معركة الجنوب السوري –مجموعة مقالات-
مناورة إيران في الجولان/ غازي دحمان
ليس هدف نظام الاسد، وحلفائه الإيرانيين وحزب الله، إستعادة السيطرة على كامل الجنوب السوري، فلا الوقت يسمح بإنجاز مثل هذه المهمّة، ولا الإمكانيات المتوفرة تضمن تحقيقها، ولا حتى الحلف نفسه ذهب بطموحه إلى تلك الحدود، وإن كانت البروبوغندا المصاحبة تستمر ببيع الأوهام لجمهور باتت الهواجس تحاصره وصار يسأل عن أثمان الضحايا التي يتولى بشار الاسد وصديقه حسن نصر الله صرفها في ثقب أسود لا يبدو انّ ثمة قرارا له.
بضعة قرى صغيرة على أطراف سهل حوران الشمالي وبضعة تلال متناثرة هي تخوم عملية «حسم» ما يسمى حلف»المقاومة» وتلك آخر مآلاتها، فهم يستثمرون في الصدمة التي حقّقوها على جبهة الطرف الآخر، وكانت ثمة مراهنة كبيرة على تصدع الجبهات وتداعيها، ولكن وبما أن الثوار امتصوا الصدمة بأقل قدر من الخسائر وبما أن الكتائب العاملة في تلك المنطقة تمتاز بالتنظيم والصبر الإستراتيجي، فالامور ذاهبة إلى حالة من التوازن في المرحلة القادمة مع تقدير حصول بعض الإختراقات هنا وهناك، على ذلك، فإن ما تم تحقيقه في بواكير حملة» الحسم» سيتطلب فيما بعد عبء القدرة على إستمرار حمايته، وهو عبء في هذه اللحظة من تاريخ الثورة على نظام الأسد كبير، ذلك أن النظام كان قد خسر في مرحلة سابقة البنية التحتية اللازمة لتكريس سيطرته، فلا أنساق دفاعية ثابتة ومترسّخة بعد تدميرها من قبل الثوار، ولا طرق إمداد محمية، فضلا عن كونه بات يعمل في بيئة معادية ستتعاطى معه على الدوام بوصفه قوة إحتلال. إضافة لذلك لم يعد يملك الحلف رصيدا كبيرا من المقاتلين حتى يجمّده في قطاع قتالي واحد فيما جبهاته في حلب ودير الزور وأرياف حماة وحمص والقلمون تنذر بمخاطر إستراتيجية كبيرة، ودع عنك كل ما يقال عن خبرات يجري بناؤها في هذه الحروب، الواقع أن الحرب حصدت كل الخبرات القديمة للعناصر الإيرانية، بما فيها ذراعه حزب الله، ثم ان تكتيكات الثوار المتغيرة دائما تلغي كل تراكم قد يحصل ما بين معركة وأخرى.
ثمة أهداف تكتيكية باتت معروفة للجميع تهدف عملية الحسم إلى تحقيقها وأهمها:
تأمين العاصمة دمشق من جبهتي درعا والقنيطرة، وهنا لا بد من الإنتباه إلى أن العملية لم تحصل إلا بعد إعلان «الجيش الاول» في الجيش الحر عملية تحرير مجموعة من القرى التي تطوّق الصنمين وإزرع وهما تشكلان آخر خطوط الدفاع عن دمشق من جهة درعا وكان سقوطهما يعني أن العاصمة صارت تحت نيران الثوار، والعملية من الناحية التكتيكية محاولة لترميم الفرقة التاسعة آخر معاقل النظام الكبيرة في حوران.
الهدف الثاني قطع عملية التواصل مع قرى سفح جبل الشيخ الشرقية، جباثا الخشب بيت ساير وكفرحور وبيت جن ودربل، وهذه القرى ترتبط بمنطقة العرقوب بطرق جبلية سهلة العبور ويتخوف حزب الله من نقل الثوار المعارك الى مناطقه من أجل دفعه الى الإنكفاء عن الجبهات السورية، وتشكل دير العدس منطقة وصل لهذه القرى مع سهل حوران.
قطع طرق إمداد الثوار باتجاه الغوطة الغربية « خان الشيح داريا» وتقع دير ماكر كنقطة وصل بين ريف حوران الشمالي وريف دمشق الغربي.
تأمين خطوط إمداد إلى اللواء 90 في منطقة الكوم في ريف القنيطرة الشمالي، وهو آخر أكبر القطع العسكرية المتبقية في المنطقة، وبحسب معلومات الثوار هناك بات اللواء مقرا أساسيا لتخطيط قيادات الحرس الثوري الإيراني و» حزب الله» وقيادات من النظام وخبراء روس.
