ما أبعد سوريا عن مصر
طارق حمو
في مصر حدث كل شيء بسرعة. كان الجميع واقعاً تحت سحر الثورة التونسية والتداعي المدهش لنظام الطاغية زين العابدين بن علي، والذي تتوج بهروبه الكبير. تراخت ركاب القوم في القاهرة. بدأ الرئيس حسني مبارك يقدم التنازلات تلو الأخرى: قال لا ولاية ثانية، وسمى نائبا للرئيس وتعهد بعدم ترشيح الأبن جمال. لكن الجماهير لم تكتف. قالوا بأن شباب تونس اقتلعوا النظام من جذوره والمصريون ليسوا بأقل توقا للحرية منهم. وبعد محاولات لقمع الحشود في (ميدان التحرير) وسفك دماء المئات من المصريين، قرر مبارك الرحيل. ولأن العجرفة والاستكبار كانا من طباعه أبى أن يولي الأدبار، بل بقي في المنتجع هو والعائلة وزاد على ذلك استهتارا بدماء الناس عندما صرح لقناة “العربية” وهدد بمقاضاة الثوار المطالبين بتحويله لوراء قضبان العدالة!.
مبارك تم نقله هو وولداه إلى السجن، والجماهير لم تنسحب إلا حينما تأكد لها بان الجيش صار تحت القانون تماماً وانّ لاتصرفات خارج اطار الشرعية ولاانقلابات جديدة.
ايمان وعزيمة الشباب المصري، الى جانب ولاء الجيش للشعب وحزم قادته في رد كل أوامر القتل العشوائي، وتلمسهم لشرفهم العسكري وهم يرون الدماء تٌسفك من أجل طاغية وعائلة فاسدة مفسدة، أدى إلى مانشاهده الآن من ثورة تتغنى بها كل بلاد الشرق. اضافة الى ذلك كان لهامش الصحافة الناقدة ونشاط النقابات ونضال الاحزاب المعارضة ضد حكم مبارك حصة في خلق ثقافة لدى الشارع لاتعتبر التغيير ضربا من ضروب المستحيل، ولاتؤمن بأن الخروج الى الشارع والمناداة باسقاط الطاغية مجازفة قد تكلف المرء حياته!.
في سوريا المشهد مغاير تماماً. لامعارضة على الساحة، ولاحرية صحافة ولانقابات نشطة. في سوريا كل من يعارض النظام مصيره القتل أوالسجن أوالنجاة بحياته والهرب!. المعارضة قٌضي عليها تماماً. النقابات حٌلّت وتم تشكيل منظمات سلطوية تابعة للنظام. ومع الزمن صار كل من ينتقد النظام وتصرفات أصغر عنصر فيه، مندساً وجاسوساً خائناً. تم مسخ الجيش كذلك. أنشئت فرق خاصة مدللة ومدربة ومسلحة بأحدث الأسلحة ولائها للنظام فقط. أما المجندون الاجباريون فقد تم حشوهم في وحدات بسيطة التسليح بعيدة عن مراكز المدن ومهملة تماماً.
من يحكم سوريا فكر منذ البداية بمنطق اللص الذي نهب ملكاً وأخذ يعد العدة ليوم يأتي ويطالب أهل هذا الملك به. النظام لن يسلم هذا الملك سلماً. أصلا هذا مرفوض في عرفه. قال أحد اركانه الانقلابيين ذات يوم لمجلة اجنبية بانهم اخذوا السلطة بالقوة ولن يتخلوا عنها الا بالقوة. هذا مايفعله النظام الآن. هو يمارس القوة في وجه كل من يحاول ان ينتزع هذا الملك. المطالبة بالديمقراطية والحرية والتداول السلمي للسطة، يعني في عبارات أخرى “المشاركة في الملك” ومن ثم تحويل الملكية الى الشعب. وهذا مرفوض تماماً.
