محاولة إحاطة للوضع السياسي
تجمع اليسار الماركسي في سورية
في هذه المرحلة، من الواضح أن نظام الحكم ديكتاتوري ذو سمات خاصة، يقترب من نهايته على يد ثورة شعبية تشمل قطاعات واسعة من الشعب السوري ، وليس كل الشعب السوري ، هي ثورة شعبية وليست ثورة الشعب.
والعملية أصبح لها ستة عشر شهراً ومن الواضح أن المخاض مؤلم جداً ودموي جداً ، وبشكل عام حتى اليوم لا نزال في نفق مظلم ، لا نرى فيه بصيصاً من نور ،حتى اليوم .
ومن الواضح أيضاً أنه بالأشهر الأخيرة يزداد وضوح الهويات السياسية التي تجري محاولات لإضفائها على برنامج الثورة ، بعد أن كانت بالأشهر الأولى ثورة من أجل الحرية والكرامة ، ومن أجل الديمقراطية عموماً ، بدأت الآن تدخل ألوان ونكهات وشعارات ومهام برنامجية أخرى ، بدلالة زيادة القوى السياسية التي تفصح عن نفسها أكثر وأكثر ، وتحاول التأثير بحركة الجمهور الثائر ، وتحاول أن تدس شعارات سياسية محددة وأن تستخدم أشكال نظامية محددة ، من أجل أن يطغى الشكل النضالي المسلح على حساب سلمية الثورة في مراحلها الأولى.
النظام الديكتاتوري لا يعترف على الإطلاق بوجود ثورة شعبية ، ولا يعترف بمطالبها الأساسية ، ويحاول إلباسها ثوباً مختلفاً عن ثوبها الحقيقي ، ، وعلى هذا الأساس ، النظام تكفل منذ اللحظات الأولى وحتى اليوم بالمعالجة بشكل رئيسي – وحيدة للوضع السوري – أخذت شكل القمع أو الحل العسكري ، أو المعالجة الأمنية العسكرية المعروفة ، التي نشاهد كل مظاهرها ووقائعها على الأرض .
من الواضح أيضاً أن النظام سعى وبالمراحل المبكرة إلى تحريض ودفع السوريين إلى حمل السلاح ، لإعطاء روايته المصداقية ، وبجر الحركة الثورية بالكامل ، الحركة الشعبية ، إلى ميدان المواجهة العسكرية ، وهو الميدان الذي تفوق فيه بامتياز بظل وجود جيش تعداده في الحد الأدنى 400 ألف عسكري ، بمختلف أصناف الأسلحة ،وعند جر الثورة لمضمار الصراع المسلح ، يكون قد جرها لميدان تفوقه المطلق ، وبالتالي يكون قد سهّل مهمته بالخلاص منها ، والقضاء عليها ، أو على الأقل إحراقها وحرفها عن أهدافها ، إضافة لهذا الهدف ، هناك هدف مدرك أو غير مدرك هو إفقاد الثورة عنصر تفوقها الأخلاقي ، وهو عنصر مهم أيضاً على الصعيد المعنوي ، بجرها إلى صراع دموي ينزع سلميتها عنها ، وأيضاً بدفعها عبر محور آخر عبر ممارساته وعبر إعلامه بشكل حثيث لاحتقان وتوتر طائفي ، وكل أشكال الانقسامات ما قبل المدنية أو ما قبل المجتمع الرأسمالي ، ما قبل نظام الدولة المدنية ، أقصد العشائرية والدينية والإقليمية ، ومن الواضح خلال الأشهر الأخيرة بأن النظام نجح حقيقة أو هو ينجح ويتقدم ، يحقق نجاحات على طريق :
1- دفع الثورة إلى العسكرة .
2- اندفاع أطراف من الثورة إلى العسكرة وإلى استخدام الصوت الطائفي ، والشحن الطائفي .
