ما الثورات؟/ سلامة كيلة
كل الأحلام التي بنيت على الثورات لم تتأسس على ماهية الثورات ذاتها. فما بنى الأحلام هو هذا الفيض الشعبي الهائل الذي ملأ الشوارع من دون تحضير مسبق، ومن دون توقّع أصلاً، أو فهم بأنه يمكن أن يحدث. لهذا، يظل النظر قلقاً، ويبقى موقف النخب “مزاجياً” يتأثر في صعود الحراك أو هبوطه من دون معرفة بما هي النهاية.
ترتفع الأحلام مع حركة الشعب، وتنخفض حين يتراجع الشعب، أملاً في أن يقود التغيير الذي أحدثه إلى تحقيق مطالبه. ثم ينهض الشعب من جديد، لأن أيّاً من مطالبه لم يتحقق، فيرتفع الأمل من جديد لدى النخب. لكن هذه النخب تعبت، فباتت تعتقد أنه يمكن أن يستقرّ الوضع برئيس قوي، فانجرفت تؤيد أول مستبد ظهر في الصورة، واندفعت خلفه انطلاقاً من أنه المنقذ والمخلّص.
لكن واقع الثورات يسير في منحى آخر. هل هناك وضوح بمعنى أن ينفلت الشعب؟ أن يتمرّد؟ أن يخرج عن سكينته، لكي يقلب كل الواقع القائم؟ وإلى أين يمكن أن يقود ذلك؟
لأن الشعب ليس من العناصر التي تحسب، لأنه كمّ بلا فاعلية، وفق منظور النخب، لا ينظر إلى معنى أن يتمرّد، وأن يثور، وأن يتحوّل إلى قوة هائلة تهز السلطة، وتشلّ كل بنيتها. ولا يجري الانتباه إلى مطالبه، أو معرفة أنه ليس من الممكن أن نعود إلى الاستقرار، إلا بعد أن تتحقق هذه المطالب. فالشعب “يحبّ السكينة”، ولا يرغب في التمرّد، أو “المعصية”، لكن لحظة بسيطة تدفعه إلى أن ينقلب إلى آخر. هي تلك اللحظة التي يشعر فيها أنه بات مهمشاً، وغير قادر على العيش، نتيجة البطالة المرتفعة والفقر الشديد والعجز عن التعليم والمداواة. حين يشعر بأن الحياة والموت متساويان، حينها لا يعود للخوف معنى، أو للسلطة قيمة، أو للتقاليد أي موقع.
هنا، لا يعود تحركه لحظياً، أو يمكن أن ييأس، أو يملّ، أو يصل إلى حالة الياس، فليس لديه هذا الترف لكي ييأس أو يملّ. ما يعني أنه حين يكسر حاجز الخوف، ويتحرك دفاعاً عن وجوده، لا يستقر، قبل أن يحقق التغيير الذي يأتي بمطالبه. هذا يعني أن كل سلطة تصل بعد ثورة، ولا تحقق مطالب الشعب، ستسقط، وأن كل ميل للعودة إلى الاستقرار لن تنجح، وإنْ جرى استخدام كل أشكال العنف. وأن الاستقرار الذي تطالب به النخب “التعبة” يتحقق فقط بتحقيق مطالب الشعب، أولاً وبشكل مباشر، وليس بعد زمن. الاستقرار يأتي مع سلطةٍ طبقيةٍ جديدة، ونمط اقتصادي جديد، بعد أن باتت الطبقة المسيطرة ونمطها الاقتصادي السبب في التهميش والبطالة والفقر الشديد.
لا أحد يراهن على الاستقرار، قبل تحقيق مطالب الشعب، أو يراهن على توقف الثورة، بعد أن تفجرت، قبل أن يحقق الشعب مطالبه. تمرّد الشعب ليس حالة عابرة، ولا هو سياق عادي، أو حركة يمكن أن تحدث في أي وقت. إنما هو لحظة، لكنها تفرض تحقيق التغيير بالضرورة، بغض النظر عن الزمن الذي يمكن أن يتحقق فيه ذلك، لكن الواضح أن الثورة مستمرة إلى أن تتحقق مطالب الشعب.
كيف؟ وبأي وسائل؟ وممن؟
هذه هي الأسئلة “الوجودية” المطروحة الآن، والتي علينا أن نجيب عليها من دون تردد.
العربي الجديد