صفحات العالم

متى وعلى ماذا يتفاوض السوريون؟

 

عصام نعمان

ما زالت سوريا والسوريون يسبحون في بحرِ دمائهم. الحرب بكل مظاهرها الدامية تعصف بالشام مدناً واريافاً وتحصد في سعيرها يومياً مئات القتلى والجرحى. مع ذلك يمكن للعيون الثاقبة ان ترى بصيص نورٍ في حلكة الليل السوري الطويل. ثمة أمل يتنامى بأن يقتنع طرفا الصراع ، النظام كما المعارضة، ومن يقف وراءهما من اصدقاء وحلفاء ، بلاجدوى الحرب القذرة التي دخلت او كادت سنتها الثالثة.

مع لاجدوى الحرب تتنامى مساعي الحوار وصولاً الى التفاوض. الحوار يجري في الكواليس بعيداً عن الأضواء ، يرعاه المبعوث الاممي الاخضر الابراهيمي ، ويشارك فيه مسؤولون رسميون من دول كبرى ومتوسطة ، وممثلون غير رسميين للنظام وللمعارضة .

ليس أدل على تنامي الثقة بالحوار وبجدوى الإتجاه نحو التسوية من ان الإبراهيمي وافق اخيراً على تمديد مهمته ستة اشهر. ثمة قرائن اخرى : تلميحات وزير خارجية الولايات المتحدة الجديد جون كيري ووزير خارجية بريطانيا وليم هيغ ، وتصريحات الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، وإعتزام وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس ‘الإئتلاف الوطني السوري’ المعارض معاذ الخطيب تلبية دعوة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لإجراء محادثات في موسكو مع كلٍ منهما على حدة.

هذه الشواهد والقرائن يكاد يُغرقها دويُّ الإنفجارات الدموية والإشتباكات المتلاحقة في أرجاء دمشق وحلب وحمص ودير الزور واريافها. هل يعقل ان يتجه المتحاربون الى الحوار والتفاوض وقد سقط في دمشق وحدها نتيجةَ التفجيرات الإرهابية المدمرة في حيّ المزرعة اكثر من 55 قتيلاً و250 جريحاً في عملية واحدة ترَدَدَ انها انتحارية ؟.

ثمة رأيان في تفسير ظاهرة لجوء المعارضة المسلحة في الآونة الاخيرة الى تصعيد وتيرة الحرب. الاول يردُّها الى رغبتها في تعزيز مركزها التفاوضي مع تعاظم المساعي والجهود لجمع طرفي الصراع على طاولة الحوار في ميقات قريب. الثاني يعزوها الى رغبة اطراف اقليمية ودولية في إبطاء مساعي الحوار لتتزامن مع مساعٍ موازية لمعالجة ازمات اقليمية اخرى ساخنة في إطار تسوية متكاملة .

يعيق المباشرة في الحوار موقف لـِ ‘الإئتلاف الوطني السوري’ يشترط إبعاد الرئيس بشار الاسد عن طاولة الحوار وعن اي دورٍ بعد تسوية النزاع في قابل الايام . غير ان قادة الإئتلاف وافقوا على محاورة النظام بقياديين من صفوفه ‘غير ملوثة ايديهم بالدماء’. كما يؤخر المباشرة في الحوار ، بحسب اركان الإئتلاف ، إصرار قيادة النظام على ان يتمّ الحوار ومن ثم التفاوض داخل سوريا ومن دون شروط مسبقة. لكن لتسهيل الحوار تخلّت قيادة النظام عن شروطٍ كانت اعلنتها سابقاً تقضي برفض الحوار مع قادة المعارضة المسلحة ولاسيما الضباط الذين كان بعضهم انشق عن الجيش وتشكيلات الامن الداخلي.

الى ذلك يُحاول وسطاء ناشطون بين طرفي الصراع إرساء قاعدة للحوار والتفاوض بينهما جوهرُها عدم جواز اشتراط ايٍّ منهما الموافقة المسبقة على اسماء مندوبي الآخر الى طاولة الحوار. ويشدد الوسطاء على حق كل طرف بأن يطرح في الحوار ما يشاء من الموضوعات والمطالب والإعتراضات.

حسناً ، لنفترض ان الوسطاء ومسؤولي الدول الكبرى والحكومات الاقليمية التي تقف وراء طرفي الصراع نجحت في تدوير زوايا الخلافات فيما بينها وتمكّنت تالياً من جمعهما على طاولة الحوار ، فما القضايا التي يمكن ان تُطرح وتكون موضع مناقشة؟.

