديين والروس حول المنطقة وفي قلبها سوريا قد قاربت مرحلة استعراض الحلول والبدائل وفي ذلك مدعاة للتفاؤل أيضا. فالروس غير حريصين على استمرار الأسد بشخصه ولكن ما يهمهم هو استمرار مصالحهم في عقود التسليح والبنية التحتية المدنية والطاقة. والسعودية قادرة على تقديم ضمانات جادة لمرحلة مابعد الأسد، ومن ثم فالتفاهم الروسي السعودي قد ينعقد بالفعل ضمن صفقة اثمان متبادلة تضم سوريا واليمن وربما مناطق اخرى.

من جانب ثالث، يأتي الاتفاق الأمريكي التركي على استخدام قواعد عسكرية تركية في الضربات الجوية للتحالف الغربي العربي ضد داعش. وهنا حصل الأتراك على رخصة دولية لضرب معاقل حزب العمال الكردستاني -وفي ذلك مصلحة قومية وأخرى انتخابية لهم- ولكنها رخصة مشروطة بمدى انخراطهم في قتال داعش جوا وبراً -عبر تطويق نفوذها وشبكاتها المتشعبة داخل الحدود التركية بمحاذاة سوريا. وهنا تبرز مؤخرا جهود تركية متصاعدة للايقاع بمجندي الدواعش قبل عبورهم الي سوريا. أما مسألة المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا بمحاذاة حدودها، فمن الصعب انجازها عنوة دون موافقة ضمنية من إيران. وقد تقبل بها ايران بالفعل في مُعرض البحث عن تهدئة مشابهة في مناطق الساحل أومناطق محاذية للبنان. وإذا وصلنا بالفعل لذلك، حينها ستكون كافة الأطراف بصدد التهدئة وصولا للحل السياسي.

***

أما على المستوى المحلي، فالمعارضة المسلحة حققت مكاسب حقيقية وأدارت الارض الجديدة التي كسبتها بأداء أفضل من ذي قبل. جيش الفتح ضرب المثل في إدلب والتجربة بصدد إعادة انتاجها في مناطق أخرى. وجبهة النصرة صارت أكثر وعيا بحساسية الغرب تجاهها وأصبحت تقبل بتقاسم الأدوار مع كتائب أكثر اعتدالا كالجبهة الشامية وربما أيضا أحرار الشام. أما وقف اطلاق النار المتبادل بين الزبداني بريف دمشق والفوعة وكفريا بإدلب فهو يدعو للتفاؤل لعدة أسباب. أولا لأن المقاتلين هم من فاوضوا، وليس معارضة الخارج التي تطلب تفويضا مطلقا من المقاتلين للتحدث باسمهم ثم قبول مخرجات مفاوضاتها. ثانيا أن الكتائب قد فاوضت الإيرانيين مباشرةً وفي ذلك نقطة جيدة لأن اي اتفاق مع الأسد أو نظامه فقط ليس بوارد التطبيق. فإيران صاحبة القرار في سوريا بشكل شبه مطلق، واي استبعاد لايران من التفاوض يعني إسقاط الجدية عن المفاوضات . ثالثا والأهم أن المفاوضات الجزئية الصغرى في الميدان قد شملت منطقتين في محافظتين متباعدتين نسبيا، مما يعني درجة أرقى من التنسيق بين الكتائب المسلحة، وهذا أمر حسن. ورعاية تركيا لهذه المفاوضات يعني أنها تقبل بإيران كلاعب يأخذ منه ويرد ولابد أن يتم مخاطبته بشكل مباشر. ولكن هل تقبل السعودية بذلك؟ هنا تكمن المعضلة.

***

نحن الآن أمام نفس المباراة بين نفس اللاعبين ولكن بتوزيع أكبر للأدوار بين أعضاء كل فريق. أمريكا وتركيا تفاوضان إيران والسعودية تفاوض روسيا، ثم إيران -لكونها حاضرة دوليا وإقليميا ومحليا بنفس الوقت- قد فاوضت كتائب المعارضة القوية. هنا يُعاد ترتيب الأوراق بما يشي ببعض التفاؤل ويعد بتغيير بتوازن القوى في سوريا. لكن يبقى السؤال عن مصير الأسد؟ وهنا تجيبنا مذبحة دوما التي ارتقى فيها أكثر من 110 شهيدا من المدنيين. هكذا يحب الأسد أن يثبت وجوده في زحمة المفاوضات الجارية الآن حول مصيره ومستقبل سوريا. أراد أن يُذكر الجميع -حلفائه قبل خصومه- أنه يمتلك سلاح المذابح ليُربك المفاوضين الكُثر بشلال جديد من الدماء البرئية.