غير أنّ هذه الأهداف التكتيكية إنطوت على هدف إستراتيجي مخفي، ذلك أن إفتراض تحقيق خارطة الأهداف التكتيكية سيؤدي بشكل اوتوماتيكي الى هدف إستراتيجي أكبر، وهو أهم أهداف قاسم سليماني من وراء هذه العملية التي تبنّاها شخصيّاً من خلال التخطيط وجمع الموارد وإقناع القيادة في طهران بجدواها إستراتيجياً، ويتمثل هذا الهدف بإعادة تنظيم وضبط الحدود مع إسرائيل وإعادة إنتظامها ضمن قواعد الإشتباك التي رعاها نظام الأسد طوال عقود، ومن أن إسرائيل فاضلت بين الخيارات ورأت في العملية خدمة مزدوجة، فهي من ناحية لم ترتح قط لوجود جيل جديد من الإداريين لمناطق الحدود في الوقت الذي لا تزال لا تعرف الكثير عن توجهاتهم وكيف يفكرون، كما أنه وحسب إستراتيجيتها تجاه الصراع فإنّ هذا الإنخراط الجديد لإيران وأذرعها في المنطقة يمثل رافداً إستنزافياً جديداً سيؤدي إلى إضعاف « حزب الله» الذي ترى إسرائيل أن قوته تتأكل بشكل إنحداري رهيب.
على ذلك، فإيران معنية بالرسائل السياسية التي تتضمنها خطوتها بالهجوم على حوران- القنيطرة، أكثر مما هي معنية بتغيير الوقائع على الأرض بشكل كبير وتوسيع بيكار هجومها، لماذا؟، تعرف طهران من خلال وسائل عديدة أنّ منطقة حوران باتت تنطوي على بنية قتالية مترسخة يصعب تفكيكها كما يصعب إنتزاعها، وهي على مساحتها الضيقة تحتوي على عديد من المقاتلين يبلغ حدود الثلاثين ألف مقاتل، كما تدرك أن هذه الهيكلية تعمل بإشراف غرفة «الموك» في الأردن والتي تشرف عليها الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وبالتالي فإن هذا القطاع يغدو حصة أميركا في الثورة السورية، وبالتالي فهو أصبح جزءاً من قواعد الإشتباك في المنطقة، صحيح أن عمليّة «الحسم» التي قامت بها إيران وأتباعها طاولت بعض قرى حوران، لكن هذه القرى تقع على خط التماس وليست قواعد ثابتة للثوار، إضافة إلا أنها لا تشكل خطرا على بنية الثوار وهيكليتهم في تلك المنطقة، وتاليا فإن إيران تعرف سلفا حدود اللعبة.
من هنا يبدو الهدف السياسي أكثر الأهداف وضوحا حتى اللحظة، بمعنى ان إيران تحاول تقديم نفسها بدور جديد في المنطقة وهو الضامن للأمن والإستقرار، وقد كان الرئيس الإيراني حسن روحاني واضحاً في خطابه الأخير عندما قال ان إيران هي الطرف الوحيد في المنطقة الذي يستطيع حفظ الأمن والسلام، مشيرا الى دور بلاده في العراق وسوريا واليمن.
هي مجرد مناورة تقوم بها إيران، من ناحية لتختبر إتجاهات التطورات في المنطقة ولكن عبر حاسة اللمس هذه المرّة، ومن ناحية أخرى نزولا عند تقديراتها أن العالم في هذه اللحظة من الفوضى بات بحاجة الى قوة ضامنة ورأس واضح يوكله هذه المهام، وتلك صنعة إيران حرفتها التاريخية.
المستقبل
قاسم سليماني ينهي “سورية الأسد”/ عمر قدور
كان مخططاً للأسطورة أن تكتمل، فقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يبدو كأنه للتو أنهى انقلابه بواسطة حوثيي اليمن، وأخبار الإدارة الأميركية تشير إلى قرب الحملة البرية على داعش، الأمر الذي لا بد أنه استلزم تنسيقاً وتفاهماً مع الحرس الثوري الذي يقود المعارك في العراق. الانقلاب على التوازن اللبناني الهش مُحضّر له سلفاً بانتظار حسم الجبهة السورية. في الواقع، كل المعطيات تدفع بسليماني كي يأتي بنفسه إلى الجبهة الجنوبية في سورية ويقود الانتصار النهائي، لا يهم إن كان بحضوره العلني سيجهز على ما تبقى من مفاخرة فارغة للنظام السوري بقدرته الذاتية على الصمود، بل ربما هي مناسبة أيضاً لإفهامه بصرامة أن مكانته لم تعد تصل إلى مرتبة الحليف.
حضور سليماني في جبهة حوران احتفى به موالو النظام بلا أدنى حرج، هم الذين احتفلوا سابقاً بانتصارات حزب الله في القصير ويبرود، أي أنهم كانوا يعترفون صراحة بالتدخل الإيراني وبعدم قدرة نظامهم على البقاء من دونه. عملياً، يجوز القول إن موالي النظام يقرّون ضمناً بأنهم فقدوا احتكارهم «سورية الأسد»، وأن رهانهم اقتصر منذ زمن طويل على ألا تكون لسوريين آخرين. من جهة المعارضة والكتائب المقاتلة، كان معلوماً منذ زمن طويل التدخل الإيراني في أدق الشؤون السورية، ولعل المناسبة التي ظهر فيها ذلك إلى العلن هي انسحاب المقاتلين من حمـــص القديمة بضــمانة إيرانية، وليس سراً حضور ممثلي الحرس الثوري مفاوضات أخرى بين ممثلي بعض الفصائل المعارضة والنظام لإبرام هدن محلية، وحتى مطالبة تلك الفصائل بالحضور الإيراني وضمانته أي اتفاق محتمل.
إذاً، من كافة النواحي، حضور سليماني شخصياً تتويج لسنوات من الانخراط الإيراني في سورية، لكنه في الوقت نفسه لفتة ذات دلالة معنوية كبيرة لجهة الإعلان عن القيادة الإيرانية المباشرة، والدفع بالنظام علناً إلى الصفوف الخلفية. وأن ترى المعارضة في ذلك تدشيناً لحقبة «الاحتلال الإيراني» المعلن، فهذا ينبغي ألا يتوقف عند التغيير اللفظي، لأن انتهاء مفاعيل «سورية الأسد» يعني تغيير قواعد اللعبة السياسية المتبعة حتى الآن، ومن ذلك تغيير قواعد الحديث عن الحل السياسي.
لا يجوز مثلاً على هذا الصعيد أن تبقى المعارضة على موقفها من أن إيران هي جزء من المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، في الوقت الذي تقبل فيه بالتفاوض مع النظام، فالأقرب إلى الواقع هو ما فعله بعض الفصائل باشتراط حضور ممثلي إيران في المفاوضات، ولعل الأشد قرباً إلى الواقع أن تعلن المعارضة قبولها بالتفاوض مع إيران مباشرة، وبأصالة الأخيرة عن وكلائها في سورية، وحينها لا يوجد مبرر فعلي حتى لحضور ممثلين عن النظام.
لا بأس في استغلال الوجود الإيراني، المكشوف أخيراً في معركتي حوران وحلب، لإعلان سورية بلداً تحت الاحتلال الإيراني، والسعي في المنابر الدولية لتكريس هذا الفهم لأنه يتضمن سحب الشرعية من النظام، ولا يقرر واقعاً جديداً من حيث أن الحل السياسي، إذا كان ثمة حل سياسي حقاً، سيكون بالتفاوض مع نظام الوصاية الإيراني. لقد بذل معارضو نظام الوصاية السوري في لبنان جهوداً حثيثة من أجل استصدار القرار الدولي 1559، القاضي بانسحاب قواته من لبنان، وهي تجربة جديرة بالدراسة على رغم عدم نجاحها التام.
مع ذلك ثمة فخ قد تنزلق إليه المعارضة بسهولة، فغطاء الاحتلال يوفر ذريعة للتنصل من المسؤوليات الذاتية، لأنه وهو يعفي النظام من مسؤولية التحكم بالقرار يوحي بتحول القضية السورية برمتها إلى مسألة خارجية، ويختزل الصراع في الميدان بشقه العسكري. أن تتحول المعارضة، في أحسن حالاتها، إلى حركة تحرر وطني أمر لا يبشّر بخروجها من واقــعها المتردي الحالي، إذ يعكس فعلياً العودة عشرات الســـنين إلى الوراء، إلى مرحلة يُفترض أنها انقضت من التاريخ السوري. فوق هذا، يُفترض أن حكم البعث هو واحد من الاستطالات البائسة لتلك المرحلة.
