معركة القُصير ليست أُم المعارك
المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات
نجحت كتائب الثوّار السوريّين خلال الربع الأوّل من عام 2013 في تحقيق انتصاراتٍ عسكرية مهمّة من أبرزها تحرير مدينة الرقّة، وإفشال الحملة العسكريّة على حمص القديمة، ووصولهم إلى تخوم العاصمة دمشق (حي جوبر). ونتيجة لتأكّل سيطرة النظام العسكرية، ساد انطباعٌ عامّ بإمكانية اختلال توازن القوى عسكريًّا ورجحانه لمصلحة الثورة. لكن الانطباع السابق سرعان ما تبدّد؛ فقد بدأ النظام السوريّ منذ مطلع نيسان / أبريل 2013 حملةً عسكريّة مضادّة في عموم مناطق سورية، لكنّه حصر أولويّاته العسكرية مرحليًّا في ثلاث معارك، هي:
• معركة الغوطتين: نجح النظام في تحقيق اختراقاتٍ عسكريّة على جبهة الغوطة الغربيّة (داريا والمعضمية)، وأحكمَ السيطرة على طريق المطار. كما طوّق الغوطة الشرقية عند منطقة العتيبة والتي تُعدّ خطّ الإمداد الرئيس للثوّار في الغوطة الشرقية، الأمر الذي دفع 23 فصيلًا مسلّحًا في الغوطة الشرقية إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة بتاريخ 12 أيار/مايو 2013، وبدْء ما سُمّي معركة “الفرقان”، لصدّ الهجوم العسكري على الغوطة الشرقية خاصّةً في بلدة العتيبة. وبالفعل، استطاع الثوّار إخراج قوّات النظام من بلدة العتيبة؛ لتتركّز المعارك في محيطها.
• معركة معرّة النعمان: استطاع النظام في 14 نيسان/ أبريل 2013، فكّ الحصار جزئيًّا عن معسكرَي وادي الضيف والحامدية. كما حاول فتْح طريق دمشق – حلب الدولي من دون أن يحقّق هدفه. وفي أواخر نيسان/ أبريل 2013، أجبرت كتائب الثوّار قوّاتِ النظام على الانسحاب من قرى بابولين، والتح، وتحتايا باتّجاه مدينة خان شيخون، نقطة التمركز الرئيسة لقوّات النظام في ريف إدلب الجنوبي.
• معركة القصير: بدأت في الأسبوع الأوّل من شهر نيسان/ أبريل 2013، ولا تزال رحاها تدور حتّى الآن.
على أهمّية الاختراقات الأخيرة لقوّات النظام في الغوطتين، أو في معرّة النعمان، فهي تبقى جزئيّة ومحدودة التأثير بحكم أسلوب الكرّ والفرّ والانسحابات التكتيكية التي يلجأ إليها الطرفان عادةً. يضاف إلى ذلك أنّ النظام يدرك صعوبة “الحسم” في هذه الجبهات؛ لذلك سعى إلى “تحريكها” لتحقيق أهدافٍ مرحلية تتمثّل في إبعاد الخطر عن العاصمة دمشق في حالة الغوطتين، وتخفيف الضغط عن ريف حلب الجنوبي في حالة معرّة النعمان. أمّا معركة القصير، فهي ذات أهمّية إستراتيجية بالنسبة إلى النظام والثوّار في آنٍ معًا، وسيترتّب عليها نتائج وتداعيات مؤثّرة في النظام والثورة.
تحاول هذه الورقة الوقوف على المعارك الدائرة في مدينة القصير، والتركيز على خصوصيتها وأهمّيتها في الصراع القائم، وتلمّس تداعياتها الحاليّة والمستقبلية على طرفَي النزاع في الأزمة السوريّة.
القصير: المعركة المؤجّلة
لا يمكن النظر إلى ما يجري في القصير بصورةٍ منعزلة عن معركة حمص ككلّ؛ إذ إنّ مسار الأحداث في مدينة القصير، وعلى مدار أكثر من عام، ارتبط بمجريات الأحداث في مدينة حمص.