السياسة الرئيسية للنظام ، المعالجة العسكرية الأمنية وتجاهل أي عملية أو مسعى سياسي جاد لخلق أية معالجة سياسية للوضع يسمح بالوصول لتسويات أو حلول وسط أو حلول سياسية تخدم العملية بحسب موازين القوى . المنطق السياسي ملغى بسبب معالجة النظام بمنطق المعالجة الأمنية ومحاولة إخماد الحركة كلياً بالعنف والقتل .
خلال الأشهر الأخيرة جرى،اقليمياً، دفع حثيث جداً باتجاه التسلح المعارض ودفع أموال بكميات كبيرة لشراء الأسلحة وتم توفير هذه الأسلحة بالتهريب من منافذ حدودية مختلفة ( لبنان وتركيا )، وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر أسلحة لم تكن موجودة سابقاً ، وبدأ الصراع يتصاعد بالمعنى العسكري ، وأيضاً منذ بداية العام2012 أعلن النظام بوضوح أنه سيقوم بسحق الحركة وسيضرب بيد من حديد وسعى للعنف بشكل شديد القسوة وشديد الدموية ، ونحن نشاهد نتائج واضحة جداً لهذا العنف ، بتزايد أعداد القتلى في مختلف مناطق الصدامات العسكرية .
خارج الساحة السورية ( الإقليمية والدولية ) ، من الواضح أن البلاد العربية منقسمة ، كأنظمة ، كدول ، منقسمة الموقف تجاه الوضع السوري ، واتجاه المخارج له ، ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي ، وبشكل خاص السعودية وقطر، يرفعون الإتجاه الأكثر يمينية ، واتجاه الأكثر عسكرة ، وإعلامهم يخدم بشدة هذا الاتجاه تساندهم دول أخرى أقل وزناً وأقل فعالية ومبادرة ، في حين أن دول عربية أخرى مثل الجزائر والسودان ولبنان وموريتانيا ومصر هي الأهم حذرة جداً اتجاه هذا المسار . ومن الواضح أن تركيا تدفع باتجاهات محددة بعد أن صعّدت بشدة في البداية وخفضت نبرتها في الأشهر الأخيرة ، نتيجة إدراكها أن الغرب يحاول استخدامها في معالجة المسألة السورية بما يلائم مصالحه ، بحيث تدفع هي الثمن دون مشاركة الغرب في دفع الثمن ، خفضت وتيرة كلامها ، لكن ممارساتها على الأرض لم تتغير من الجانب النوعي في احتضانها لمجلس اسطنبول ، وتسهيل وجود زعامة الجيش السوري الحر على الأراضي التركية أو في لواء اسكندرون ، والتسهيلات التي تقدمها ، في حين أن إيران تقف بثبات شديد مع النظام السوري . أوسع من الإقليمي هناك الدولي ، من الواضح أن روسيا والصين تقفان بقوة شديدة مع النظام السوري ، وتعتبران أن سقوط النظام السوري بيد الغرب خسارة شديدة لهم . موسكو أخذت درساً من الذي جرى بليبيا ، وهي مستعدة أن تستخدم الفيتو عشرين مرّة إذا لزم الأمر ضمن أي قرارات تنقل الصلاحية إلى مجلس الأمن ، في حين أن فرنسا بشكل أساسي والولايات المتحدة ترعى وتدعم بشدة اتجاه مجلس التعاون الخليجي والمملكة السعودية ، وبشكل خاص من أجل دفع الأمور بالاتجاه الذي تجري فيه الأمور فعلياً على الأرض ، هذا ، وبنفس الوقت هناك الكثير من الأطراف التي تعرب عن تخوفها من انزلاق الوضع السوري إلى وضع يخرجه عن سيطرة الجميع وهذا احتمال حقيقي ، والآن الكل يخشاه على الأقل وفقاً للمواقف المعلنة، الكل يعرب عن قلقه حول انزلاق الوضع السوري إلى حالة تفلت فيها السيطرة وتنهار الدولة ويحدث صدامات أمنية على نطاق واسع وتدخل سورية في نفق لا يكون هناك مخرج منه لزمن طويل ، وهذا لن يؤثر على سورية فقط ، بل سيؤثر على المنطقة ككل ، ..
