مثقفو النظام.. من الويل والثبور إلى نبش القبور../ علي سفر
قراءة قاموس العنف اللغوي الذي يستخدمه شبيحة النظام ضد معارضيه، أُغلقت ومنذ زمن طويل على التحديثات، إذ لم نعد نلحظ اجتهاداً لهؤلاء في تعليقاتهم على ما يكتبه وينشره الثائرون في صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الصفحات العامة.
لقد نضبت مخيلة هؤلاء، فلم يخرجوا منذ زمن طويل عن ثيمات البذاءة والسفاهة، مستخدمين عبارات وكلمات لم تعد غريبة على أحد!
التربية العامة التي بذل النظام فيها ومن أجلها الكثير أثمرت وأينعت في هؤلاء الذين باتوا قطعاناً منظمةً، يهاجمون الأشخاص المستهدفين على شكل حملة موجهة، يباشرونها بالشتم والتخوين، ولا ينهونها قبل أن يستعرضوا فيها كل أنواع السباب والفجور بحق الشخص وعائلته، والنساء فيها على وجه الخصوص.
بالتراصف مع هؤلاء كان مثقفو النظام يتوارون في البداية وراء الكلام العام عن ضرورة المحافظة على سوريا، وعدم إفساح المجال للدول الأجنبية للتدخل في شؤون السوريين الداخلية، ثم تطور خطابهم مع محاولات النظام أسلمة الثورة، فصاروا يتحدثون عن بعبع الإخوان المسلمين، ووحوش العراعير والوهابيين، وتحول المثقفون المعارضون عند هؤلاء إلى عملاء خونة، يعملون لصالح الإسرائيليين والأمريكيين، ويقبضون من قطر والسعودية!
ومع تحول ميزان القوة على الأرض لصالح جيش النظام والميليشيات الطائفية، المدعومين من الطيران الروسي، وبعد استعادتهم السيطرة على كثير من المناطق بقوة السلاح، وعبر عمليات التهجير القسري، والمصالحات، بات خطاب النخب الثقافية الداعمة للنظام يمضي سريعاً نحو التعري من الألبسة، والتخلي عن التوريات اللغوية في آنٍ معاً، لتظهر عورات هؤلاء الشعراء والكتاب والروائيين والفنانين، بلا خجل أو استحياء، إذ لم تعد هناك حاجة للاستعارات في الكلام، بل صار من الواجب أن يتسم كلام المثقف المؤيد بالفجاجة والوقاحة، ليكون منسجماً مع اللغة السائدة على وسائل إعلام النظام أو تلك الموالية له في لبنان وإيران.
آخر ما وصلت إليه لغة هؤلاء، إعلانهم أن المعيار الأساسي للتقييم الأدبي والفني والأخلاقي بالمحصلة، يجب أن يبنى على بقاء المثقف في بلده!، فكل من غادر سوريا في أيام الحرب بحسب رأيهم إنما هو “هارب”، “فر” من مواجهة العدوان عليها، وعليه فإن كل ما سيحدث في البلد بعد انتصار الجيش الباسل يجب أن يأخذ بالحسبان حقوق هؤلاء الصامدين، وألا يكون لأولئك المقيمين وراء الحدود أي حقوق في سوريا المنتصرة على العدوان والإرهاب!
تمثلات هذا الخطاب بدأت مع تصريحٍ شهير للضابط القتيل عصام زهر الدين، نصح فيه المعارضين بألا يعودوا إلى سوريا.. حتى وإن سامحتهم الدولة، ثم تفشت هذه الطروحات هنا وهناك، وبلغت ذروتها مع تصاعد تهديدات ترامب بالضربة التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قبل أيام، لتصل عقول وألسنة معارضة
الداخل صنيعة النظام ومثقفيه وفنانيه، فظهرت بروين إبراهيم أمين عام حزب الشباب الوطني، على شاشة الفضائية السورية مهددة المعارضين في الخارج بالمحاكمة أمام القضاء السوري! وبالتوازي معها طالب صحفي وسيناريست مؤيد على صفحته على فيس بوك بتسجيل أسماء المعارضين لكي “ﻻيفلت أحد منهم من العقاب” موصياً بأن تنبش قبور الموتى منهم! “وتلتقط جثثهم بالملاقط لشدة نتنها ثم تقدم للمحاكم ” بهدف جعلهم “عبرة للتاريخ”!
ولم ينج بعض المثقفين المتعاطفين قليلاً مع الثورة والذين حرصوا سابقاً على تمييز خطابهم عن السائد، من خطر الانجرار إلى حفلة الردح هذه، فانساقوا إلى الهمروجة فكتبوا غاضبين عمن طالبوا بمعاقبة النظام، فخونوا وشتموا كغيرهم، ولعل البعض منهم وجدها فرصة مناسبة لكي يميز موقفه عن موقف المعارضة في الخارج، طالما أن التهديدات الحالية لأفرادها لم تعد تقف عند حدود الويل والثبور، بل وصلت إلى حد المحاكمات ونبش القبور!
التهديد بالمحاسبة عند العودة إلى سوريا، وبالنظرة الأولى إليه؛ لا يوحي بإحساس عالٍ بالانتصار، بقدر ما يعبر عن شعور صاحبه بخوف حقيقي، من مرحلة مابعد الانتصار، أو لنقل عدم اليقين بوجود الانتصار ذاته، طالما أن أدوات النصر جاءت على يد الطيران الروسي والميليشيات الطائفية.
ولكنه في الإحالة إلى سياقه، ينسجم بشكل كامل مع خطة النظام التي باتت شبه معلنة للاستيلاء على أملاك السوريين الذين غادروا سوريا هرباً من حربه على الشعب السوري المنتفض ضده، عبر القانون رقم 10، الذي صدر حديثاً، وشرع للوحدات الإدارية الاستيلاء على أملاك الغائبين، بالإضافة إلى ما بدأت تعلنه وسائل إعلامه عن مدن جديدة ستقام على بيوت وأملاك سكان مناطق المخالفات التي مازالت عمليات تدميرها مستمرة حتى الآن.
هكذا سيتمكن النظام ومؤيدوه ومرتزقته وشبيحته من بناء عملية متكاملة من النهب، لا تتوقف عند الأملاك والعقارات، بل يمكن توسعتها لتشمل التفاصيل المعنوية في الكينونة السورية لدي أي مبدع سوري معارض، فمثلما طالب أحد كتبة النظام ذات يوم بتأسيس فرع أمن أدبي، يمكن للقريحة الفاشية أن تنتج محاكمات ميدانية تفضي إلى حكم محو تنفذه كتائب الإعدام الأدبي والمعنوي، في الساحة المحلية، بينما يتكفل الشبيحة في الخارج وحلفاؤهم ومرتزقتهم الأجانب بتجريد حملات ضد المعارضين، تتهمهم بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية، وخير مثال على هذا الحملة الروسية المنظمة والمسعورة ضد الدفاع المدني السوري (القبعات البيض)، وضد أصحاب الأعمال الفنية التي تدعمه..!
تلفزيون سوريا