تقع مدينة القصير جنوب غربي حمص، وتبعد عنها مسافة 35 كيلومترًا، وعن الحدود اللبنانيّة مسافة 15 كيلومترًا فقط. تُعدّ القصير نقطةَ الوصل بين الشمال اللبنانيّ، وريف حمص الجنوبي، كما أنّها تبعد نحو عشرة كيلومترات فقط عن العقدة التي تتلاقى فيها معظم الطرق الدولية البرّية داخل سورية. يبلغ عدد سكّان مدينة القصير 42 ألف نسمة. ويتبعها إداريًّا أكثر من أربعين قرية. تعدّ القصير منطقةً مختلطة دينيًّا وطائفيًّا؛ إذ يتركّز المسلمون السنّة، والمسيحيون في المدينة ومحيطها القريب (قريتَي الموح، وأبو حوري)، وتحيط بها قرًى شيعيّة، أبرزها (البرهانية، والدمينة الشرقية، والعقربية، والنزارية)، وقرًى علويّة مثل الحيدرية والعبودية.
انخرط سكّان مدينة القصير في الاحتجاجات السلميّة منذ جمعة الشهداء 1 نيسان / أبريل 2011. وقد حافظت المدينة على وتيرة احتجاجاتها السلمية حتّى نهاية شباط / فبراير 2012؛ إذ التجأ إليها المقاتلون الهاربون من حيّ بابا عمرو، وشكّلوا مع سكّانها كتائبَ مسلّحة لقتال الجيش النظامي. وبنهاية شهر آذار / مارس 2012، خرجت مدينة القصير عن سيطرة النظام عسكريًّا، ولم تنجح المحاولات المتكرّرة في اقتحامها أو إعادة السيطرة عليها.
على الرغم من تحوّل القصير إلى أكبر تجمّعٍ للثوّار المقاتلين في محافظة حمص بعد اقتحام حيّ بابا عمرو في نهاية شباط / فبراير 2012، فقد أسقط النظام المدينةَ من أولويات حساباته العسكرية خلال عام 2012؛ إذ إنّ إستراتيجيته كانت تقوم على وأد الثورة في مراكز المدن، وعزلها ما أمكن في الأرياف البعيدة. وعليه، فإنّ جميع المعارك خارج مدينة حمص لم تكن أولوية أو ضرورة راهنة بالنسبة إلى النظام.
يؤكّد مسار العمليات العسكرية في محافظة حمص الاستنتاج السابق؛ فقد استغلّ النظام الفيتو المزدوج الروسيّ – الصينيّ في مجلس الأمن ضدّ مشروع قرارٍ تقدّمت به الجامعة العربيّة في 4 شباط / فبراير 2012، وقام بعمليةٍ عسكرية كبيرة في حيّ بابا عمرو استمرّت عشرين يومًا نجح خلالها في اقتحام الحيّ وإجبار المسلّحين الأهليّين والضبّاط المنشقّين الذين اتّخذوا الحيّ قاعدةً لقتال قوّات النظام في حمص، على الانسحاب منها.
استثمر النظام اقتحام حيّ بابا عمرو إعلاميًّا وسياسيًّا؛ فقد عدّ “انتصار” الجيش في حمص نقطةَ تحوّلٍ لجهة القضاء على الثورة، وإحباط المؤامرة التي ترعاها قوًى دولية، وإقليمية. وضمن هذا الإطار جاءت زيارة بشّار الأسد إلى حيّ بابا عمرو في 27 آذار / مارس 2012، حيث أعلن عن عودة الهدوء إلى مدينة حمص، وأصدر تعليماته إلى المحافظ من أجل إعادة إعمار ما تهدّم في المواجهات.
كانت المفاجأة خارج حسابات النظام، عندما تحصّن مقاتلو الجيش الحرّ في أحياء حمص القديمة، الأمر الذي أدّى إلى تجدّد المواجهة العسكرية. وعلى خلاف مسار العمليات العسكرية في حيّ بابا عمرو، لم يستطع النظام استعادة السيطرة على حمص القديمة. وفي منتصف حزيران / يونيو 2012، بدأ في محاصرتها، وعزلها عن باقي الأحياء. ولاستكمال عزل حمص، قام النظام خلال عام 2012 بعدّة عملياتٍ عسكرية استهدفت خطوط الإمداد، ولا سيّما في قرى الريف الشمالي ومدنه (تلبيسة، والرستن). وبنهاية عام 2012 اقتحم الجيش السوريّ النظامي حيّ دير بعلبة (بوابة حمص القديمة)، ليُحكم حصاره على ما تبقّى من الأحياء فيها (البياضة، والخالدية، والقصور، والقرابيص، وجورة الشياح، وباب هود، وباب الدريب، وغيرها). ونتيجة لذلك، بدأ النظام السوريّ منذ بداية عام 2013 التحضير لحملةٍ عسكريّة تستهدف الأحياء المحاصرة في حمص القديمة، للقضاء على آخر معقلٍ للثورة في مدينة حمص.
