متى ينجح العصيان المدني في سورية؟
د.أسامة قاضي
إن العصيان المدني واحد من أهم وأخطر أنواع المقاومة السلمية للسلط الحاكمة، وأعلى مراتب التعبير السلبي عن الثورة المطلبية، ولكن من أهم شروط نجاحها:
1- أن تتعامل الجماهير مع دولة مدنية، وتكلفتها البشرية ستكون باهظة في ظل دولة تحكمها القوة الأمنية والعسكرية،
2- وأن تكون في الدولة كيان مؤسسي اسمه حكومة، ذات نظام متماسك، وسيخفف من آثار نجاحها في حال ضعف المؤسسات الحكومية ذات الفاعلية والانتاجية المنخفضة، حيث يكون أثر العصيان أكبر على امتناع العمال من الذهاب إلى معمل قطاع عام منتج، فالعطالة من خلال العصيان سيكون أثرها أكبر، ولكن في حال سوريا حيث أن أكثر من 55 صناعة تحويلية من أصل 93 للقطاع العام خاسرة أصلاً فلاشك أن خسارتها وإحساسها بالضغط سيكون أقل، لأن تلك الصناعات التي اعتادت الخسارة، و الإهمال واللامبالاة،
3- وأن يكون شاملاً لكل القطاعات وفي وقت واحد بشكل عالي التنظيم وكلما شمل قطاعات أكثر، ومدناً أكثر، كان مؤثراً بشكل أكبر،
4- وأن يكون هناك تغطية إعلامية قوية لهذا العمل الجمعي السلبي حتى يحشد التأييد اللازم، ويأخذ الزخم الذي يزيد من الضغط على السلطة الحاكمة، وربما توقيت الاعتصام مثلاً في وقت زيارة الوفد لو سمح النظام السوري بدخول الإعلام سيكون له أثر كبير.
لاشك أن أهم أثر للعصيان المدني هو ضرب سيادة الدولة، وهيبتها من جهة، وتوحد الشارع على كلمة ضد الاستبداد، وهذا التوحد مرعب للأنظمة الديكتاتورية، بمعنى آخر هو يمثل أكبر عجز للحكومة عن فرض إرادتها، وعجزها عن تسيير أمور الشعب بعكس إرادته، وهذا معناه شللها وإظهار عدم إمكانية فرض إرادتها وعجزها عن الظهور بمظهر المسيطر على الأوضاع، وإظهار الاستغناء عن الدولة والامتناع عن التعامل معها، حيث يمثل صفعة في وجه الحكومة وهزة من داخل النظام من خلال سلاح الشعب السلمي الفعال.
العصيان المدني بطبيعته فعل امتناع، ورغم سلبيته إلا أن شحناته الايجابية خارقة، ولنتأمل ماذا يمكن أن يجدث في يوم واحد فقط، بسبب الامتناع عن استخدام وسائط النقل وشل حركة المواصلات باصات قطارات وطاائرات، فمثلاً الامتناع عن التعليم من طلاب ومعلمين يعني إغلاق 16 ألف مدرسة في سوريا، وقس على ذلك الامتناع عن ممارسة القضاء، و الامتناع عن مزاولة التجارة، بمعنى عرقلة التجارة الخارجية اليومية التي تبلغ 126 ألف طن يومياً مابين استيراد وتصدير وإعادة تصدير وترانزيت وإدخال مؤقت ، ومعنى العصيان ليوم واحد هو امتناع العمال عن الذهاب إلى 17 محلجة قطن في سوريا، و الامتناع عن الذهاب إلى 811 مطحنة حبوب.
ماذا لو شارك عمال النقل في العصيان مع باقي أبناء الشعب السوري؟ فمن سينقل 34 ألف طن بضائع منقولة داخل القطر يوميا، و 7900 طن خارج القطر؟ إن عصيان وسائط النقل الخاصة بتحميل البضائع معناها امتناع يشمل 490ألف سيارة للنقل الداخلي، و 113 ألف سيارة للنقل الخارجي، فلنتصور أن الشعب اتفق على هذا العصيان، ترى كم سيربك النظام؟ ولو شارك قطاع السكك الحديدية في العصيان معناها امتناعه عن نقل 24 ألف طن يومياً، وهذا سيزيد الضغط.
باعتقادي أن اشتراك عمال قطاع النقل في الأمد القصير واحد من أهم عوامل نجاح العصيان المدني ….تصوروا معي لو أن 1مليون و331 ألف سيارة سورية توقفت عن الحركة، ألا يعني فرض إرادة الشعب على الأرض، وإرباك حقيقي للنظام؟
إن اشتراك عمال الموانئ التي نخرها الفساد مهم أيضاً فمن الذي سيفرغ 13 ألف طن يومياً، ويحمّل 3 آلاف طن من البضائع في اللاذقية بأرخص الأجور، ومن أين للنظام بايجاد عمال لتفريغ 33 ألف طن يومياً، ومن الذي سيحمل 4 آلاف طن في مرفأ طرطوس.