واحدة من أهم المشكلات الذاتية التي يجب ألا يطغى عليها الاحتلال هي نظر جزء من السوريين إلى الثورة بوصفها حرباً أهلية، بناء على تلك الرؤية كانت مواجهة الثورة وإفشالها قضية وجود، وكان بعض المذابح «بما فيها المذابح ذات الطابع الطائفي» سلاحاً مشروعاً في الحرب. دخول الميليشيات الشيعية بقيادة الحرس الثوري هو نتيجة توصيف أولئك لما يجري بالحرب الأهلية، حيث من النموذجي في مثل هذه الصراعات أن تنفرد مجموعة من السكان بسياسة وتحالفات خارجية خاصة بها ومنافية لمصالح المتضررين من تحالفها. هكذا أيضاً يُقرأ ترحيب قسم من موالي النظام بمجيء قاسم سليماني، وهكذا تُقرأ دعوات قسم آخر إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المناطق الثائرة. لذا، لا أمل في دور إيجابي يؤديه الاحتلال الإيراني بتوحيد ما تفرق من السوريين، على العكس سيكون الافتراق بينهم أمضى كلما تقدم الإيراني إلى الواجهة.
المشكلة التي لا تقل «ضراوة» على الصعيد المفهومي أن تتراجع قضية الحرية لمصلحة قضية التحرر، ولم يكن مصادفة أبداً أن يتحول سلوك النظام منذ مستهل الثورة إلى نهج أشبه بقوات الاحتلال، بينما يحاول تقمص دور الوطني الذي يتصدى لمؤامرة خارجية، فالأساس هنا في دفع مطلب الحرية إلى الوراء ودفع طالبيها إلى مرتبة أدنى تكاد تتوقف على التخلص منه. ثم إن دفع قضية الحرية إلى الوراء يجرّدها من أولوية حقوق المواطنة والحقوق الفردية، ويغلّب عليها العصبيات الاجتماعية الأهلية فيحطم فكرة المواطنة والدولة معاً. الاحتلال الإيراني قد يكمل إنهاء الثورة إذا لم تتجشم عناء كونها حركة تحرر وثورة في آن واحد، مع خفض سقف التوقعات من الآخرين والقول بأنها تفعل هذا لنفسها ولجمهورها أولاً.
لقد تآكلت «سورية الأسد» بفعل نقيضين هما الثورة والاحتلال، بقي ألا تتآكل الثورة بفعل الصراع مع المحتل، وألا تنتظر عوناً خارجياً ضخماً لن يأتي الآن، فالظروف الدولية والإقليمية الحالية لا تؤشّر إلى مواجهة المد الإيراني المتفاقم، لكن ذلك لا يمنع وجود قوى عديدة لا تريد عودة قاسم سليماني إلى طهران ظافراً.
الحياة
معركة درعا والقنيطرة/ سلامة كيلة
ربما يتضّح، الآن، من يقاتل الشعب السوري، حيث تعلن السلطة السورية أن من يقاتل في المعركة الدائرة في درعا حزب الله والحرس الثوري الإيراني، بقيادة قاسم سليماني. وكان حزب الله قد أعلن أنه الذي خاض معركة القصير، ثم شاركت قواته، ومليشيا طائفية عراقية ومليشيات أخرى طائفية من أفغانستان وباكستان واليمن، والحرس الثوري، في كل المعارك، ولم يكن يعلن ذلك، على الرغم من القتلى ونعي الحزب لهم، والفيديوهات التي توضح مشاركتهم وقتل بعضهم.
الآن، يظهر أن من يخوض الحرب ضد الثورة في سورية إيران وأدواتها الطائفية. كانت قطاعات للجيش من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري تشارك في معارك سابقة، وكان ذلك يشير إلى أن ضعف الوضع العسكري للسلطة، وعدم قدرته على حمايتها وضمان استمرارها. نلمس، الآن، أن الوضع العسكري للسلطة بات أسوأ، حيث باتت قوى خارجية تدافع عن السلطة، وتحاول ضمان استمرارها. إذن، باتت المعركة مع إيران وأدواتها الطائفية، هذا هو مختصر الوضع السوري بعد أربع سنوات من الثورة.
قاتلت السلطة الشعب بالفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والشبيحة والأجهزة الأمنية، منذ بدء الثورة، وحاولت إدخال قطاعات عسكرية أخرى، لكن انعكاس الثورة على الجيش فرض عليها أن تحجز أولئك في معسكرات مغلقة، فتبقى تقاتل بتلك الفرق التي ضمنت ولاءها. لكن توسع الثورة وقوة الصراع استهلك تلك الفرق والشبيحة، فأخذت تعتمد، شيئاً فشيئاً، على قوى خارجية، وهي، الآن، تقرّ بأن من يقاتل الشعب هو إيران وأدواتها الطائفية، وتتهم الجيش بالخيانة، بعد سقوط الفرقة 82 في درعا.