القصير: المعركة العاجلة
في مطلع آذار / مارس 2013، وبعد ما يزيد على 270 يومًا من الحصار، أعلن الجيش السوريّ عن بدء اقتحام حمص القديمة ابتداءً من حيّ الخالديّة، إلا أنّ العملية العسكريّة الموسّعة التي استمرّت نحو عشرة أيّام فشلت في تحقيق أهدافها. وقد استطاع الثوّار إجبار جيش النظام، وقوّات الدفاع الوطني – المليشيات الطائفية التي شكّلها النظام – على الانسحاب من محيط الخالديّة. ليس هذا فحسب، بل قامت بعض كتائب الثوّار – قدمت من ريف حمص الجنوبي – في 10 آذار / مارس 2013 بهجومٍ مضادّ في حيَّي بابا عمرو والإنشاءات، وأعادت السيطرة عليهما قبل أن يستعيدهما الجيش النظامي من جديد في 30 آذار / مارس 2013. واستطاعت الكتائب الموجودة في ريف حمص الشمالي (تلبيسة، والرستن) اختراق الحصار، وإيصال إمداداتٍ غذائية وطبّية، وعسكريّة إلى حمص القديمة، الأمر الذي منح المقاتلين داخلها قدرةً إضافية على الصمود والمواجهة.
كان لفشل اقتحام حمص القديمة تأثيرٌ في إستراتيجية النظام؛ فحصار المدينة وعزلُها لم يؤدِّيا الغرض المطلوب لإسقاطها، الأمر الذي فرض عليه تغييرَ الخطط واستبدالها بأخرى أكثر فاعليّة.
اقتنع النظام بأنّ ثغرة حمص تكمن في أريافها، خاصّةً ريفها الجنوبي المحاذي للحدود اللبنانيّة، وفي قلبه مدينة القصير التي تمثّل أكبرَ قاعدة إمداد لمدينة حمص، وأحيائها الطرفيّة خاصّةً حيّ بابا عمرو، وجوبر والسلطانية . تأسيسًا على ذلك، غيّر النظام خططه العسكرية في ما يتعلّق بحمص، وتحوّلت القصير من معركةٍ مؤجّلة إلى معركةٍ عاجلة.
خبِر النظام في مواجهاتٍ عدّيدة حصلت خلال عام 2012 شراسة المقاتلين في القصير، وضراوتهم في القتال الناجمة عن خبرتهم وتنظيمهم، إضافةً إلى امتلاكهم الأسلحة الثقيلة والخفيفة القادرة على موازنة قوّاته. الأمر الذي تطلّب دخول عنصرٍ جديد على خطّ المواجهة (حزب الله) خبيرٍ في حرب العصابات، وقادرٍ على ترجيح الكفّة. ولتبرير انخراطه في المعارك، قامت قيادة حزب الله بحملة تجييشٍ شعبوي طائفي لإقناع جمهورها بضرورة مشاركة مقاتلي الحزب في الصراع السوريّ، للدفاع عن القرى الشيعيّة في منطقة القصير، وعن المراقد الدينية في ريف دمشق، مع أن ـأحدا لم يعتد على مقام السيدة زينب في دمشق، وهذا الادعاء بحد ذاته هو تجنٍ على الثورة السورية. وقد اعترف الأمين العامّ لحزب الله حسن نصر الله في خطابه 1 أيار / مايو 2013، بمشاركة مقاتلي الحزب في القتال، معتبرًا أنّ “أصدقاء سورية لن يسمحوا بسقوطها في أيدي أميركا وإسرائيل والتكفيريين”. وفي السياق نفسه، رأى علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيرانيّ للشؤون الدولية، في مؤتمرٍ صحافي عقَده في مدينة قم بتاريخ 4 أيار / مايو2013، أنّ “سورية ليست وحدها، وأنّ إيران لن تتركها وحيدةً في الميدان”. وأضاف ولايتي “أنّ إيران لا تكشف عن جميع أوراقها في سورية لكنّها لن تسمح بسقوطها”. من هنا يمكن القول إنّ مشاركة حزب الله في القتال كانت بتوجيهاتٍ وأوامرَ إيرانيّة.