ثمة خمس مسائل رئيسة :

اولاها مسألة الدستور ، بمعنى التحاور للتفاهم على المبادىء الاساسية للدستور العتيد ، على ان يُصار الى الإنتهاء من صوغه بعد إجراء انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي جديد يقوم اعضاؤه بإستكمال المهمة تمهيداً للمصادقة عليه في المجلس الجديد او في إستفتاء عام.

ثانيتها مسألة النظام السياسي ، هل يكون رئاسياً ام برلمانياً ؟ يتردد ان ادارة اوباما وسائر حلفاء المعارضة تفضّل اعتماد النظام البرلماني حيث تتركز السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء وليس بين يدّي رئيس الجمهورية وذلك بقصد إقصاء الاسد او تطويق دوره في رئاسة الجمهورية حتى لو كانت صلاحياتها محدودة . في المقابل ، يعارض اهل النظام وبعض معارضي الداخل النظام البرلماني ويفضلون عليه النظام الرئاسي ليس بقصد مواجهة حملة المعارضة لإقصاء الاسد فحسب بل لكونه ايضا ضمانة لفعالية السلطة المركزية التي تحتاجها دولة ذات تعددية مرهقة كسوريا.

ثالثتها مسألة قانون الاحزاب والشروط الواجب توافرها لجواز ترخيصها . في هذا السياق ، يتبلور تباين واضح بين اتجاهين : الاول يدعو الى عدم إجازة الاحزاب ذات التركيبة الدينية الفاقعة وذلك تفادياً لنشوء صراعات مذهبية تؤدي الى تصدّع الوحدة الوطنية وزعزعة الامن والإستقرار . الثاني يدعو الى إطلاق حرية التنظيم الحزبي لضمان ممارسة ديمقراطية صحيحة تُترجم التعددية السائدة في المجتمع السياسي.

رابعتها مسألة قانون الإنتخابات . ثمة خلافات وتباينات سوف تثور حول النظام الإنتخابي الافضل للبلاد بعد الحرب الكفيل بتحقيق الديمقراطية الصحيحة . هل هو نظام التمثيل الاكثري ام نظام التمثيل النسبي ام النظام المختلط ؟ ثم كيف سيكون حجم الدوائر الإنتخابية ؟ هل تُعتمد الدوائر الصغرى (الفردية) ام الوسطى ام الكبرى ام تكون البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة في حال اعتماد نظام التمثيل النسبي ؟.

خامستها مسألة تركيبة الحكومة الوطنية الإنتقالية التي ستتولى تنفيذ التشريعات المتعلقة بالمسائل الخمس سالفة الذكر والتي ستتولى ايضا الإشراف على إجراء الإنتخابات التشريعية وربما الرئاسية ايضا ، كما ستتولى توجيه قيادة القوات المسلحة وتعزيز قدراتها . هل تترك الجيش على ما كان عليه في خلال سنتي الاحداث الاليمة ، وقد إنحاز بلا تردد الى جانب المتمسكين بوحدة البلاد وسيادتها ، ورَفَضَ التدخل الخارجي بكل اشكاله ، ودَعَمَ قوى المقاومة العربية ولاسيما منها المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ؟ هل تتركه في ايدي قيادته الحالية ام تعيد تشكيل القيادة وتجرؤ على اعادة النظر في عقيدته القتالية المعادية للكيان الصهيوني؟.

غني عن البيان ان خيار الحوار والتفاوض لن يُترك للسوريين وحدهم . ثمة صراع بين الدول الكبرى ، ولاسيما اميركا وروسيا ، وبين الدول الاقليمية الكبرى، ولاسيما تركيا وايران و’اسرائيل’ ، سيتقرر في ضوئه مصير الحوار والتفاوض بين الاطراف السورية ، فلا ينطلقا إلاّ بعد ان تكون تلك الدول قد توصّلت الى تسوية فيما بينها على المصالح ومناطق النفوذ و’امن اسرائيل’ وسواها من القضايا العالقة.

قصارى القول: وحده التوافق الوطني بين اطراف الصراع كفيل بالحدِّ من دور قوى الخارج في تقرير مصير سوريا ودورها القومي.

‘ كاتب لبناني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى