مستقبل سوريا ومسؤولية المجتمع الدولي
فايز سارة
تتواصل اليوم أكثر من أي يوم مضى الأسئلة عن مستقبل سوريا، خاصة في ظل أمرين اثنين؛ أولهما داخلي أساسه استمرار وتصعيد الصراع العسكري والسياسي بين النظام ومعارضيه، وسعي كل منهما إلى مراكمة جهوده في مواجهة الآخر، والثاني وصول الجهود الدولية إلى نقطة عطالة في مساعيها من أجل إيجاد حل للوضع في سوريا، وهو الأمر الذي يختصره التوافق الدولي على المهمة المستحيلة التي يقوم بها المبعوث الدولي/ العربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي والمحكومة حسب أغلب التقديرات بالفشل على نحو ما آلت إليه جهود المبعوث السابق كوفي أنان.
وفي ظل المعطيات القائمة، فإن مستقبل سوريا مفتوح على مزيد من الصراع الداخلي، وهو صراع إذا استمر سيفاقم الأوضاع بطريقة مأساوية؛ إذ سيذهب باتجاهات جديدة ويعتمد أساليب وآليات مختلفة، إضافة إلى أنه سيتضاعف مرات كثيرة حجم الدمار والبالغة كلفته حاليا نحو 200 مليار دولار، وسيجعل حجم الضحايا البشرية البالغة حاليا أكثر من ثلاثة ملايين شخص موزعين بين قتلى وجرحى ومعتقلين ولاجئين أضعافا في فترة تماثل الفترة الماضية من عمر الأزمة، وهي تقديرات تستند إلى محصلة الأشهر الستة الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه محصلة السنة الأولى من عمر الأزمة.
غير أن الأهم في تداعيات استمرار صراع الداخل السوري، لا يكمن فيما سبقت الإشارة إليه فقط، إنما أيضا فيما سيؤول إليه الوضع السياسي السوري من تجذر الأزمة وتعميقها، الأمر الذي سيؤدي إلى توطين الأزمة لسنوات وربما عقود، وهو ما سيجعل معالجتها أكثر صعوبة بمرات مما هي عليه الصعوبات الحالية. وإذا أضيفت هذه الصعوبات إلى الخسائر المادية والبشرية، فإن الوضع سيكون بحجم كارثة إنسانية كبيرة، سوف تلقي بعبئها وأثقالها على العالم في المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
ولأن الوضع على هذا النحو من التطور الكارثي، فإن التقدم نحو معالجة الأزمة السورية، يكتسب أهمية كبيرة لأنه سيوفر خسائر مادية وبشرية كبيرة ومعاناة إنسانية تسببها استمرارية الأزمة، إضافة إلى توفيره جهودا سياسية ستبذل لحل الأزمة ومعالجة تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتخفيف من فاتورة تكاليفها المادية الكبيرة، والأساس في التقدم نحو معالجة الأزمة يكمن في تغيير زوايا الرؤية التي تتطلع من خلالها الأطراف كل إلى الأزمة السورية، وللدور الذي تقوم به القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في ظل غياب أي دور للقوى الداخلية في الأزمة السورية، التي إما أنها تعاني من عدم القدرة على التعامل مع خيارات متعددة، إضافة إلى فقدانها الحواس على نحو ما هو عليه وضع النظام، أو هي تعاني من حالة عجز عن إدارة الصراع ومراكمة نتائجه للوصول به إلى نهاياته كما في وضع المعارضة.
وإذا كان وضع الداخل السوري على نحو ما سبق، فإن على القوى الإقليمية والدولية ومؤسساتها تحمل عبء السعي نحو معالجة الأزمة، ولعل الخطوة الأولى في هذا المسار، تكمن في إقناع (أو إجبار) الأطراف الداخلية على الموافقة المسبقة على فكرة الحل، وإعلان رغبتها في الاستجابة لحل متوافق عليه، وتتضمن الخطوة الثانية وصول الأطراف الإقليمية والدولية إلى توافق على إطار للحل سواء كان التوافق عبر الأمم المتحدة ومن خلال مجلس الأمن الدولي أو من خارجهما، إذا تم ذلك على أساس قرار الأكثرية الإقليمية والدولية نتيجة عجز مجلس الأمن الوصول إلى قرار في مواجهة الفيتو الروسي – الصيني كما جرت العادة في الفترة الماضية.
إن مسارات الحل تبدو في واحد من ثلاثة؛ أولها حل سياسي. وعلى الرغم من أن فرصه تكاد تكون معدومة بفعل عوامل أغلبها داخلي سوري، فإنه ينبغي أن يظل بين الحلول المطروحة على نحو ما هي عليه جهود الأخضر الإبراهيمي، التي إن حازت موافقة سورية جدية وعلى دعم دولي حقيقي، يمكنها فتح باب لحل سياسي عبر مرحلة انتقالية لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر وعام، يمكن من خلالها تحقيق انتقال سلمي للسلطة والبدء في عملية تغيير شامل للنظام السياسي الحالي واستبداله بنظام جديد.
المسار الثاني في حلول الأزمة السورية، هو حل ممكن باحتمال أكثر من سابقه، يخلط بين محتويين عسكري – سياسي مستندا إلى قرارات لحل الأزمة، تصدر تحت البند السابع في مجلس الأمني الدولي، أو من جانب تجمع دولي قوي خارجها، بحيث يدفع مع أو من دون عمليات عسكرية محدودة الأطراف الداخلية إلى الانخراط في مسار تسوية سياسية، هي أقرب ما تكون إلى مسار الحل السياسي عبر مرحلة انتقالية، تنتهي بانتقال السلطة وتغيير النظام.
أما المسار الثالث في الحل فهو مسار الحل بالقوة العسكرية سواء عبر قرار من مجلس الأمن أو من خارجه، وهو الحل الأكثر احتمالا في ضوء معطيات أكدتها تطورات الأزمة، وقد تضمنت فشل كل المبادرات السياسية الهادفة لإيجاد حل لها. ويمثل هذا المسار خيارا صعبا للسوريين على وجه الخصوص بسبب ما يمكن أن يتركه من أكلاف بشرية ومادية ومن آثار وتداعيات على البلاد وسكانها وعلى طبيعة النظام السياسي ومؤسساته في المرحلة المقبلة، وكلها تجعله مسارا من الصعب تقبله.
إن مسارات حل الأزمة في سوريا، مرتبطة بما يمكن أن تقوم به الأطراف المعنية في المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وما يمكن أن تبذله من جهود لتجنب الأسوأ والأكثر تكلفة في الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية والدولية، وهي تكلفة ونتائج، لن يتحمل الشعب السوري وحده فاتورتها، إنما سيتحملها المجتمع الدولي، لأن الفاتورة ستكون أكبر بكثير من قدرات السوريين.
الشرق الأوسط