مسرحيات دمشق
عبدالرحمن الراشد
يحكى أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد رد على الرئيس الأميركي باراك أوباما، عندما طالبه بإعادة طائرة الاستطلاع التي سطا عليها الإيرانيون، قائلا: «لا أستطيع.. لقد هداها الله ودخلت الإسلام». وعلى الرغم من أنها من مزحات برامج المساء التلفزيونية الساخرة فإن السياسة الجادة صارت ساخرة أكثر من برامج الكوميديا. ففي اليوم الذي يفترض أن تصل فيه طلائع المراقبين العرب إلى دمشق، فجأة وقع انفجاران استهدفا أكثر الأماكن تحصينا، مركزين أمنيين، وخلال دقائق أعلنت السلطات أنها قبضت على المدبر، فكان ذلك أسرع عملية ضبط في تاريخ العمل الجنائي، وبعد الانفجار بعشرين دقيقة كانت توزع الصور على الجميع!
دمشق عاصمة الكوميديا والدراما؛ حيث ياسر العظمة ودريد لحام وجمال سليمان. وصارت دمشق أيضا عاصمة الكوميديا السياسية؛ فرئيس الوزراء الزعبي انتحر بثلاث رصاصات، اثنتين في الجدار وواحدة في الرأس، يعني لو كانت نملة ربما نصدقها. وصدقوني هذه كانت رواية الحكومة التي بثتها وكالة «سانا» الرسمية، وليست مزحة مثل تصريح نجاد. وبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري علقوا شريط اعتراف الانتحاري المزعوم أبو عدس على شجرة حتى تكتشفه وسائل الإعلام!
المجلس العسكري في مصر مسرحياته أفضل أداء قليلا من نظام دمشق. مع أن بعض المتظاهرين، الذين اتهموا بجريمة حرق المجمع العلمي، قالوا إنهم أحرقوه لأنه «فيه ناس بترمي طوب عليهم من سطحه»، إلا أن المجلس العسكري أيضا روى روايات إضافية ليؤكد براءته وهو لم يكن بحاجة إليها؛ فالصور كثيرة تدل على أن الفاعلين من صغار الشباب. يمكن أن أصدق رواية «في سيناء جماعات جهادية إرهابية»، لكن أستبعد رواية أن في 25 يناير (كانون الثاني) المقبل مؤامرة تدبر لإحداث فوضى، كما يقول المجلس؛ لأن البلد أصلا في حالة من الفوضى. ويستحيل أن أصدق مبررات العسكر والمحسوبين عليهم؛ ينكرون أنهم مَن ضرب البنت المتظاهرة في الشارع، قالوا إنها لقطات مزورة، وإن البنت متواطئة، بدليل عباءتها وملابسها الداخلية!
وعلى نفس مسرح اللامعقول، لم أصدق أن الرئيس الأميركي فعلا طلب من الإيرانيين أن يعيدوا طائرة الاستطلاع الأميركية التي استولوا عليها. كيف يتوقع أوباما أن يسلموه الطائرة التي تتجسس عليهم؟ لو قال مثل هذا الكلام الرئيس السابق جورج بوش لقالوا إنه بليد في الجغرافيا، لا يفرق بين كندا وإيران!
طبعا، الإيرانيون ليسوا أقل رداءة من أصدقائهم السوريين في حبك الروايات التي تثير السخرية، فقد قالوا إنهم أسقطوا الطائرة وهي تحلق في أجوائهم، ونحن لم نشاهد في حياتنا، منذ اختراع الطائرة، واحدة أسقطت وعثر عليها سليمة، الطائرات التي تسقط عادة يبقى منها ذيل أو عجلة، وهذه تبدو ألوانها تلمع زاهية بكامل تفاصيلها، بلا خدش واحد. الأكيد أنها لم تسقط كما قيل، بل ربما تم إجبارها على الهبوط بتغيير أنظمة التوجيه، أو أنهم استولوا عليها من مكان قريب حطت فيه.
أما لماذا هذه المسرحيات؟ فالسبب أن الجميع يريد التأثير على الناس وكسبهم إلى صفه، ولم تعد البيانات الصامتة تكفي؛ لهذا لا بد من تزوير الصور وإعداد مسرحيات، مثل تفجير سيارة وتصوير الدمار والقتلى، إنما الصور بلا مصداقية لا يمكن أن تصدق.
الشرق الأوسط