مبادرة الأمر الواقع» نحو مرحلة انتقالية في سورية
لفتح كوة في جدار الأزمة السورية، ونقل الصراع من الحرب إلى السياسة، اقتــرح السيد فراس طلاس وعدد من الناشطين في الداخل السوري مبادرة تعتمد التدرج للوصول إلى الأهداف، ولتشكيل حالة تمثيل سياسي لمكونات الشعب السوري.
في ما يأتي ورقة المبادرة المسماة «مبادرة الأمر الواقع».
< لم تظهر حتى الآن أي مبادرة سياسية تتمتع بالواقعية والقابلية للتطبيق، على رغم ترقب جميع مكونات الشعب السوري لأي مبادرة تخرجهم من نقطة الاستعصاء الحالية. وعلى رغم حاجة المجتمع الدولي لمبادرة يطلقها سوريون ويمكن أن يقبل بها السوريون، لوضع حد لهذا الاستعصاء، وبقراءة المشهد السوري نجد:
عقبات الحل السياسي
– عدم وجود إطار شكلي للحوار، مع وجود استعداد ورغبة لدى جميع السوريين للوصول إلى مخرج سياسي.
– عدم وجود حالة تمثيل مقبولة، وقدرة أي كان على التحدث باسم الشعب السوري.
– عدم وصول الطرفين المتحاربين (فصائل المعارضة المسلحة باختلاف توجهاتها والجزء العسكري من النظام) إلى قناعة باستحالة الحسم العسكري.
– السقف المرتفع لمطالب مؤيدي النظام والثورة، وعدم تناسبه مع الميزان الفعلي على الأرض، مما يشكل عامل ضغط على أي راغب بالتفاوض.
– استحالة وقف إطلاق النار في جميع المناطق. لتعدد مرجعيات ومراكز قرار الكتائب المحاربة. وعدم الثقة بجدية النظام وإن وافق على وقف إطلاق النار، وعدم إمكانية تحديد من خرق وقف إطلاق النار في حال الاتفاق عليه.
– عدم وجود خطوط تماس واضحة وتداخل أماكن السيطرة وتعدد جبهات القتال. مما يجعل مهمة مراقبة خطوط التماس أشبه بالمستحيل.
إذاً، العقدة الأساسية: لا يمكن الوصول إلى حالة تمثيل مقبولة للسوريين من دون إجراء انتخابات (شكل ما من أشكال الانتخابات)، ولا يمكن إجراء الانتخابات من دون الوصول إلى تهدئة عسكرية تسمح عملياً بإجراء انتخابات، ولا يمكن الوصول إلى تهدئة عسكرية من دون وجود حالة تمثيل مقبولة. بناء عليه فإننا بحاجة إلى رسم اقتراح حل يراعي جميع هذه العقبات وهذه الحساسيات. وهو يقوم على فكرتين أساسيتين:
– التكيف مع الأمر الواقع، واعتماد مبدأ التدرج للوصول إلى الأهداف.
– خلق حالة تمثيل مقبولة لمكونات الشعب السوري.
ملخص الاقتراح
وتقوم المبادرة على إجراء انتخابات مجالس محلية في جميع المناطق السورية (من دون استثناء) ينبثق منها ممثلو المناطق إلى جمعية وطنية من 250 عضواً (بنسبة تمثيل 1/100000) تكون لها سلطة البرلمان التأسيسي وتنحصر مهمتها في إعداد دستور وقوانين أساسية، تجرى على أساسها انتخابات رئاسية وتشريعية.
وفي الوقت نفسه تكون المجالس المحلية المنتخبة والتي انبثقت منها الجمعية الوطنية، تمارس دورها على الأرض في إدارة شؤون الحياة اليومية للمواطنين، والتنسيق مع المؤسسات الدولية ومع مؤسسات الدولة، ومع السكان.
وتجرى الانتخابات على مراحل في كل منطقة على حدة، وبالتتابع زمنياً، وبرقابة وإشراف دوليين. وبالاتفاق بين القوى الكبرى، ثم بين المجتمع الدولي والنظام.
خريطة التنفيذ
تقوم خريطة تنفيذ هذه المبادرة على الخطوات التالية:
– يتوافق عليها عدد من الشخصيات الوطنية من خارج جميع الكتل السياسية (نظام ومعارضة).
– توجه هذه المبادرة في رسالة إلى المبعوث الدولي وإلى الأمانة العامة للأمم المتحدة ووزارات خارجية الدول المعنية بالمسألة السورية. ـ
– بعد توافق المجتمع الدولي (روسيا والولايات المتحدة بشكل أساسي) على تفاصيل المبادرة، تصاغ بقرار من مجلس الأمن تحت البند السادس. وتمارس كل دولة نفوذها على حلفائها لتنفيذ هذه المبادرة.
– يحدد القرار الدولي البرنامج الزمني لتنفيذها، ويحدد شكل الرقابة الدولية على الانتخابات ومصادر تمويلها والدول التي ستشارك بها.
