معارضون سوريون “للأبد”/ باسل العودات
أعاد معارضون سوريون قبل أيام انتخاب الهيئة الرئاسية والهيئة السياسية لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية بدون تغيير، ويعتبر الائتلاف ـ نظرياً ومجازاً ـ صوت الثورة والثوار، ويُفترض أنه يُمثل السوريين بتنوعهم واختلافاتهم، وهذه الانتخابات تطرح بقوة إشكالية لا يمكن تجاوزها تتلخص في إعادة قيادة الائتلاف استنساخ الكثير من خصال النظام الذي يريد الشعب السوري إسقاطه واستبداله.
غالبية قادة الائتلاف، وللأمانة غالبية قادة بقية الكتل السورية المعارضة، هم نفس الأشخاص ونفس الوجوه، تتكرر منذ أربع سنوات بشكل متواتر مُمل تلقائي، وتتمسك بالمنصب أو الموقع رافضة أي تغيير، وللأمانة أيضاً، كثير من هذه القيادات يعتبرون أنفسهم روح الثورة وملهميها، مُنظريها وحُماتها، وكأن سورية خلت ممن يمكن أن يكون بديلاً عنهم.
لحقت بغالبية قادة المعارضة السورية المتمسكين بالمنصب تهم فساد، أو تُهم بالارتهان للخارج، وقد دفعوا السوريين لحمل السلاح رداً على عنف السلطة، وباعوا وهم الدعم الأمريكي القادم، وانفصلوا عن الواقع كما النظام، وقدّموا لشخوصهم أضعاف أضعاف ما قدّموا للشعب السوري المنكوب.
مرت أربع سنوات ونيُف ومازال الشعب السوري يرى نفس وجوه المعارضة على وسائل الإعلام، ونفس الوجوه في الاجتماعات والمؤتمرات والزيارات واللقاءات، ويراها نفسها ـ ربما مع بعض التعديل الطفيف ـ في المحافل العربية والدولية.
نفس وجوه المعارضة السورية، التي يمكن الجزم بأن السوري قد ملّ منها، تتشاجر مع بعضها وتختلف على الكبائر والصغائر، تُشهّر ببعضها بالسر وخلف الكواليس، وتزاود على بعضها وتُكابر، ثم تتفق بالنهاية على شيء أساسي، وهو ضرورة بقائها بـ (السلطة) وبأعلى مراتبها.
بعيد انطلاق الثورة السورية عفوياً قبل نحو أربع سنوات ونصف، وتلبية لدعوات محلية ومن ثم عربية ودولية، سعى معارضون سوريون لتشكيل تكتلات سياسية معارضة تكون واجهة سياسية للثورة، وحاملاً لهمومها وأهدافها، وقائداً للحراك الثوري السلمي لتحقيق أحلامه في الحرية والعدالة والديمقراطية وتداول السلطة، ولتكون هذه التكتلات جسراً للانتقال لدولة المؤسسات والمواطنة.
وبعيد الثورة، تم تشكيل المجلس الوطني السوري المعارض، وتم قبله بقليل تشكيل هيئة التنسيق، ومن ثم تم تشكيل مجموعة من التيارات الأصغر، كالمجلس الوطني الكردي، ولجان التنسيق المحلية، والهيئة العامة للثورة وغيرها الكثير، وقد اندمج الأصغر بالأكبر أو مع من أمّن له تمثيلاً مناسباً، ثم تم تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كبديل للمجلس الوطني، وسيُطفئ شمعته الثالثة بعد ثلاثة أشهر منذ أن أُعلن عنه واعترفت به دول أصدقاء الشعب السوري.
تتجاهل المعارضة السورية أن الشعب السوري انتفض ضد حكم الفرد الواحد والفريق الواحد، وليُنهي وهم (إلى الأبد) لدى السلطة، وليلغي تغوّل الأجهزة الأمنية وسيطرتها على كل صغيرة وكبيرة في الدولة والمجتمع، وليقضي على الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، وليستبدل نظاماً شمولياً واحداً بنظام تداولي تعددي.
فشلت غالبية شخوص ائتلاف المعارضة السورية في عشرات الاختبارات إن لم يكن أكثر، لكن أحداً منهم لم يعترف بذلك، ولم يُفكّر ولو لوهلة بضرورة وبديهية أن يتخلى لغيره عن قيادة المعارضة، أو أن يترك المكان لغيره ليرسم سياسات مختلفة، أو أن يدع الآخرين يفتحون الأفق الذي ساهموا هم أنفسهم بإغلاقه بفرديتهم وتضخّم (الأنا) لديهم ورغبتهم بأن يستمروا (للأبد).
فشل غالبية هؤلاء في بناء علاقات دولية سليمة، كما فشلوا في تشكيل مؤسسات رشيدة، وفي إصلاح الائتلاف أو تغيير أنظمته، وفشلوا إعلامياً وتعبوياً، وساهموا في وجود فوضى إغاثية وإدارية وإعلامية، ولم ينجح أي منهم بأن يكون صورة للقائد الثوري المعارض الرمز الذي يمكن أن يسير وراءه شعب، ومع هذا لم يُفكّر أياً منهم بترك المكان لآخر.
هذه الإخفاقات التي لا يُمكن أن تُنكر، والفردية التي لا تخفى لدى غالبية شخوص المعارضة السورية، والنتائج السيئة التي وصلت إلى ساحة المعارضة السياسية السورية، وإعادة إنتاج نفس التركيبات ونفس الشخوص ونفس الأمراض، تقودنا إلى احتمالين أو تفسيرين ربما لا ثالث لهما:
التفسير الأول يشير إلى أن شخوص قيادة المعارضة هم أبناء لنفس مدرسة النظام، في محاولتهم التمسك بالكرسي، وتضخم الذات، ورفض تداول السلطة، وبالتالي فإن هذه الشخوص سترفض النظام الديمقراطي وقوانينه في سورية الجديدة المأمولة، وستسعى للاستئثار بالمنصب، وستعيد إنتاج نفس النظام الشمولي التسلطي الفاسد، وبالتالي على السوريين إسقاطهم بالتوازي مع إسقاط النظام.
التفسير الثاني يشير إلى أن الائتلاف (كمؤسسة) يخشى من إخلال التوازن بين نفوذ الحلفاء داخل قيادته، بحجة أنه نتاج لتوازنات إقليمية ودولية، ولهذا السبب أبقى الشخوص نفسها، أو غالبيتها، لكن هذا التفسير سيؤكد بدوره الشكوك حول عدم استقلالية الائتلاف في قراراته وفقدانه قراره المستقل، وبالتالي يمكن اعتبار هذا التفسير عذر أقبح من ذنب.
المدن