مخاطر فشل الانتفاضة السورية
هوشنك أوسي
قبل نحو شهر، نشر نشطاء سوريون على شبكة الانترنت، وثائق، قيل أنها صادرة عن شعبة المخابرات العامّة، كانت عبارة عن “خارطة طريق” وضعتها الحلقة الأمنيّة الضيّقة المحيطة بالرئيس السوري، تبيّنُ الخطوات الواجب اتباعها لسحق الانتفاضة السوريّة، على الصعيد العسكري والأمني والاعلامي والسياسي والاقتصادي.
وبالعودة إلى تلك الوثيقة المذّيلة بتاريخ 23/3/2011، ومقاربتها بما شهدته وتشهده سورية، على الصعد السالفة الذكر، سنخلص إلى نتيجة مفادها بأن المعطيات الميدانيّة هي الترجمة الحرفيّة لـ”خارطة الطريق” تلك. وإلى جانب الوعود بالإصلاح، ومحاولة تشويه الانتفاضة، وربطها بجهات خارجيّة (اسرائيليّة _ أمريكيّة) أو بأطراف عربيّة (“تيّار المستقبل” السعوديّة، وفطر) فمن بين ما تضمّنته تلك الوثيقة، هي الدعوة إلى حوار وطني مع أقطاب المعارضة، في مرحلة لاحقة، بعد أن تحقق عمليّة السحق العسكري نتائج ملموسة على الارض في درعا والمدن الأخرى. وبحسب متن تلك الوثيقة، فأن “البعض سيقبل فوراً بالحوار، والبعض الآخر، سيقبل بشروط، وقسم آخر سيرفض. ما نريد من هذه الدعوة هو تبديد وتشتيت قوى المعارضة، وجلعها تدخل في صراع داخلي في مسألة الحوار مع السلطة”. وعطفاً على ذلك، أحد الكتّاب والمثقفين المعارضين، قال، لقناة “الجزيرة” حول اجتماع دار بين مستشارة الرئيس السوري للشؤون السياسيّة بثينة شعبان، وبالحرف الواحد: “الحوار مع السلطة مهم جداً، حتّى ولو لم يجدِ نفعاً”. وعليه، ما وجه الأهميّة من حوارٍ مع السلطة، في ظل انتفاء النتائج الايجابيّة لصالح الشعب ولم ينعكس إيجاباً لجهة تلبيته مطالب المظاهرات الاحتجاجيّة؟!. أوليس الحوار لأجل الحوار، هو في خدمة النظام الحاكم، ألف بالمئة، وهدفه كسب الوقت، وتبديد الشحنة الوطنيّة الثوريّة الانتفاضيّة الشعبيّة المخيّمة على سورية، وامتصاص فورة الغضب الجماهيري، وصولاً للإجهاز على الانتفاضة تباعاً وعلى مراحل؟!. ذلك أنه لا معنى لطرح دعوات الحوار الوطني، مع بقاء المسؤولين عن المذابح التي شهدتها سورية طلقاء!. فضلاً عن أن النظام يهدف من وراء إطلاق دعوات الحوار الوطني كسب الرأي العام العالمي والعربي والسوري، عبر تمييع القضيّة الحقيقيّة، وهي التغيير الجذري والاصلاح الحقيقي الذي ينبغي ان يطال بنية الحكم والدولة والدستور في البلاد، بما يضمن رفع وصاية حزب البعث عن الدولة والجيش والامن والمجتمع، وتحديد صلاحيات رئيس الجمهوريّة وولايته، بولايتين فقط. فمن غير المعقول أن من يعرقل الحوار الوطني اللبناني، من الخارج (النظام السوري) سيسعى إلى حوار وطني داخلي شامل، يطال جوهر سلطة حزب البعث، وصلاحيات الرئيس السوري، وطاقمه الحاكم!.
مع مضي النظام السوري في استخدام آلة الحرب الداخليّة (جيش، أمن، شبّيحة) بهذه الوحشيّة ضد مناطق التوتّر، من البديهي أن درعا وحمص وبانياس وأطراف دمشق، لن تقاوم وتستمرّ في الانتفاضة إلى ما لانهاية. ولعلّ من نافل القول: إن بيضة القبّان في اتساع رقعة الانتفاضة، وإجبارها حلب ودمشق على الانخراط فيها، هي المناطق الكرديّة، شمال وشمال شرق سورية. وحتّى الآن، معطيات الحال في تلك المناطق، تشي بأن النظام نجح، وإلى حدٍّ كبير، تحييد العامل الكردي السوري، عبر أداء الحركة السياسيّة الكرديّة السوريّة، المخيّب للآمال. ونجح النظام أيضاً، في إثارة البلبلة حول نشاطات والاجتماعات والمظاهرات التي ينظّمها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، الذي ينفرد بالنزول للشارع، وإعلانه أنه داعم للانتفاضة وجزء منها، بهويّته الكرديّة السوريّة وأيديولوجيّته الأوجلانيّة. ذلك أن النظام، وعبر بعض الأوساط السياسيّة الكرديّة، وبعض الاطراف الشعبيّة الكرديّة، نجحت في إلقاء ظلال من الشك والريبة على نشاطات هذا الحزب، والتشويش عليها، والترويج بأنها أتت بضوء أخضر من النظام، وأنها نتاج المناكفات السوريّة _ التركيّة!. وهذا ما نفاه الحزب الكردي، جملةً وتفصيلا. وبالتالي، رويداً، يتم لجم الاتحاد الديمقراطي، وإدراجه في سياق الحال السياسيّة الكرديّة السوريّة التقليديّة التي دأبت على المضي في منطق المساومة والاستجداء، وتحاشت حتّى تنفيد برامجها الحزبيّة، التي تذكر فيها بأنها تخوض النضال السلمي الديمقراطي المدني. ذلك أن سقف النضال السياسي السلمي الديمقراطي لديها، ومنذ خمسين سنة، لم يتعدَّ إصدار البيانات والمذكرات، المنددة والشاجبة، والمُطالبة بكذا وكذا!.