– يكلف القرار المبعوث الدولي توقيع اتفاقية مع النظام القائم لتنفيذ المبادرة. ويباشر فريقه التفاوض مع القيادات المحلية (العسكرية والمدنية) للاتفاق على مواعيد الانتخاب في كل منطقة.
– يعد فريق من الخبراء خريطة تقسيم المناطق وتحديد عدد ممثليها في الجمعية الوطنية، بناء على تقديرات المكتب المركزي للإحصاء ووزارة الإدارة المحلية، المعتمدة على إحصاء عام 2004 وتقديرات النمو السكاني. (وهذا هو المصدر الوحيد المتاح والأقرب إلى الدقة).
– تجرى الانتخابات على مستوى المناطق ليوم واحد. ثم يجرى فرز الأصوات بحضور المراقبين الدوليين، ويجتمع المجلس المحلي فور إعلان النتائج لينتخب ممثله إلى الجمعية الوطنية ومكتبه التنفيذي.
– يصدر رئيس الجمهورية بموجب الدستور الحالي مرسوماً بحل مجلس الشعب القائم، ثم يصدر مرسوماً بإضافة مادة إلى الدستور الحالي في باب الأحكام الانتقالية تتضمن ولاية الجمعية الوطنية وصلاحياتها.
– تعقد الجمعية الوطنية خلال أسبوع من انتهاء الانتخابات في مبنى مجلس الشعب الحالي، وتضع نظامها الداخلي.
– تعد الجمعية الوطنية خلال سنة دستوراً جديداً للبلاد وقانون أحزاب وقانون انتخاب، وتجري استفتاءً عاماً على الدستور.
– بعد إقرار الدستور تجرى الانتخابات العامة بموجب الدستور الجديد وبمساعدة المجتمع الدولي.
– مدة تنفيذ هذه الخريطة خمسة عشر شهراً، ثلاثة أشهر لتبني المبادرة والبدء بتنفيذها وإجراء الانتخابات على أساسها، ثم مدة ولاية الجمعية الوطنية وهي سنة.
الدوائر وآليات الانتخاب
تقسم المناطق بحسب تقسيم الإدارة المحلية للمناطق والنواحي. والأحياء (في المدن).
المنطقة هي حي أو منطقة أو مجموعة قرى مع مركز ناحية متجانسة وبينها صلات حالياً، ويتكون مجلسها المحلي من 25 عضواً وينتخب منهم ممثلون إلى الجمعية الوطنية بعدد يتناسب مع عدد السكان. وتقسم سورية إلى 250 دائرة انتخابية، تمثل كل منها 100 ألف نسمة بالنسبة إلى أعضاء الجمعية الوطنية، وتجمع الدوائر الانتخابية الواقعة في منطقة جغرافية واحدة في مجلس محلي واحد (دوما، مثلاً، لها مجلس محلي واحد وأربعة ممثلين في الجمعية الوطنية).
بحضور مراقبين دوليين (لهم الاستعانة بمتطوعين سوريين من خارج المنطقة) تنتخب كل منطقة مجلساً محلياً من 25 عضواً، يجتمع بعد إعلان النتائج لينتخب مكتباً محلياً من خمسة أعضاء وينتخب ممثلو المجلس المحلي إلى الجمعية الوطنية. ويكون ممثلو المجلس المحلي بواقع ممثل واحد لكل 100 ألف نسمة.
– يحق للسوريين في الخارج المشاركة في الانتخابات عبر سفارات دولة محايدة (لعدم وجود سفارات سورية في معظم دول العالم، ولعدم ثقة الناخبين بها في حال وجودها) ويختار كل ناخب منهم الدائرة التي يريد الانتخاب فيها. وتجرى انتخابات الخارج قبل أسبوع على الأقل من بدء انتخابات الداخل.
وتضاف النتائج إلى نتائج انتخابات المنطقة عبر فريق المبعوث الدولي.
ويحق للسوريين الترشح من الخارج وفق آلية قانونية توضع لهذه الغاية (عبر وكالة لشخص في الداخل، أو عبر سفارة دولة محايدة) وفي حال انتخابهم لتمثيل مناطقهم في الجمعية الوطنية يضمن القرار الدولي والاتفاقية الموقعة مع النظام تمتعهم بالحصانة طيلة فترة ولاية الجمعية.
وتجرى الانتخابات في كل منطقة على حدة، بمعدل عشر مناطق كل يوم تقريباً. أي تجرى الانتخابات على مدى 15 – 20 يوماً. ويحقق التتالي الزمني في الانتخابات الهدفين التاليين:
– فرض وقف إطلاق النار في منطقة محدودة لمدة يوم واحد لإجراء الانتخابات فيها أكثر واقعية وسهولة من طلب وقف إطلاق النار على جميع أراضي الجمهورية.