بات واضحاً أن إيران وأدواتها الطائفية تسيطران على سورية، وأن السلطة واجهة لتلك السيطرة، ومن ثم بات الصراع في سورية يرتبط بالصراع الإقليمي والدولي بشكل مباشر، حيث أصبحت جزءاً من الأوراق التي تفاوض إيران بها في إطار الصراع/ التوافق مع أميركا تحديداً. ويبدو أنها تتقرّب من الحدود مع الدولة الصهيونية، من أجل “زيادة أوراق التفاوض”، وربما كان ذلك سبب الإعلان عن قيادة إيرانية لقوات حزب الله والحرس الثوري التي تحاول استرجاع القنيطرة. لكن هذا الإعلان أوضح أن السلطة باتت محمية بقوات إيرانية، أي أنها انتهت كسلطة قاتلت بقواتها، وأن الشعب السوري بات يواجه قوات إيران وأدواتها الطائفية، والدعم العسكري الروسي. وأن الغطاء الذي تتخذه إيران وأدواتها هو “المسألة الوطنية”، ويبدو أن عجزها عن مواجهة الثورة، منذ بداية سنة 2013 (بعد المساعدات التقنية والمالية في الفترة الأولى من الثورة)، وتعاظم خسائرها يدفعها إلى هذا اللعب بالمسألة الوطنية، على الرغم من أن هدفها، كما أشرت، تعزيز التفاوض مع أميركا.
وإذا كانت الثورة انطلقت من أجل تغيير النظام، وتحقيق مطالب شعبية، فقد باتت جزءاً من الصراعات الدولية، حيث تتصارع قوى متعددة للحصول على مصالح، أو تثبيت وضع جيو إستراتيجي. هذا ما يجعل إيران تدخل بثقلها في الصراع، تنفيذاً لقول المرشد علي خامنئي إن طهران لا تسمح بسقوط النظام السوري. وربما ترسل قوى أكبر من الحرس الثوري، كلما ضعفت السلطة وعجزت عن حسم الصراع. ومعركة درعا مفصلية من هذه الزاوية، حيث لا بد من أن تقود إلى كسر قوات حزب الله وإيران، وبالتالي، كسر الطموح الإيراني بالحفاظ على السلطة والمساومة على الورقة السورية.
سمح “الغباء الاستراتيجي” لكل من حزب الله والنظام في إيران بتحقيق التكتيك الأميركي الذي قام على استهلاك قوى هؤلاء في سورية. فهذه القوى تستهلك، حيث تتعرض لخسائر كبيرة، وتستهلك سياسياً لأنهما يظهران قوة احتلال، وقوة دفاع عن نظام مافياوي يرفضه الشعب ويريد تغييره. ربما مصالح السلطة الإيرانية هي ما يؤسس لهذا الغباء، لكنها دولة تريد حفظ مصالحها التي تتحقق بالتصالح مع أميركا.
العربي الجديد
إنها معركة الحسم/ ميشيل كيلو
تدور، منذ نيف وعشرة أيام، معركة هي الأكبر جنوب سورية: في المنطقة التي تصل ريف الجولان بدرعا وجنوبي دمشق، ويشارك فيها على الجانب الأسدي قرابة ثلاثين ألف جندي، معظمهم من الحرس الثوري الإيراني ومرتزقة حزب الله والعراق وبلدان عربية شمال إفريقيا، فضلاً عن كوريين وأفغان وجنسيات متعددة أخرى، وحشد هو الأكثر كثافة بالأسلحة البرية والجوية، والذخائر الحديثة والمحرمة دولياً.
قبل العملية، أعلنت دمشق عن لقاء ضم بشار الأسد والجنرال قاسم سليماني، المشرف العسكري الإيراني على العراق وسورية ولبنان، والذي تولى قيادة العمليات الحربية، بعد أن أشرف طوال أشهر على إعداد كل ما يلزم لتنفيذها، وأرسل جنرالاته ومساعديه لاستطلاع مسرح العمليات ورسم الخطط الميدانية على أرض الواقع، حيث قتل الإسرائيليون واحداً منهم كان برفقة جهاد مغنية الذي كان الإسرائيليون قد قتلوا والده في دمشق.