الشعب يعرف جيدا بان النظام كاذب في الاصلاح والديمقراطية وان لا قوانين جديدة صادقة، والنظام يعرف بان الشعب يريده في النهاية راحلا، ويتوق لعهد جديد من الحرية والديمقراطية. عهد لايستطيع فيه ضابط مخابرات اهانة مواطنين في شرفهم وكرامتهم مثلما فعل ضابط استخبارات النظام في درعا مع الوجهاء الذين توسطوا لاطلاق سراح الاطفال الصغار في الحادثة التي اطلقت شرارة ثورة الكرامة السورية. عهد لايستطيع فيه قائد كتيبة من اصدار أمر لدباباته بقصف الاحياء السكنية عشوائيا. انها مكاسرة بين الشعب وبين النظام المتوحش ولابد ان ينهزم احدهما في النهاية. ومن المهم القول بان هذا النظام قد وضع نصب عينيه اشعال سوريا وخلق حرب اهلية بين طوائفها لاتبقى ولاتذر. القائمون على رأس هذا النظام يجهدون لتوريط طوائف معينة معهم. هدف هؤلاء هو الاختباء والاحتماء وسط طائفة معينة بغية ضربها ببقية فئات الشعب السوري. الشرذمة الحاكمة تخاف من أن تتخلى هذه الطائفة السورية الوطنية عنها وأن تنقلب عليها متى ماوجدت الفرصة سانحة لذلك. هذا اسلوب جهنمي في مقارعة ارادة التغيير والحرية لدى السوريين.
بتنا نحسد المصريين والتونسيين على نظاميهما المستبدين. فهذا النظامان رحيمان مقارنة بماهو موجود لدينا في دمشق.
نظامنا يستعين بقوى اقليمية ضد شعبه. ايران تمد جلادي الشعب السوري بالأموال والسلاح الآن. النظام الايراني الطاغي الذي يقتل منادي الحرية من أبناء الفرس والعرب والكرد والآذر والبلوش يتدخل لسحق مطاليب الشعب السوري في الحرية والحياة الكريمة.
الأوامر التي صدرت من النظام في دمشق بسحق تظاهرات درعا ودير الزور وحمص بشكل خاص، أوامر شمشونية خطرة للغاية وتقدم رسالة بأن الحرب وسفك الدماء هو خيار النظام الأول والأخير. فأهل هذه المحافظات متمثلون في مؤسسات السلطة والجيش بشكل خاص، وهناك الآلآف من الضباط من شتى الرتب من أبناء هذه المناطق في تشكيلات الجيش السوري. القرار بسحق أبناء هذه المحافظات الثلاث قضى كذلك بفرض قيود على كل هؤلاء الضباط أو تصفيتهم في النهاية اذما قرروا عدم السكوت على المجازر التي تحصل لأهلهم. وبهذا الاجراء الجهني يتم تطهير الجيش والتركيز على فئة واحدة لتوريطها في حرب بشار وفريقه المعلنة ضد الشعب السوري.
الهدف النهائي لبشار الأسد وفريقه هو اشعال حرب اهلية كبيرة في سوريا وتدميرها بشكل كامل، كبديل عن بقائهم في السلطة على رؤوس السوريين الى الأبد. وهؤلاء يراهنون داخليا على القتل المتواصل بدم بارد، وخارجيا على العلاقات الاستراتيجية مع ايران، والمصالح مع روسيا والصين، اضافة الى الاستفادة من صمت وتخاذل الدول العربية.
ونحن ننظر الى كل هذا العنف والارهاب ضد المدنيين السوريين ونراقب التجاذبات الحاصلة في “مجلس الأمن” لادانة كل هذه الجرائم، ومن ثم نرى محاكمات لرموز الطغيان في مصر، نضع يدنا على قلبنا ونحيي المصريين المنتصرين والسوريين الصابرين ونقول: يالله كم سوريا بعيدة عن مصر!.
ايلاف