لا بد من توافق حد أدنى بين هذه القوى الإقليمية والدولية .. ولا بد من توافق كحد أدنى بين هذه القوى يسمح بالانتقال الديمقراطي في سورية بصورة سلمية ، وإلا فإن مصالح الجميع ستكون مهددة ، ولا يمكن لأي طرف من الأطراف أن يضمن مصالحه بمفرده لأن هذه الأطراف ستعزز الانقسامات والصراعات في سورية ، وهو الأمر الذي سيؤدي لانزياح البلد نحو الفوضى والاحتراب الأهلي ، وهذا لن يقتصر على سورية بل سيعم المنطقة بالكامل .. وبالتالي من مصلحة كل الأطراف الإقليمية والدولية ، أن تساهم في تثبيت الانتقال السلمي للنظام الديمقراطي . لابد أن تتوافق على مساعدة الشعب السوري بهذا الامتحان عبر تجنيبه صراعاتها ، ولأنه حسب المثل الشعبي ( عندما تتصارع الفيلة فإنها تسحق النباتات والأعشاب الخضراء ) ونحن هذا العشب الأخضر ، وبالتالي لا مصلحة لنا بالدخول في صراعات إقليمية ودولية ، وإن موقع سوريا السياسي والجغرافي مهم جداً للعالم ، وهذا ما تدركه كافة الأطراف على السواء ، وبالتأكيد لا يكون هذا الكلام على نفس الوتيرة والمستوى مع الجميع ، لأننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار سياسات تلك الدول ، فمثلاً نحن في هيئة التنسيق الوطنية أكدنا بأننا ضد الصهيونية ، وبالتأكيد تاريخ قوانا السياسية كله تاريخ انحياز للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال ، ونحن أرضنا محتلة ، ومن حقّنا استرجاعها باستخدام كل الوسائل والسبل المتاحة ، ومن حقّنا أيضاً امتلاك السلاح الذي يسمح لنا بتحقيق حماية حدودنا ، ومواجهة الكيان الصهيوني المتفوق بشكل واضح وجلي .
إلى اليوم هناك حل قد ينشأ ، واتفاق كحد أدنى ، اتفاق الحد الأدنى بين القوى العظمى يقر حق الشعب السوري بالانتقال السلمي ويسهل اللعبة السياسية للنظام الجديد ، ويقر بأن نظام الديكتاتورية قد ولى زمانه ، إذا حصل ذلك تكون سورية قد تجاوزت عقبة ، وإذا لم يحصل ذلك فإن الأمر المرجح هو استمرار الاستعصاء واستمرار القتل وسفك الدماء والفوضى ، وهذا التطور كارثي على البلاد .
ربما أعطى البيان الختامي ل(مجموعة العمل من أجل سوريا)،في جنيف يوم30حزيران2012،ملامح عن ارهاص لتفاهم”ما”بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لماتحدث ،بعد تنفيذ بنود خطة عنان ذات النقاط الست،عن “انتقال نحو نظام ديموقراطي برلماني تعددي” عبر مرحلة انتقالية يقودها “جسم حكومي انتقالي،يتم تشكيله على أساس الرضا المتبادل(أوعدم الاعتراض المتبادل) من الحكومة القائمة والمعارضة، وتكون له كافة السلطات التنفيذية”.
هل يكون هذا،في مرحلة مابعد تدويل الأزمة السورية،ضوءاً في نهاية النفق ، وخاصة أن هناك توازناً داخلياً ، وتوازنات حول سورية دولية وإقليمية ، لا تتيح لأحد كسر الآخر ، هي القوة الدافعة الأساسية لتوازن هو الذي أدى إلى مقررات مؤتمر جنيف ، التي يبدو أنها ستكون على الأرجح خارطة طريق للوضع السوري القادم؟…..
هيئة التحرير طريق اليســـــار