– إجراء الانتخابات في عشر مناطق كل يوم يسهل إمكانية مراقبتها دولياً، ويصبح مثلاً مئة أو مئتا مراقب دولي عدداً كافياً لضمان نزاهة الانتخابات.
الجمعية الوطنية
– الجمعية الوطنية ليست برلماناً بالمعنى المعروف لكلمة برلمان، بل هي هيئة سياسية تعبر عن مكونات الشعب السوري وتعمل بالنيابة عنه للوصـــول إلى مخـــــرج سياســـي من العقدة الحالية، ويمكن اعتبـــارها برلماناً انتقالياً ذا سلطة تشريعية.
– يكون عمل الجمعية الوطنية منفصلاً عن عمل السلطة التنفيذية، وتكون مهمتها محصورة في رسم المستقبل السياسي لسورية والتحضير لانتخابات عامة.
– لا يكون تشكيل حكومة شرطاً مسبقاً لانعقاد الجمعية الوطنية، ويترك للتفاوض بينها (أو بين بعض مكوناتها) وبين النظام القائم. – تؤجل الملفات الخلافية لما بعد انتخاب برلمان بولاية كاملة بموجب الدستور الجديد.
– تعد الجمعية الوطنية ساحة حوار وطني مفتوح، وتكون في حال انعقاد دائم.
– تنتخب الجمعية الوطنية في أول جلسة لها رئيساً ونائبين للرئيس وأمينين للسر. وتحدد لجانها وتوزع أعضائها على اللجان.
– تتحدد مهام الجمعية التأسيسية بإعداد دستور جديد والاستفتاء عليه. وإقرار القوانين الأساسية (انتخاب – أحزاب). وإدارة الشؤون الانتقالية مثل المصالحة الوطنية وإدارة ملف المفقودين والمعتقلين، وتخفيف حدة التوتر في المناطق الساخنة، وتسهيل استئناف أعمال المواطنين ودوران عجلة الاقتصاد.
– تتولى الجمعية تشكيل لجنة لإعداد الدستور من أعضائها ومن خبراء وشخصيات قانونية ووطنية تختارها. ثم تناقش الدستور في جلسات عامة لجميع أعضائها.
– تكون جميع جلسات الجمعية مفتوحة أمام الرأي العام من خلال وسائل الإعلام.
– يتقاضى أعضاء الجمعية الوطنية تعويضات مالية من الخزينة العامة للدولة، تقابل تعويضات أعضاء مجلس الشعب في القانون الحالي.
ويتمتع أعضاؤها بالحصانة المنصوص عليها لأعضاء مجلس الشعـــب، مع مشاركة المجتمع الدولي في تقديم ضـــمانات لأعضائها لعدم تعرضهم للخطر.
– في حال شغور منصب أحد أعضاء الجمعية الوطنية (للوفاة أو الاستقالة) ينتخب المجلس المحلي للمنطقة التي يمثلها بديلاً عنه من بين أعضاء المجلس، من دون الحاجة إلى انتخابات عامة في المنطقة.
– تحدد ولايتها بعام واحد تقر فيه دستوراً جديداً للبلاد وقانون انتخاب وقانون أحزاب. وتشرف على انتخابات عامة (رئاسية وتشريعية).
المجالس المحلية ومكتبها التنفيذي
ينتخب المجلس المحلي مكتباً من خمسة أعضاء يتولون المهام التالية:
1- رئيس المجلس.
2- المسؤول القانوني – نائب رئيس المجلس.
3- المسؤول المالي ويتولى وصول المواد وتوزيعها على السكان.
4- المسؤول العسكري ويكون مسؤولاً عن الكتائب المسلحة في المنطقة وينسق مع المسؤول المالي والمسؤول الاجتماعي في ملفات عملهم.
5- المسؤول الاجتماعي ويتولى شؤون الإغاثة وملف المفقودين والمخطوفين.
– مدة ولاية المجالس المحلية هي مدة ولاية الجمعية الوطنية، مضافة إليها الفترة اللازمة لإجراء انتخابات محلية بموجب الدستور الجديد.
– يحق للعسكريين أن يكونوا أعضاء في المجالس المحلية ولا يحق لهم تمثيل المنطقة في الجمعية الوطنية التأسيسية.
– يتولى المجلس المحلي إدارة الشؤون المحلية في المنطقة والعلاقة مع الجهات الحكومية والدولية في مجالات:
1- الاتفاق على ضبط وقف إطلاق النار.
2- توزيع المساعدات.
3- تأمين وصول الحاجات الأساسية (الطحين والمحروقات) وتنفيذ ما يستلزم إمكانية وصولها.
4- التفاوض مع السلطات المحلية في المناطق المجاورة.
5- إدارة ملف المخطوفين من المنطقة أو فيها.
6- تمثيل السكان محلياً في العلاقة مع السلطة المركزية (ما دامت قائمة).
7- انتخاب ممثل المنطقة إلى الجمعية الوطنية، وانتخاب بديل عنه في حال شغور مقعد المنطقة.