رجّح دخول قوّات النخبة في حزب الله إلى معركة القصير، كفّة المواجهة لمصلحة النظام؛ فمنذ منتصف نيسان / أبريل 2013 وحتّى منتصف شهر أيار / مايو 2013، استطاع حزب الله السيطرة على القرى المحيطة بالقصير من الجهتين الجنوبية والغربية، وأبرزها تل النبي مندو (قادش)، والبرهانية، والخالدية، ومعبر جوسيه الحدودي، كما وصل مقاتلو الحزب إلى بساتين مدينة القصير التي تبعد عن مركزها مسافة كيلومترين أو ثلاثة كيلومترات فقط . وبالتزامن مع دخول حزب الله، أحكمت قوّات النظام سيطرتها على قرية أبل (بوابة الريف الجنوبي باتّجاه مدينة حمص)، ونجحت في 8 أيار / مايو 2013 في فكّ الحصار المفروض من جانب الثوّار على قرى الحيدرية والشومرية والعبودية. بعد ذلك، أحضر النظام تعزيزاتٍ عسكرية من دمشق، وحشَدها في هذه القرى؛ لتكون منطلقًا لاقتحام مدينة القصير. ويجدر بنا الإشارة إلى أنّ التحضيرات لاقتحام مدينة القصير تسارعت بعد اجتماع لافروف – كيري 6 أيار / مايو 2013، والذي تمخّض عنه اتّفاقٌ أميركيّ روسيّ على عقد مؤتمرٍ دولي في جنيف بداية حزيران / يونيو 2013، يَجمع النظام والمعارضة السوريّة في محاولةٍ لحلّ الأزمة السوريّة سياسيًّا على أساس اتّفاق جنيف الذي توصّلت إليه مجموعة الاتصال حول سورية 30 حزيران / يونيو 2012. وبدأ الأمر وكأن القوات النظام السوري يسعى لتحقيق مكاسب عسكرية قبل المفاوضات بأي ثمن، ويعظم من أهمية القصير لكي يبدو الإنجاز أكبر.
في 19 أيار / مايو 2013، أعلن الجيش السوريّ عن انطلاق عملياته العسكرية تحت عنوان “تطهير القصير”؛ إذ جرى في الساعة الخامسة صباحًا قصفٌ مدفعي تلته غاراتٌ جوّية مكثّفة استهدفت مواقعَ الثوّار في ريف المدينة، ما أدّى إلى تراجع الثوّار إلى أطرافها؛ ليبدأ الهجوم البرّي لقوّات النظام في الجهتين الشمالية والشرقية من المدينة، وقوّات حزب الله الذي دفع بنحو 1200 مقاتل في الجبهة الجنوبية الغربية.
النتائج والتداعيات
يعدّ النظام المعركةَ في القصير معركةً فاصلة، وذات أهمية إستراتيجية؛ لأنّها ستعيد – من وجهة نظره – خلط الأوراق في مسار الصراع داخل سورية، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي أيضًا. ونذكر هنا أبرز النتائج والتداعيات المحتملة:
• إنّ نجاح النظام في حسم معركة القصير لمصلحته، سيمكّنه من إطباق الحصار على حمص القديمة بقطْع طرق الإمداد كافّة، الأمر الذي قد يُعدّ مقدّمةً لاقتحامها والسيطرة عليها، ومن شأن ذلك أن يعزل الثورة في أطرافٍ بعيدة عن المركز (الشمال، وأقصى الجنوب، والشرق)، ويمنح النظام مقوّماتِ البقاء والصمود كونه سيؤمّن، ولأوّل مرّة منذ منتصف عام 2012، تواصلًا جغرافيًّا آمنًا ما بين العاصمة والمنطقة الوسطى (حمص، وحماة)، وصولًا إلى الساحل السوريّ الذي يُعدّ المنطقة الأكثر أمانًا واستقرارًا في سورية. والجدير بالذكر أنّ النظام السوريّ قام خلال عام 2012 بإعادة تأهيل مرافقَ إستراتيجية في محافظات الساحل (مطار طرطوس، والموانئ)، وقدّم حوافزَ اقتصادية للصناعيّين والمستثمرين في حلب وريف دمشق لنَقْل أعمالهم إلى المناطق الآمنة في الساحل السوريّ.