… وقيل، قبل بدء العمليات، إن هدفها ربط الجولان وجنوب سورية بجنوب لبنان وشرقه، لبناء مسرح صراع واسع يتحدى قدرات الجيش الحر، المتفوق نسبياً في الجنوب السوري على جيش الأسد، ومن المحتم أن يعجز عن التحكم بميدان القتال الجديد، وعن إحراز انتصار فيه يقلب موازين المعركة لصالح الثورة ويسقط النظام، حتى إن هزم جيش الأسد الذي يجب أن تضع المعركة الجديدة حداً لخساراته المتكررة، التي طاولت معظم وحداته الكبيرة جنوب سورية، مع ما ترتب على ذلك من تراجع في خط الجبهة نحو دمشق التي صارت في قبضة تهديد حقيقي، يؤذن بانهيار الأسد ونظامه، إن بقيت الأمور على مسارها الراهن. هذا الهدف، المسكوت عنه، لا بد أن يضاف إلى هدف استراتيجي الأهمية والأبعاد، هو تحديد مناطق الوصل والفصل المستقبلية بين إيران وإسرائيل في المنطقة بين لبنان وسورية وفلسطين
“مثلما يعني انتصار المرتزقة في جنوب سورية بداية نهاية الثورة، تعني هزيمتهم هناك بداية هزيمة إيران في وطن العرب”
المحتلة، ورسم مواقع نفوذ كل منهما، عندما سيقوم تقاسم وظيفي بينهما، غرضه السيطرة على المنطقة العربية، تحت إشراف أميركا، مع ما يمليه ذلك من تعاون وتنسيق يبدأ بإطفاء الثورة السورية، وفرض تغيير جذري في علاقات بلدان الجوار الداعمة لها، كالأردن ودول الخليج.
صدّ الجيش الحر، واحتوى معظم هجمات جيش المرتزقة الدولي الذي تكبد خسائر فادحة جداً في العتاد والأفراد، وفقد القسم الأكبر من الأراضي التي احتلها، عند بداية هجومه الواسع على جبهةٍ، عرضها ثلاثون كيلومتراً بدعم كثيفٍ جداً من الدبابات والمدافع الثقيلة والغارات الجوية المتلاحقة. ومع أن سليماني يحاول تشتيت قوة الجيش الحر بواسطة اختراقات تتم في أماكن عديدة خلال وقت واحد، فإنه لم يحرز، إلى اليوم، أي تقدم ميداني مهم، على الرغم من أكاذيب حزب الله، الحريص على ما نشره من أوهام حوله، طرفاً لا يخسر ولا يقهر.
يريد الإيرانيون حسم معركة الجنوب بأي ثمن، وإلا فالتموضع في مناطق تصل سورية بإسرائيل، وعزل وسط حوران وشرقها عن دمشق، ليظلا جيباً بلا قيمة، أو خطورة عسكرية وسياسية، في حال بقي في يد الجيش الحر، لما للوضع المنشود من أهمية، لحسم مجمل الصراع السوري، خصوصاً أنه أعقب هجوم الجنوب هجوم لاحق في الشمال، يخرج تركيا من الشأن السوري، ويطوق حلب أو يسقطها، فتتكامل، عندئذٍ، أوضاع الميدان مع حسابات الاستراتيجية العليا التي تحرص أميركا على بلورتها بالتعاون مع إيران، الدولة التي بذلت، في ثلث قرن مضى، أكبر الجهود لاختراق العالم العربي وتفتيته، وتعلن، اليوم، أنها بلغت هدفها في السيطرة على المشرق العربي، وأن انتصار الحوثي في اليمن هو بداية هجومها الواسع في شبه الجزيرة العربية الذي يستهدف، بصورة خاصة، المملكة العربية السعودية.
مثلما يعني انتصار المرتزقة في جنوب سورية بداية نهاية الثورة، تعني هزيمتهم هناك بداية هزيمة إيران في وطن العرب. ولئن كان ما يدور، اليوم، في حوران يؤكد نشوب معركة حسم الصراع لصالح الأسد، وإنجاز مستلزمات استراتيجية، ستقرر مصير العرب نصف قرن مقبل، على أقل تقدير، فإن على قادة العالم العربي عامة، والخليج خاصة، فهم ما يجري باعتباره معركة تقرير مصير بلدانهم أيضاً، وإدراك الحقيقة، وهي أن هزيمة الجيش الحر والثورة ستؤدي إلى تقويض دولهم، وأن موقفهم السلبي من الجيش الحر والثورة يهددهم أكثر من الانخراط في المعركة، كما أن تحصين الأردن بكل ما يلزمه من قدرات يعد تدبيراً دفاعياً عن بلدانهم ضد غزاة قادمين إليهم، لا مهرب من الرد عليهم بجميع ما في حوزتهم من وسائل قتالية ومالية وسياسية، ضمن منطقة العمليات السورية نفسها، وفي واليمن، قبل أن يطبق طرفا الكماشة الإيرانية عليهم في زمنٍ يتوهمون أنه بعيد، وأنهم في مأمن من مفاجآته، على الرغم من أن أخطاره المرعبة تقرع أبوابهم بعنفٍ يتزايد يومياً، يصم ضجيجه الآذان!
العربي الجديد
هجمات تحالف النظام: من بر حوران إلى حلب/ فايز سارة
حملت الأسابيع القليلة الماضية تطورا، ربما كان بين أبرز تطورات الصراع المسلح في سوريا في العامين الأخيرين، تمثل في الهجوم المتعدد الجبهات الذي شنه نظام الأسد وحلفاؤه ضد تشكيلات المعارضة السورية المسلحة. ففي وقت متقارب شنت قوات النظام، بمشاركة قوات من حزب الله اللبناني وقوات إيرانية من الحرس الثوري الإيراني، هجوما واسعا باتجاه الجنوب السوري، شاملة مناطق من محافظتي القنيطرة ودرعا، وتزامن الهجوم مع حملة عسكرية واسعة، شنتها قوات الأسد مع ميليشيات حزب الله على مدينة حلب ومحيطها، ولا سيما الشمالي منها، وترافق الهجومان مع استمرار حرب النظام على ريف دمشق، وخاصة في الغوطة الشرقية، التي لم تقتصر الحرب عليها على غارات الطيران، ولا سيما على مدينة دوما القريبة من دمشق، إنما شملت عمليات القصف الصاروخي والمدفعي إضافة إلى هجمات أرضية جرى القيام بها، ولا سيما على محور جوبر شرق – شمال دمشق.
الهدف الرئيسي لهجمات النظام كان تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة على كل الجبهات في آن معا من خلال تقدم قواته مع حلفائه عبر تخطيط مسبق، كشفت عنه تصريحات متطابقة في تحالف النظام مع إيران وحزب الله، وعبر مشاركة قيادات من الأطراف الثلاثة، أبرزهم قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني وأحد أبرز الإيرانيين الذين يتابعون الملف السوري.
أما الأهداف الصغرى لهجمات النظام وحلفائه، فكان بينها إعادة السيطرة على بعض المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وخاصة في الفترة الأخيرة، حيث سيطرت تشكيلات المعارضة المسلحة على مواقع جديدة في القنيطرة ودرعا في الشهرين الأخيرين، أبرزها الشيخ مسكين، وهي مدينة استراتيجية وسط محافظة درعا، واللواء 82 من قوات الدفاع الجوي، وكلاهما من المواقع الأكثر أهمية في الجنوب، والسيطرة عليهما بين عوامل تنذر بإمكانية قيام قوات المعارضة بعزل بعض قوات النظام في المنطقة والسيطرة على مواقع تمركزها، ويفتح باب التحرك إلى جنوب دمشق.
كما كان بين الأهداف تحقيق سيطرة في حلب ومحيطها، تزامنا مع إعلان النظام موافقته على خطة المبعوث الأممي دي ميستورا وقف القتال في حلب، وفي كل الجبهات، كان ثمة هدف مشترك للهجمات، وهو إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف تشكيلات المعارضة المسلحة، وإلحاق مزيد من الدمار والقتل في صفوف السوريين في المناطق المستهدفة من الجنوب إلى الوسط وصولا إلى الشمال، وهذا ما تؤكده طبيعة عمليات القصف الجوي والصاروخي على تلك المناطق، ومنها مدينة دوما، التي سقط فيها وحدها مئات الضحايا أكثرهم من المدنيين في هجمات أسبوع واحد.
وراء تلك الأهداف، تم تنسيق الهجمات في قيادة تحالف النظام مع الإيرانيين وحزب الله، وتم تسيير القوات المتحالفة وسط ضجيج إعلامي مرافق على الجبهات كافة، في ظل تقديرات أن انتصارات سوف تتحقق، وأنه سيتم تحقيق الأهداف الرئيسية في ظل أوضاع صعبة تعانيها التشكيلات المسلحة للمعارضة، أبرزها خلافات وصراعات فيما بينها، ونقص في الأسلحة والذخائر والتموين في الشمال، كما في الجنوب، في وقت يواجه فيه ريف دمشق والغوطة الشرقية حالة حصار من جانب قوات النظام، وكله وسط بيئة حاضنة، تعاني مشكلات سياسية وأمنية ومعيشية في المناطق الخارجة عن النظام، وفي ظل محيط إقليمي ودولي فقد الاهتمام بالقضية السورية وانشغل بموضوعات ذات أهمية أكبر، أبرزها الحرب على الإرهاب والتطرف، وقد راوح امتداده بين بلدان أوروبا وشمال أفريقيا.
