مشاعر البرامسيوم: ناهد بدوية
ناهد بدوية
يحاول الجميع الضغط على الشعب السوري كي يختار بشار الأسد بدلا من الموت. وأنا أيضا أحيانا أفكر في ذلك: فيليبقى لما لا؟ أليس أفضل من استمرار التدمير والموت؟ وذلك عندما تهاجمني بشدة مشاعر البراميسيوم.
البراميسيوم حيوان وحيد الخلية لديه غريزة واحدة وهي غريزة البقاء لذلك لديه مشاعر وحيدة وهي الخوف عند الخطرالشديد وردة فعل وحيدة حين يتعرض لخطر الموت أن ينكفأ ويقطع علاقته مع العالم الخارجي.
الحقيقة أن النظام نجح منذ البداية في استثارة مشاعر البرامسيوم عند السوريين..نجح منذ أول يوم في استثارتها عند الطائفة العلوية ومن ثم عند الأقليات عموما والآن عند جميع السوريين.. لقد عمل على مراحل وعلى نحو منظم لكي يحصل على كل هذه النتائج الباهرة.
أول مشهد دم رأيته كان في أول شهر من الثورة في يد مهندس علوي طيب جدا .فتح فيديو، كان يوزعه النظام، على موبايله رأيت فيه سلفي يقطع رأس علوي ويمسك الرأس بيده والدم يقطر منه وعندما نظرت إلى وجه المهندس رأيت ذلك الرعب الرهيب الذي لم أشهده من قبل. وبعدها المسرحيات السيئة الاخراج في مناطق تجمع الطوائف المتنوعة في حي المزة 86 وجرمانا والدويلعة وباب توما..الخ والآن كل هذه المجازر والحرق والتمثيل بالجثث والاغتصاب وأكل لحوم البشر.
قال لي صديقي من أسرة علوية في بداية الثورة: أهلي يعرفون انها مسرحيات كاذبة تهدف إلى إخافتهم وعندما سألته وماهي النتيجة؟ قال يخافون فعلا. إذ لا يخفى على أحد أن المشاهد المتوحشة تستثير الخوف بغض النظر عن الفاعل.. ويمكننا أن نلاحظ أنه لم يكن من المهم أن نعرف الشخص الذي مضغ القلب البشري لأي جهة ينتمي.. لأن المشاعر التي استثارها هي الخوف من القادم. الخوف ثم الخوف ثم الخوف والنتيجة كانت الارتداد من الحالة الانسانية الى الحالة العضوية الأولى الى مشاعر البراميسيوم.
ولكن السؤال هنا هو كيف نجح إعلامه في ذلك رغم غباء إعلام الديكتاتوريات المعروف؟ وكيف أصبح العالم كله يسلك سلوكه؟
أعتقد أن هذا الإعلام الغبي دعم بإعلام ذكي جدا، وهو الاعلام الغربي. الأوروبيون الطيبون أيضا استثير شعور البراميسيوم عندهم. عملت الشركات والوزارات والشبكات والمافيات الداعمة لاسرائيل وخاصة الإعلام الغربي على استثارة هذا الشعور عندهم، عبر الخوف من الإرهاب واستثارة الاسلام فوبيا للدفاع عن صديقهم الديكتاتور. لقد رأيت في عيون بعض الأوربيين رعبا وخوفا من الارهاب مصنوعا بتقنية عالية. وهكذا يمكن أن نفهم كيف يمكن للشعوب التي أنتجت اتفاقية جنيف لحقوق الانسان.. وتربت على هذه القيم في المدارس أن تشل وتصمت ولا تخرج إلى الشوارع احتجاجا على المجازر المتوحشة التي يرتكبها النظام السوري؟ لا بل الأنكى من ذلك أنها تطالب الآن ببقاء الجزار!!!
في النهاية ليس من المبالغة بشيء أن نقول أن الثورة السورية هي ثورة على هذا الارتداد الى الحالة العضوية الأولى تحت وطأة الخوف. ثورةعلى هذا الانحطاط الى مشاعر البرامسيوم الذي عمل عليه النظام خلال الأربعين سنة الماضية. الشعب السوري الحر بثورته قاوم هذا التدهور البشري.. ولاعجب من مقاومة العالم كله ضد هذه الثورة التي كشفت أيضاعن عورات العالم كله بدون استثناء، وذلك لأن انتصار ثورته سوف يساهم مع الشعوب الحرة الأخرى في صياغة عالم إنساني جديد، يعيد الاعتبار مرة أخرى للمشاعر الانسانية العليا التي قامت كل ثورات العالم عبر التاريخ من أجلها.
خاص – صفحات سورية –