• إنّ نجاح النظام في إعادة رسم الخريطة الجغرافية لانتشار قوّاته وفق المسار السابق، من شأنه أن يعزّز موقعه التفاوضي في حال بدأ مسار الحلّ السياسي المرتقَب للأزمة (المؤتمر الدولي)، ويمنح حلفاءَه الدوليّين والإقليميين قدرةً أكبرَ على فرض توجّهاتِهم وشروطهم. انطلاقًا من ذلك، يمكن القول إنّ معركة القصير تمثّل تعبيرًا عن إراداتٍ دولية وإقليمية لتغيير مسار الأحداث على الأرض، وليست خيارًا يخصّ النظام وحدَه.
• كشفت معركة القصير بوضوحٍ عن تغوّل حزب الله في الأزمة السوريّة، وانخراطه العسكري المباشر فيها. لقد انجرّ حزب الله راغبًا أو مُكرَهًا إلى معركةٍ يقاتل فيها إلى جانب نظامٍ استبدادي بذرائعَ ومبرّراتٍ طائفية (حماية المراقد، والدفاع عن الشيعة)، ما أثّر في صورة الحزب ونقَله وجدانيًّا – لدى شريحةٍ واسعة من السوريّين والعرب على الأقلّ – من حركة مقاومة تواجه إسرائيل وتحظى بتأييد الشارع العربيّ، إلى حزبٍ طائفي مغلَق ومعتدي ومرتهن بصورةٍ كاملة ومطلقة لتوجّهات إيران السياسية والعقائدية. لقد أسهم دخول حزب الله في إذكاء الاستقطاب الطائفي في سورية، وأضفى على الصراع بعدًا دينيًّا ومذهبيًّا. يضاف إلى ذلك أنّ دخول حزب الله المباشر في معارك سوريّة سيؤدّي إلى استنزاف قدراته العسكرية والبشرية، بما يحقّق الهدف الإسرائيليّ والأميركيّ الراهن بتحويل سورية إلى ساحةٍ يتصارع فيها ما يسمّونه قوى التطرّف؛ “الحركات الإسلاميّة، وحزب الله”.
لقد ثبت منذ معركة حلب أنه لا توجد في سورية معركة حاسمة، أو “أم المعارك” كما يقال. فالثورة شعبية ومممتدة افقيا وعموديا في المجتمع السوري.
سيكون لنتائج معركة القصير، فيما لو استطاع النظام السيطرة عليها قريبًا، تداعياتٌ كبيرة على الثورة معنويًّا، وعسكريًّا، لكنّها لن تحدّد مصيرها كما يجري تداولُه على نطاقٍ واسع؛ فالصراع مع الاستبداد لا يقاس بحساب موازين القوى، ولا بالتقدّم أو التقهقر في ساحةٍ معيّنة. كما أنّ النجاح الذي يحقّقه النظام بالمذابح والمجازر، يؤكّد ضرورة الثورة وشرعيّتها، وضرورة استمرارها.
ويمكن أن تشكّل المخاطر المحتملة على القصير بصفةٍ خاصّة وحمص بصفةٍ عامّة، فرصةً للثوّار لتجاوز انقساماتهم وتشتّتهم في حمص وفي عموم سورية، وتدفعهم إلى تشكيل أطرٍ قياديّة مناطقية (إن لم تكن ممتدّة على المستوى الوطني) تستطيع تنظيم العمل العسكري الذي يُعدّ ضرورةً راهنة ومستقبلية، لنجاح الثورة. وحتى كتابه هذا التقدير ما زال الثوار يسجلون مقاومة صلبة مفاجئة للقوات المعتدية، يمكنها أن تقلب الحسابات في أي وقت.
ولكن الأمر الأهم هو أن تتعلم الثورة خطورة عدم وجودة قيادة موحدة وتراتبية وضرورة أن تتحرك كلها كجسم واحد في الوقت ذاته.
(وحدة تحليل السياسات)