***

أما داعش المتمددة يومياً، فرغم عدائها مع الجميع إلا إنها تملك الاستفادة من تناقضات الجميع لتحقق مكاسبها. فهل تجب مواجهة داعش قبل اتفاق الحل السياسي أم بعده؟ إذا كانت المواجهة سابقة للاتفاق، فلن تشمل الجميع في صف واحد، فالسعودية لن تتعاون مع إيران بشكل مباشر لدحر ذات الخطر التكفيري المؤرق لهما معا. أما إذا كانت المواجهة بعد الاتفاق، فمن يضمن أن داعش لن تفسد تطبيق الاتفاق أو تستفيد منه وتتمدد على حساب الجميع. الافضل أن تستمر مواجهة داعش قبل الاتفاق وبعده، قبله عبر جبهات متفرقة وبعده عبر جبهة موحدة ممن يستفيدون من اتفاق الحل. مع بقاء فرضية أن من سيخرج خاسراً من هذا الاتفاق قد يسعى للتحالف الضمنى مع داعش لافساد الاتفاق على الجميع. رغم تعقد الصورة وتشابك خيوطها، يلوح بعض التفاؤل الحذر يمكن حتى للمتشائمين إبصاره.

هذا المقال بقلم رابحة علام، باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

 

 

 

واشنطن لم تعد في حاجة إلى عزل طهران بعد الاتفاق هل دخل تقسيم العراق حيّز التنفيذ الفعلي؟/ أمين قمورية

منذ غزو العراق عام 2003 والحديث عن تقسيم هذا البلد لم يتوقف. ارتفعت وتيرته عندما حُلّ الجيش الذي كان قادراً على لحم المكونات العراقية بنار القوة وعندما وضعت بلاد الرافدين على سكة المحاصصة الطائفية. وصار شبه واقع عندما صارت كردستان اقليماً مستقلاً وحكومة مستقلة وجيشاً مستقلاً وموازنة مستقلة في اطار وحدوي فضفاض، لا بل تعمق هذا الواقع مع مطالبة السنّة العرب في الانبار ونينوى وصلاح الدين باقليم على غرار كردستان يكون له حرس مستقل وحكومة مستقلة.

لم يبق من العراق الموحد الا الاسم والعلم غير الجامع والعاصمة غير الجامعة. الفساد وخوف الناس ومعاناتهم مشتركة بين الجميع، أما الباقي فمفكك: الجيش الوطني، السلطة الاشتراعية، الامن، السياسة الخارجية، الاقتصاد. في ما عدا العراقيين العاديين، كل القوى المؤثرة في الداخل والخارج لا تريد عراقاً موحداً. الاكراد لا يخفون توقهم الى الاستقلال النهائي واعلان دولتهم الحلم، وعتاة السنة العرب يرفضون هيمنة الغالبية الشيعية وينشدون عراقهم القديم الذي دون العودة اليه صعوبات، والمتعصبون الشيعة يصرون على عراق كبير خاضع سيادتهم، واذا لا فلا مانع من القبول بالعراق الصغير الذي يتمتع بالوفرة المادية والنفطية. غالبية الجيران تقلقها بغداد القوية والمركزية ولكل منهم حكاية معها تجعله يفقد الحماسة لقيامها من جديد. ذاكرة الحرب المدمرة لم تغب عن بال الايرانيين، وصورة الغزو والضم لا تزال ماثلة في اذهان الكويتيين، وانقرة أيضاً لا تحبذ جاراً قوياً ولولا خوفها من اكرادها لتصدرت المتحمسين لتغيير الخرائط. ما كان يحول دون تغيير الخرائط اللاعب الدولي الأكبر واشنطن. وضعت باحتلالها كل أسس التقسيم، لكنها تركت بته مؤجلا في انتظار…؟

ثمة سؤال يطرح الان : هل سقطت التحفظات الاميركية الأخيرة عن العراق الموحد التعددي بعد الاتفاق النووي للولايات المتحدة مع ايران؟

بداية، لا تزال الأكثرية الصامتة في العراق ترغب في قيام دولة ديموقراطية عصرية، دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات لا فارق بين كردي وعربي الا بالوطنية والكفاية.

تبدّل الموقف الاميركي

والواقع، ان من يقرأ محضر جلسة استماع في الكونغرس الأميركي عن الاستراتيجية في العراق التي عقدت في 17 حزيران وتناولتها الصحافة الأميركية تفصيلاً، يدرك ان الخلاصة التي يمكن الخروج بها مفادها أن المسؤولين في الادارة الأميركية و”البنتاغون” فقدوا الأمل في عراق موحد متعدد الطائفة والعرق لا يشعر طرف فيه بالاقصاء أو التهميش، وان على واشنطن أن تتعامل مع ثلاثة كيانات مقبلة، وأن الوجود الأميركي لا بد أن يستمر ويتعزز ما دام هناك قتال ضد “الدولة الاسلامية”.