من جهة أخرى، أرسل النظام برسالة عنيقة وشديد اللهجة الى المكوّن الآثوري الأصيل، حين شارك الكرد في مظاهراتهم الاحتجاجيّة التي شهدتها قامشلو في “جمعة آزادي”، وذلك بأن داهمت المخابرات السياسيّة مقرّ المنظمة الآثوريّة الديمقراطيّة في قامشلو، واعتقلت 13 من قياداتها، وسلبت ونهبت كل موجودات المكتب، وأغلقته بالشمع الأحمر. ومفاد الرسالة هو: “إنكم تجاوزتم حدودكم في مشاركتكم الكرد في الحراك الوطني الديمقراطي الداعي للحرية والعدالة والديمقراطيّة. خندقكم مع السلطة، وليس مع الانتفاضة. وإلاّ، فالسحق هو مصيركم”. وبالتالي، النظام مرعوب من أن تخلق حالة من التعاضد والتلاحم الوطني النشط الساعي للديمقراطيّة في المناطق الكرديّة بين الكرد والسريان والآثوريين والعرب. لذا، دأب النظام على دقّ الآسافين بين مكوّنات الشعب السوري، وخلق حالة من عدم الثقة والخوف بينها. وهذا ما أطاحت به الانتفاضة السورية.
مقصد القول: إذا ما حقق النظام أهدافه في سحق الانتفاضة في درعا وحمص وباقي المدن الاخرى، فأن اللوم كل اللوم، يقع على الحركة السياسيّة الكرديّة والمدن الكرديّة في سورية، قبل أن يكون على حلب ودمشق. وإذا ما تحققت هذه الخشية، لا سمح الله، بالتأكيد، سيلتفّ النظام على الكرد السوريين، وسيكافئهم بالمزيد من القمع والانكار والتجاهل. وحتّى لو وصل النظام إلى ممارسة الجينوسايد ضدّ الكرد السوريين، وبقيت درعا وحمص وبانياس صامتة حيال ذلك، ليس من حقّ الكرد السوريين، وبخاصّة حركتهم السياسيّة أن تنبس ببنت شفة، لجهة اللوم والعتب الوطني على المدن العربيّة السوريّة، نتيجة المواقف المتراخية والمهادنة وبل المساومة مع نظام الرئيس السوري!.
الاحزاب الكرديّة في سورية، وبعد جهدٍ جهيد، أطلقت مشروعها للخروج من الأزمة في سورية، وإيجاد حلّ للقضيّة الكرديّة بشكل سلمي وديمقراطي عادل، وطوته على ثماني نقاط رئيسة. والحقّ أن هذا الانتفاق _ المشروع المشترك بين الاحزاب الكرديّة، لم يأتِ بجديد يختلف عمّا تضمّنته البيانات المشتركة أو الفرديّة التي أصدرتها الأحزاب الكرديّة سابقاً، لجهة الشجب والتنديد والمطالبة بكذا وكذا. وإذا كانت هنالك إيجابيّة واحدة في هذا البيان أو الاتفاق المشترك الذي طرحوه قبل أيّام في مدينة قامشلو، أمام حشد جماهيري، فهو أن عدد تواقيع الاحزاب الكرديّة عليه، يعدّ كبيراً. لكن البيان، لم يحدد سقفاً زمنيّاً، ينبغي للنظام فيه أن يستجيب لهذه المطالب!. ولم يحدد ردّة فعل الاحزاب الموقعّة عليه، في حال واصل النظام سحقه للمدن السوريّة الأخرى، وتجاهل بيان ومطالب الاحزاب الكرديّة!. ولم يجب البيان على سؤال جوهري وحقيقي مفاده: ما هي الاجراءات أو النشاطات الميدانيّة المرافعة لإطلاق هذا البيان المشترك، والتي تكفل إجبار النظام على الاستجابة للمطالب الواردة فيه!. عدم التفافة الاحزاب الموقّعة على ذلك البيان المشترك إلى النقاط الثلاث المذكورة، يجعل البيان كعدمه!. ويظهر مدى الاستهتار والتراخي والميوعة السياسيّة التي تكتنف الحال الكرديّة في سورية، مع شديد الأسف.
المواقف الدوليّة من النظام السوري، منوطة بتصاعد إيقاع الأداء الميداني للانتفاضة السورية واتساع رقعتها. وكل الظروف الدوليّة والإقليميّة والمحليّة، ناضجة لأن تجتاز سورية مخاض الجمهوريّة الثانيّة، والعبور إلى دولة المواطنة والمؤسسات والحقوق والحريّات. وإذا خرج النظام من هذا المأزق الوجودي الخطير سالماً، هذا يعني أن سورية دخلت إلى نفق مظلم، لنصف قرن آخر. وقتئذ، لن يكون من التجنّي القول للسوريين: “كما تكونون، يولّى عليكم”!.
كاتب كردي سوري
القدس العربي