ترى ألم يأن الأوان ليشعر كل مواطن سوري أنه مهم ومؤثر في حياة الأمة، ويستعيد مكانته الأصلية سواء كان حمالا في مرفأ أو سائق تكسي، أو بروفسور في جامعة؟
لو شارك كل الشعب في العصيان المدني ستجد 124 ناقلة نفط وغاز قادمة ومغادرة من مرفأ طرطوس و 463 من مرفأ بانياس أنه لايوجد أحد من العمال ليساعد على استلام تلك الناقلات، وكذلك يستحيل وجود عامل مطار واحد يستقبل 72 طائرة، ولاخدمة 12 ألف راكب يومياً في خمسة مطارات، ذات بنية تحتية متخلفة أصلاً وخدمات متدنية، عندها سيعلن النظام اعتذاره عن استقبال الطائرات في مطاره لأن الشعب يريد ان يقول كلمته للعالم.
السوريون يدفعون قيمة طوابع بريدية يومياً بما قيمته 138 ألف ليرة، فماذا لو لم نجد من يفتح 588 مركز بريدي في سورية في يوم واحد، ترى ألا يؤثر هذا في النظام ، ألايؤثر في هيبته؟ ألاتصله رسالة أنه لامكان للعبيد في سورية الإباء؟
ماذا لو أحجم السوريون عن 1مليون و181 ألف مكالمة داخلية يومياً؟ ماذا لو امتنعوا عن 320ألف مكالمة خارجية يومياً ؟ وهذا لعله أضعف وآمن وأسهل عصيان “الامتناع عن استخدام الهاتف”، ولكن أقواه امتناع 5 مليون عامل سوري عن الذهاب إلى عملهم.
ألم يأن الأوان أن يدرك المواطن السوري قيمته الحقيقية في الحياة العامة وأنه ليس عبداً في مزارع النظام يشاهد بأم عينه ُيسرق اقتصاده، وتُهدر موارده، ويراق دمه، ودم أهله، وتنتهك أعراضه أمامه، ويعذب هو وأخته (طلّ وزينب وغيرها كثير) وأطفاله (حمزة وغيره) وأخوه (غياث مطر وغيره)، ومع هذا يرضى ليذهب ليكون جزءاً من هذا النظام ويرضى بالفتات.
أليس من حق هذا الشعب الأبيّ أن يطالب بالعدالة في سورية، ويطالب بحفظ دمه وماله وعرضه، وتوزيع عادل للثروات، ووقف الفساد والهدر،وأن يعيش في ظل تعدد الأحزاب وفضاءات سياسية واسعة لاأن يكتفي بحزب البعث ذو السمعة السيئة لخمسة عقود، ودون 17 جهاز أمني يريد ان يوهم السذج أنه فوجئ بعصابات على طول سورية وعرضها، ودون سجون وتعذيب، ويحيي في ظل وطن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتكون الطبقة المتوسطة فيه هي السائدة دون فوارق طبقية هائلة، ولايكون أكثر من 10 مليون سوري تحت خط الفقر، ويكون الريف الذي يُقتل أهله اليوم مخدّم بشكل سليم وحقيقي ولائق، وفيه بنية تحتية حقيقية، وليس بيوتاً طينية، ووطن يفخر فيه الصناعي بأن لديه حكومة تساعده على ترويج صناعته، وتمده بالعون، دون أن تحاصصه على قوت يومه، وتسرق عرقه عن طريق الفساد والشركات القابضة.
ألا يحق للطالب السوري أن يدرس في جامعة تعطيه علماً، ولاتجعل الجامعة حلماً، ولاترفع معدلات الجامعة حتى تمص دم الشعب عن طريق التعليم الافتراضي الهزيل، والتعليم الموازي، ولاتفرض عليه أساتذة مهمتهم ابتزاز الطلبة، وإهمال تعليمهم بشكل حقيقي في جامعات هزيلة تمتهن كرامتهم على يد منظمات طلابية تافهة، لم يدافعوا يوماً عن حقوق طلبة يحشرون في القاعات كالأغنام، على يد مدرسين غالبيتهم مجموعة فاشلين ابتعثوا إلى دول فاشلة، وعادوا لينتقموا من طلاب أبرياء.
ألم يأن الأوان لكي يعرف المحامي أنه يستطيع أن يقاضي الجاني دون أن يتعرض لأذى، ودون أن يضطر لمعرفة تسعيرة بعض القضاة، ألم يأن ل 358 ألف موظف في القطاع العام ليقولوا لا لراتب قدره أقل من 9000 آلاف ليرة (170دولار) ، لالراتب قدره 10 كيلو لحمة؟ ألم يأن ل934 ألف عامل في القطاع الخاص أن يكوّنوا نقاباتهم ويسألوا حكومتهم أن تنصفهم من راتب أقل من 10 كيلو لحمة؟ كيف يعيل السوريون أطفالهم ومتوسط راتبهم 11000 ليرة سورية أو 12 كيلولحمة، أو 30كيلو لحمة تباع في أسواقنا لانعرف مصدرها، ولاتصلح علف للحيوانات؟
أسئلة برسم الشعب السوري، بشرت الثورة السورية بالإجابة عنها، وبرؤية استحقاقاتها في المستقبل القريب.
كلنا شركاء