استراتيجية العبادي

السؤال الآخر هو كيف يمكن واشنطن ان تمضي في هذه العملية، أبواسطة الادارة العراقية الحالية ومن خلالها أم انها ستمضي بها منفردة من دون إذن من أحد؟

منذ مدة شرع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في اتخاذ اجراءات قانونية واشتراعية للتخلص من تركة سلفه المثير للجدل نوري المالكي. ومن هذه الخطوات التعديل الوزاري الذي اعقبه تقرير برلماني يلقي تبعة سقوط مدينة الموصل في ايدي “داعش” على المالكي وأبرز قادته العسكريين. ومن ثم احالة هذا التقرير على النائب العام مما يعني نية لإدانة رئيس الوزراء السابق جنائياً لإخراجه من الحياة السياسية كلياً وتعزيز سلطات رئيس الوزراء الحالي الذي لطالما اشتكى من استمرار سلفه في الهيمنة على مفاصل الدولة.

هذه الخطوة ما كانت لتتخذ بمعزل عن اصطفافات السياسات الاقليمية في بلد شرعت أبوابه للخارج وفي مناخ من التحولات السياسية الكبرى بعيد توقيع الاتفاق النووي. ففي حين كان السنة العرب في العراق يكيلون الاتهامات للمالكي بأنه أمهر من لعب على الحبلين الاميركي والايراني وعلى خلافات الجانبين وتلاقيهما لتعزيز نفوذه في العراق، يتبع العبادي اليوم مقاربة جديدة عمادها الرهان أولاً، على تبدل جوهري في العلاقات الاميركية – الايرانية بعد الاتفاق النووي من شأنه نقل هذه العلاقات من التجاذب والتناحر اللذين كانا قائمين بينهما الى الانسجام. وثانياً، على سقوط فكرة تقديس بقاء العراق موحداً، خصوصاً وان واشنطن بعد تفاهمها مع الايرانيين لم تعد في حاجة الى حاجز في العراق لصدهم. واستناداً الى قراءات سياسية عدة، فان الايرانيين الذين تخلوا عن المالكي باتوا يتبنّون الرؤية نفسها.

واذا كان سقوط الموصل في ايدي “الدولة الاسلامية” سقوطاً لنهج المالكي القائم على فكرة المحافظة على العراق موحداً تحت قبضة الشيعة، فان العبادي لم يحقق نجاحات تذكر في هذا المجال اذ سقطت الرمادي بالطريقة المهينة نفسها التي سقطت بها الموصل. لكن رئيس الوزراء الحالي اتبع استراتيجية مغايرة لخصمه تقوم على شقين يعتمد كلاهما على الفرضيتين نفسهما: التعاون الاميركي – الايراني المتوقع واحتمال تغيير خريطة العراق. فهو من جهة منح ميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية غطاء شرعياً لمواصلة حربها على “داعش” والانتشار العسكري في مناطق عراقية عدة على حساب الجيش الوطني وضمن لها اسناداً جوياً اميركياً وتالياً عزز وجوده في الوسط السياسي والشعبي الشيعي، ومن جهة اخرى لم يبد حماسة كبيرة في محاربة التنظيم المتطرف، اقتناعاً منه بان “الدولة الاسلامية” وجدت لتبقى على المدى المتوسط في اجزاء شاسعة من العراق وسوريا ولغايات سياسية مداها أكبر من حجم العراق نفسه. وهكذا يكون العبادي ضمن ولاء الشيعة العراقيين ولم يخسر لا ايران ولا اميركا وأثبت انه قادر على حكم ما تبقى من العراق الاصلي، في حين تترك الانبار واجزاء من نينوى وصلاح الدين للمتطرفين، الى حين بت أمر “داعش”. كما تترك شؤون كردستان لحكومتها كأمر واقع لا مفر منه. وهكذا فإن الاجراءات الاصلاحية التي اتخذها العبادي وفقد خلالها زعماء سنة كبار مناصبهم، يمكن تفسيرها بأنها تصب في هذا الاتجاه. وهذا الامر قد لا يثير لا غضب واشنطن التي كانت تصر على اشراك السنة العرب بقوة في الحكومة المركزية، ولا غضب السنة العراقيين اذا ما صار تقسيم العراق ثلاث مناطق أمراً واقعاً ومعترفاً به بعدما يئس غلاة السنة من إمكان التعايش مع غلاة الشيعة في حكومة وحدة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى