معركة الساحل: استراتيجيا أم مؤامرة؟/ جاد يتيم
انتهت معركة الساحل باستعادة النظام السيطرة على قرى ريف اللاذقية كما كان متوقعاً، فهل كانت مغامرة غير محسوبة، أم ان الثوار استعدوا بما فيه الكفاية لمعركة طويلة الامد تهز النظام في عقر داره؟
وصف ما حصل بأنه متوقع يعود إلى أن ما قامت به كتائب الجيش الحر في جبل الاكراد والتركمان والحفة، يتميز بجرأة عالية في ظل معطيات واضحة تشي بغياب أي غطاء سياسي أو عسكري من المعارضة لهذه المعركة، وخصوصاً أن منافذ إمداد السلاح لها محصورة بتركيا وبريف ادلب.
أكثر من ذلك، فإن التسليح الجديد للثوار تركز على حلب وريف دمشق بالإضافة إلى درعا، وغابت عنه تماماً جبهة الساحل ودمشق العاصمة، وحتى حمص. وربما هذا ما دفع البعض الى المسارعة في فتح جبهة الساحل، لاعتقاده ان توزيع السلاح بهذه الطريقة “تقسيمي”، وبالتالي معركة الساحل أساسية للتأكيد على وحدة سوريا بوجه أي مخطط للنظام، وهذا بالضبط الهدف الذي يتفق عليه الجميع.
في هذا السياق، شدد المنسق السياسي والإعلامي للجيش السوري الحر،عضو الائتلاف الوطني السوري، لؤي المقداد، لـ “المدن”، على أن “جبهة الساحل نعتبرها من الجبهات الأهم في معركتنا مع النظام”، معتبراً أن “معارك الساحل أثبتت للعالم بأسره أن كل أحلام (الرئيس السوري) بشار الأسد وخططه الاحتياطية ستفشل، وأن ثوار سوريا مصرون على تحرير كامل ترابها حتى آخر شبر”، في إشارة إلى خطط قد يكون النظام أعدها لإنشاء دولة علوية في الساحل تحديداً.
وتطرق المقداد إلى مسألة استعادة النظام للسيطرة على قرى في ريف اللاذقية، فأكد أن “مسألة الانسحاب من محور والتقدم على محور آخر تعود إلى تقدير القادة الميدانيين بناء على ظروف المعركة”، موضحاً أن “آلية عمل الجيش الحر تعتمد على العمليات النوعية والتحرير وليس على مبدأ الإحتلال والتمركز كآلية عمل قوات النظام. فالجيش الحر يؤمن ان مهمته هي إعادة المناطق إلى الشرعية الحقيقية وهي أهلها بعد تحريرها من النظام”.
ونفى المقداد الاتهامات التي ساقها البعض ضد الائتلاف والجيش الحر بأنهما “لم يريدا فتح هذه الجبهة أساساً إلى حد ممارستهما ضغطاً على تركيا للتضييق على المنطقة المحررة في ريف اللاذقية التي تحاذي تركيا شمالاً”. وأضاف “لا يعتقد أحد أن هيئة الأركان من الممكن أن توفر رصاصة في مخازنها عن جبهات القتال، لكن هذا هو كل ما يصل إلينا. النقص هائل”.
من جهته، أقر أحد مقاتلين المعارضة في قرى ريف اللاذقية (من قرية سلمى تحديداً) ، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ”المدن”، أن أحد اسباب استرداد النظام لقرى الريف يعود إلى أن “كل الذخيرة توقفت عنا. لم تقبل أي كتيبة أو لواء امدادنا بشيء”.
وأوضح المقاتل في صفوف الكتائب المحلية المشكلة من أبناء جبلي الاكراد والتركمان، والتي أسقطت قبل أيام طائرة حربية للنظام فوق سلمى، أنه “حتى تركيا راحت تضيّق الاجراءات على الحدود معنا على كافة المستويات، حتى وصل الأمر إلى حد منع الاتراك ادخال الطلقات الخاصة ببنادق الصيد”.
بدوره، اتهم خطاب، وهو أحد قادة الكتائب التي شاركت في حصار معسكر وادي الضيف، في حديث لـ “المدن”، “غالبية قادة ألوية وكتائب ادلب بالخيانة والعمالة للنظام”، قائلاً “هؤلاء منعوا مد ريف اللاذقية بالسلاح وقد زرعهم النظام من ايام التظاهرات ومدهم بما لا تتصور من السلاح مثل جمال معروف (قائد لواء شهداء سوريا) الذي يمتلك نحو 80 دبابة ومهمته حصار وادي الضيف، لكنه في الحقيقة كان يحمي المعسكر ويمنعنا من اقتحامه”.
بالرغم من هذه التطورات، أكد المتحدث باسم شبكة “سوريا مباشر” الاخبارية، طارق شيخو، في اتصال مع “المدن” من جبل الاكراد، أنه رغم الكر والفر فإن “المعركة بالتأكيد لن تتوقف هنا، لا من قبل الثوار ولا من قبل النظام”. وكشف أن “التقديرات الاولية تشير الى تواجد اكثر من 1900 مقاتل معارض في المناطق المحررة بريف اللاذقية”، موضحاً أن “العتاد العسكري الذي تملكه كتائب الجيش الحر في المنطقة يتجاوز الاسلحة العادية وحتى الآر بي جي”.
وأشار شيخو إلى أن من بين المقاتلين الموجودين حالياً “ثوارا قدموا من محافظات أخرى كحلب وادلب وريف حماة ودير الزور، توفرت لديهم خبرات من خلال تجارب سابقة مع النظام اضافة الى بعض الدعم اللوجستي وبعض الخطط الجديدة عسكرياً وتحديد مكان الاشتباك ومكان التقدم”. ورأى أنه نتيجة ذلك فإن “توصيف العمل العسكري في ريف اللاذقية بانه مغامرة بالنسبة لمعركة الساحل خاطئ تماماً، حيث ان المغامرة تكون عندما تتقدم بدون اي استعداد، بينما الثوار استعدوا لفترة جيدة من اجل تحريك المنطقة والضغط على النظام في عقر داره”. وشدد على أنه بالنسبة للكتائب فإن سكون اي منطقة فترة طويلة يؤثر سلباً على سير الامور العسكرية وعلى حياة الناس، مقراً أنه “بالنسبة للثوار دائما المعارك هي معارك كر وفر وحرب استنزاف”.
ولفت شيخو إلى أنه في الايام الماضية “استطاعت الكتائب الموجودة في ريف اللاذقية التقدم باتجاه مناطق جغرافية للمرة الاولى والسيطرة على بعض النقط الهامة، ثم بسبب استخدام النظام آلة القصف العنيف ابتعد الثوار عنها في اوقات القصف”، مؤكداً في الوقت نفسه أنه “لا يزال الثوار يمنعون وصول وتقدم النظام الى الحدود التركية رغم محاولته المستمرة”.
كما أشار إلى أن الجزء المحرر من ريف اللاذقية “يضم سلمى وما حولها في جبل الاكراد، وربيعة وما حولها في جبل التركمان”، مشيراً إلى “وجود تواصل جغرافي بين ربيعة وسلمى بالإضافة إلى تواصل جغرافي مع ريف ادلب وحلب وحماه في الشرق، بينما يحدها شمالاً منطقة بيسون التركية”. وأوضح أن الحصار على ريف اللاذقية يأتي من الجهتين الجنوبية والغربية أي “من الميناء البحري في راس البسيط وصولا الى معبر كسب الحدودي”، نافياً “أي دخول للسلاح من الجهة التركية. نتمنى ذلك”.
المدن