مسار الأزمة السورية ومآلها
فايز سارة *
تدخل الازمة السورية شهرها الرابع، وهي في أعلى مستوياتها. اذ هي تجاوزت مرحلة الاحتجاجات والتظاهرات المحدودة، التي بدأت بعشرات او مئات الاشخاص، لتتحول الى تظاهرات تضم عشرات آلاف الاشخاص، وقد تجاوزت ذلك في أكثر من مكان، وهي صارت أكثر انتشاراً، اذ كانت محدودة عندما بدأت في درعا وريفها وريف دمشق، فصارت حاضرة من درعا في الجنوب الى القامشلي في الشمال ومن البوكمال في الشرق الى اللاذقية وجبلة في الغرب، اضافة الى التسخين الحاد لحركة الاحتجاج في الوسط السوري في محافظات حمص وحماة وإدلب.
والاهم في مسار الازمة، ان تصاعدها لم يقتصر على حركة الاحتجاج بتعبيراتها، انما على تصاعد المعالجة الامنية، التي كرستها عمليات التصدي للمتظاهرين في معظم المناطق السورية، وقد راوحت بين اقصى درجات العمل على منع التظاهرات بكل الطرق والاساليب على نحو ما يتم في دمشق وحلب بصورة خاصة، وعمليات اطلاق الرصاص على التظاهرات وشن حملات الاعتقال ومطاردة النشطاء وصولاً الى حصــار بعض المــناطق واقتحامها بعد تظاهرات واسعة فيها بحجة وجود جماعات مسلحة فيها وقيامها بعمليات ضد القوى الامنية والجيش.
لقد رتبت تطورات الازمة مجموعة من الخسائر على سورية والسوريين، لعل الابرز فيها فاتورة الدم، التي من الصعب الجزم بحدودها، لكن القول بسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح وكثير من الاخيرين صاروا معاقين، ليس تقديراً مبالغاً فيه، ومعاناة السوريين وآلامهم الناتجة من تلك الاحداث ومجرياتها ستحتاج الى جهود كبيرة لحصرها وتقديرها، لكنها بالتأكيد كبيرة، وطيفها اصاب معظم السوريين، والآثار الاقتصادية للأزمة وتداعياتها كبيرة كما يقدر الخبراء الاقتصاديون، وأحد هذه التقديرات يقول ان البلاد تحتاج الى جهود خمس سنوات لتعود الى ما كان عليه الوضع عشية بدء الازمة في آذار (مارس) الماضي.
لقد تركت تطورات الازمة آثارها في مختلف الصعد، وهناك ما يتجاوز الخسائر السابقة، وهو وضع سورية امام منزلقات التطورات الاخطر، كما في ادخال السوريين بوابة الفوضى والصراعات الاهلية، وفتح بوابة التدخلات الخارجية في الازمة، وهذه الاحتمالات في تطور الازمة، ستلحق الضرر الكبير بسورية والسوريين لسنوات طويلة وربما لعقود، الامر الذي يتطلب حصار هذه الاحتمالات وإغلاق ابوابها بصورة محكمة، وفتح بوابات الخيارات الاقل خطراً، بل فتح بوابات المعالجة الجدية والآمنة للأزمة، والخروج بالبلاد وبالسوريين نحو آفاق جديدة.
ولــعل الــمدخــل الاساس في معالجة الازمة يكمن في الانتقال من سياق الحل الامني – العسكري للأزمة، والتي يجزم الكثير من المسؤولين السوريين بأنه لا يمثل خياراً نهائياً بمقـــدار ما هو علاج اسعافي وموقت الى اطار حل سياسي، ينـــطلق من احتياجات سورية الاساسية، والتـي تـــحوم حــولهــا فكرة الاصلاح التي يطرحها النظام، ومطالب التغيير من جانب المعارضة السياسية اضافة الى الجوهري في مطـــالب المحـتجين والمتظاهرين.
ولا نحتاج الى تأكيد القول ان المفصل الاساس في الانتقال السوري من الحل الامني – العسكري، يتمثل في وقف استعمال السلاح والعنف، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، ووقف حملات التحشيد والتجييش الجارية، وإفساح حيز للتظاهرات السلمية الآمنة والمحروسة من الامن، وفتح باب الحريات الاعلامية والسياسية، وهي خطوات من شأنها وقف تداعيات الازمة، ووضعها على بوابة علاج جدي وفعال.
ان طبيعة الازمة وتطورها واحتمالاتها الخطرة، تجعل الحاجة ملحّة للتوجه الى الحل السياسي بأسرع ما يمكن، الآن وقبل الغد، لأنه وطبقاً لمعاينة تطورات الازمة في سورية، فإن الكثير من الخطوات التي تم القيام بها جاءت متأخرة بحيث انها فقدت مبررات القيام بها، وبعضها لم يأخذ منحى جدياً في التطبيق، ولم يترك الأثر المأمول منه في معالجة الازمة. وبسبب ذلك، فإن المطلوب ليس فقط التوجة نحو حل سياسي للأزمة الراهنة، بل بالسرعة القصوى من جهة وبكل الجدية والمسؤولية، كي لا يصير الحل السياسي وراءنا، ولم يبق أمامنا سوى السير في النفق المظلم وصولاً الى الكارثة المحتمة.
* كاتب سوري
الحياة