في مسارات هجوم تحالف النظام، حققت قوات التحالف مكاسب أولى، لكن النتائج سرعان ما أخذت تتغير على الأرض، وباستثناء صمود الغوطة الشرقية في وجه الهجوم كما في مثال دوما وجوبر، فقد تم رد قوات التحالف على الجبهة الجنوبية في محاور عدة، وإخراجها من مناطق سيطرت عليها بصورة مؤقتة بعد أن تم إيقاف الهجوم، وتم تكبيد قوات الأسد والإيرانيين مئات القتلى والجرحى، وجرى أسر عشرات من عناصر التحالف، وتكرر الأمر على النحو ذاته في حلب ومحيطها، فتمت استعادة قرى ريتان وحردينين، وباستثناء مئات من قتلى التحالف وجرحاه، تم أسر عشرات من مقاتلي النظام وحزب الله.
لقد تحددت ملامح هجمات النظام وحلفائه في الجبهات الثلاث من خلال النتائج الأولية في إفشال أهداف الهجمات الرئيسية وما تبعها من أهداف. لكن العمليات العسكرية ما زالت قائمة، لأن تحالف النظام مصرّ على الإيحاء بأن المعركة مستمرة، ونتائجها النهائية لم تحسم بعد، الأمر الذي سوف يترتب عليه مرور وقت قبل توقف الهجمات في الجبهات كلها، وتتم العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الهجمات الأخيرة.
كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف
الشرق الأوسط
آليات تدريب المعارضة سبب فشلها/ عبسي سميسم
تشير آليات تدريب المعارضة السورية، التي تشرف عليها الولايات المتحدة الأميركية، إلى عدم رغبة الأخيرة في نشوء أية مؤسسة عسكرية حقيقية، تتمتع بحامل سياسي يوجّه عملها، وإصرارها على تكريس حالة الفرق والألوية والكتائب المستقلة التي يديرها أمراء حرب، يتبعون بشكل مباشر للجهة الداعمة، والذين يمكن التحكم من خلالهم بسير المعارك ووجهتها، كما يمكن إشعال معارك جانبية فيما بينهم في حال اقتضت الحاجة. علماً أن جميع المخاوف التي تتذرع بها واشنطن خلال تدريب المعارضة المسلحة تعود إلى آلية التدريب التي تقوم على ترشيح عناصر من الفصائل التي تعتمدها الولايات المتحدة للتدريب من خلال التنسيق المباشر مع تلك الفصائل. وبعد فترة التدريب تعود تلك العناصر لفصائلها، مع دعم تقدمه الولايات المتحدة لتلك الفصائل، من دون أن يكون لقيادة أركان الجيش الحر أو وزارة الدفاع أي دور ما عدا الأدوار الشكلية والبروتوكولية.
مخاوف الولايات المتحدة التي طرحتها مراراً، والتي يأتي في مقدمتها موثوقية العناصر الذين سيتم تدريبهم وضمان عدم حصولهم على التدريب الأميركي ومن ثم الالتحاق بفصائل من المصنفة ضمن لائحة الإرهاب، بالإضافة إلى التخوف من دعم الفصائل المدربة بسلاح ثقيل ومن ثم تحول هذا السلاح ليوجه ضدها من خلال انتقال الفصيل بالكامل إلى الجهة الأخرى، أو عدم قدرته على حماية هذا السلاح وتركه للفصائل المتطرفة “وفق التصنيف الأميركي”، تعد مخاوف حقيقية. وقد حصل بالفعل أن انتقل عناصر ممن دربتهم واشنطن إلى كل من تنظيمي “داعش” وجبهة النصرة بعد تلقيهم التدريب.
كما استطاعت النصرة الحصول على سلاح أميركي تم تسليمه لبعض الفصائل المحسوبة على واشنطن. إلا أن هذه المخاوف ما كانت لتظهر لو كان هناك نية في إعادة هيكلة هيئة أركان الجيش الحر ووزارة الدفاع، وتشكيل نواة لمؤسسة عسكرية من العناصر المدربة وجعل تبعيتهم الكاملة لهذه المؤسسة بإشراف ضباط خبراء، وتأمين كل ما يلزمهم من سلاح وتدريب عبر هذه المؤسسة. لكن الولايات المتحدة والدول التي تدعم فصائل المعارضة المسلحة عسكرياً يبدو أنها تسعى لتكريس فصائل تتبع لها مباشرة وتنفذ سياساتها، من دون أن يكون لها حامل سياسي على المستوى الوطني يستطيع أن يشكل قوة ضغط لصالح القوى السياسية التي لا تزال تعمل بمعزل عن القوى على الأرض وتكرس حالة استعصاء الحل السياسي.
العربي الجديد