مصر من دون ثورة/ حـازم صـاغيـّة
تتزامن الذكرى الرابعة لقيام الثورة المصريّة مع تبرئة علاء وجمال مبارك، نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك، وإطلاق سراحهما.
والأمر يتعدّى المباركَين النجلين إلى المبارك الأب وسائر رموز عهده ممّن يتوزّعون بين من أُطلق سراحه ومن سوف يُطلق قريباً.
وسلوكٌ سياسيّ كهذا تسلكه السلطة العسكريّة ورئيسها عبد الفتّاح السيسي آخر الأدلّة وأبرزها على الاعتذار عن ثورة 25 يناير، بعد تسريح شبّان الميادين.
واقع الحال أنّ ذاك الاعتذار وسلطته ما كان لهما أن يكونا لولا تطوّرات ثلاثة كبرى يتعلّق كلّ واحد منها بشطر من أشطار المجتمع المصريّ:
فشبّان الميادين، بوصفهم المعبّرين عن الفئات الوسطى الحديثة والمدينيّة، أبدوا قدرة مؤكّدة على إطاحة النظام القديم، إلاّ أنّهم بدوا، بفعل ضعفهم وبعثرتهم، عاجزين عن إقامة نظام جديد وإطلاقه.
أمّا الإخوان المسلمون، وبعدما انتخب مرشّحهم محمّد مرسي رئيساً للجمهوريّة، فمدّوا التفويض الشعبيّ الذي حصلوا عليه إلى حدود قصوى، مبالغين في امتحان قدرة المجتمع ومؤسّساته على التحمّل والتكيّف.
وبدوره، وردّاً على التمادي الإخوانيّ، نمّ المزاج النخبويّ بمعناه الأعرض (الثقافيّ، الاقتصاديّ، المهنيّ، القبطيّ…) عن ضعف واضح يسم حساسيّته الديمقراطيّة. فأصحاب المزاج هذا لم يتردّدوا في تفضيل الانقلاب العسكريّ ووقف المسيرة الديمقراطيّة على تحمّل التمادي الإخوانيّ.
فوذا أضفنا إلى هذه العناصر الثلاثة دور الجيش الذي ينتظر لحظة التعادل الشالّ بين القوى السياسيّة والاجتماعيّة كي ينقضّ على السلطة، انتهينا إلى الخلاصة التي انتهينا إليها.
والحال أنّ الجيش في مصر يملك من الامتيازات الاقتصاديّة ما لا يملكه معظم جيوش العالم، وطبيعيٌّ أن يتخوّف من إخضاع امتيازاته ومصالحه لرقابة تمارسها سلطة مدنيّة منتخَبة.
ثمّ إنّ الجيش، وبسبب معاهدة كامب ديفيد المصريّة –الإسرائيليّة، وما يترتّب عليها من دعم ماليّ أميركيّ ومن إجراءات تنسيق استراتيجيّ – أمنيّ، صاحب قول في السياسات الخارجيّة يصعب أن يتنازل عنه لأيّ كان.
وأهمّ من هذا وذاك أنّ الجيش المصريّ هو مكمن الاستقرار والديمومة لـ”شرعيّة” انقلاب 23 يوليو 1952، والذي ترتّب عليه صدور جميع رؤساء الجمهوريّة المصريّين (محمّد نجيب، جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك) عن المؤسّسة العسكريّة.
في هذا المعنى، يمكن اختصار ما حصل بأنّه فشل ذريع في إحلال شرعيّة شعبيّة وديمقراطيّة محلّ “شرعيّة” يوليو العسكريّة المتواصلة، على رغم خلافات غير بسيطة في السياسات الخارجيّة والاقتصاديّة بين رئيس وآخر من رؤساء يوليو.
وهذا الفشل إذا كان يحبط الرغبة العارمة التي دفعت بعض شبّان مصر وشابّاتها إلى الميادين، فإنّ موقع البلد المذكور وثقله يجعلان الإحباط عربيّاً أيضاً.
موقع لبنان ناو