مراقبون تحت المراقبة
عبد الوهاب بدرخان
قبل أسبوع بدأ فريق من المراقبين العرب مهمة شاقة، إن لم نقل يائسة، في سوريا، ويفترض بحسب الأمين العام للجامعة العربية أن يكون الأسبوع كافياً لتقييم التزام “وقف العنف”وفقاً للمبادرة العربية.
وهذا الهدف الذي جعل الجامعة تمنح دمشق مهلة طوال أكثر من شهرين، هو نفسه ما سيضطرها لمنح المراقبين أسبوعاً آخر أو أكثر. واستناداً إلى الأيام الأربعة الأولى يصعب القول إن وجود المراقبين أحدث أي تغيير في الوضع. فالقتل استمر بوتيرة عالية، كذلك المواجهات واستخدام القطعات العسكرية للقصف والترهيب. وفي مقابل فوج من المعتقلين قيل إنهم أطلقوا، كان هناك معتقلون جدد جرى إخفاؤهم مع القدامى في ثكن عسكرية يمنع “بروتوكول المراقبين” زيارتها.
ما هو معيار النجاح لمهمة المراقبين؟ بالنسبة إلى الجامعة، بل إلى الرأي العام العربي والعالمي أن يتوقف القتل، وبالنسبة إلى النظام السوري أن تقل التظاهرات يوماً بعد يوم إلى أن تتوقف نهائياً، وبالنسبة إلى الشعب السوري أن يتوقف القتل ليكون التظاهر السلمي حراً وأكثر حشداً وزخماً.
لذلك، لا يمكن تصوّر أي نجاح للمراقبين، لأنهم ليسوا قوات فصل انتدبتها الأمم المتحدة تحت البند السابع، ولا هم شهود عيان يرون أكثر مما تسمح به زياراتهم أو المواقع التي يزرعون فيها.
ثم إن عددهم القليل نسبة إلى المساحة الجغرافية التي يفترض أن يغطوها، لا يتيح لهم ضبط تحركات القوى الأمنية، وبالتالي فإنهم لن يضمنوا تقاريرهم إلا ما يتمكنون من رؤيته. ووفقاً لرواية النظام فإن عملهم يقتصر على التحقق من دون أن يتحول إلى تحقيق.
هناك من وصف سير مهمتهم بـ “المهزلة”، بسبب تحكم أجهزة السلطة السورية بتفاصيلها كافة، ولأن شباب الانتفاضة سرعان ما رصدوا أساليب الخداع التي اتبعها النظام لتقنين نشاطهم، ثم إنها مهمة بدأت “مضروبة” منذ انطلاقتها، إذ أن الجامعة لم تجد سوى مؤسس ميليشيا “الجنجاويد” – أي “شبيحة” دارفور – لترؤس أول فريق مراقبين عرب في أول مبادرة من هذا النوع في تاريخ الجامعة. والحكم ليس على الشخص وإنما على التجربة، فهو عسكري نظامي لا يمكن أن يرى غضاضة في أن تقمع قوى السلطة تظاهرة شعبية، كما أنه لم يتلق أي تثقيف في مجال حقوق الإنسان وكيف يجب على العسكريين أن يحترموها.
لابد أنه يعرف أن الجامعة تعرف خلفيته وبأي منظار يرى العالم والعلاقة بين السلطة والشعب، وقد يكون أكثر المتفاجئين باختياره للمهمة في سوريا، لكن، مع ذلك، فلندع الحكم على تقاريره يحسم في ما إذا كانت شهرته الحالية صحيحة أم خاطئة.
إذا كان المطلوب وقف القتل فمن الذي يقتل؟ ولماذا؟ أولى بوادر الانتفاضة الشعبية سُجّلت في قلب دمشق منتصف فبراير الماضي بتجمع عفوي صغير بعد إهانة رجل أمن لأحد المواطنين، وانتشر بعده أول شريط على “يوتيوب” بدفع أشخاص يهتفون “الشعب السوري ما بينذل”، وهو ما غدا بعدئذ عنواناً للانتفاضة. إذ تكرر بعد شهر مع أولى التظاهرات في درعا احتجاجاً على تعذيب الأطفال ثم على إهانة محافظ المدينة لوجهاء العشائر. منذ ذلك الوقت لم تتوقف الانتفاضة ولا توقف القتل الذي احتكرته السلطة، مع استثناءات فردية محدودة.
لكن، مع التوسع في استباحة المدن والبلدات، الحارات والمنازل والحرمات، راحت أعداد الجنود المنشقين عن الجيش تتزايد، خصوصاً بعد تصفية عديد من الضباط والجنود لرفضهم أوامر بقتل المواطنين. وما لبثت مطاردة المنشقين أن تتسبب بأكثر المواجهات شراسة وقذارة، ما استدعى سعي هؤلاء إلى الانتظام فيما يُسمى “الجيش السوري الحر” الذي أعلن مسؤوليته عن بعض العمليات.
غير أن عنف النظام فعل فعله أيضاً في دفع الانتفاضة إلى التعسكر، رغم أن عنفوانها وزخمها الرئيسي ظل يتمثل إلى اليوم بالتظاهرات السلمية العزلاء.
فيما وضعت الأسرة الدولية نشاط المراقبين تحت المراقبة، نظراً إلى الشكوك التي أثيرت، كانت الجبهة الوحيدة التي أبدت ارتياحها إلى “نتيجة” عملهم هي روسيا، وطبعاً لأسباب لا علاقة لها إلا بما يخدم سلبيتها في مجلس الأمن، فروسيا مثل النظام في سوريا غير معنية بوقف العنف، لأن الشعب السوري غير معني بوقف التظاهر بعد الكلفة الدموية الباهظة التي تكبّدها.
وفي أي حال، أياً يكن مضمون تقارير المراقبين، سيبقى السؤال الوحيد المطروح: هل توقف القتل، نعم أم لا؟ جاء إعلان “الجيش السوري الحر” تجميد عملياته بمثابة حافز للمراقبين على رؤية أكثر وضوحاً. الأكيد أن النظام يسعى إلى إبقاء المراقبين في لجة الغموض ليضمن أن تقييمهم سيكون ملتبساً بحيث لا تتمكن الجامعة العربية مع الاستناد إليه لإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، لكن الواقع على الأرض هو الذي يفضح الجميع.
الاتحاد