معضلة الجيش السوري الحر سياسية بالدرجة الأولى
الفرنسي جان بيار فيليو، استاذ علم السياسة في معهد العلوم السياسية في باريس ومؤلف كتاب “الثورة العربية”، “تاريخ غزة”، حاورته صحيفة “ليبراسيون” (17 نيسان 2012) حول “الجيش السوري الحر”. هنا نص الحوار:
– الجيش السوري الحرّ، يمثل من؟
– الجيش السوري الحرّ، مثله مثل “لجان التنسيق للثورة السورية”، هو مولود براغماتيكي يرمي الى التصدّي للقمع وادراج الثورة في الزمن القادم. على الرغم من التعتيم الاعلامي الذي يمارسه النظام السوري ضده، فان الجيش السوري الحرّ لم يحرم من تغطية اعلامية، هامة نسبيا. فهو تمكن من تأمين انتقال الصحافيين المتسللين وحمايتهم، وذلك بفضل علاقاته مع المهربين والشبكات المحلية العاملة على الارض. أعضاؤه تكبّدوا خسائر فادحة بسبب هذا النشاط. المحاولة الاولى لتهريب الصحافية الفرنسية اوديت بوفييه في 28 شباط الماضي، انتهت، مثلا، بمقتل 13 عضوا من الجيش السوري الحرّ. للنظام مصلحة بتضخيم اهميته بغية التشهير بثورة سلمية اساسا تجاوز عمرها العام. ولكن من الممكن ان يكون قبول النظام المتأخر والملتوي لخطة كوفي عنان ناجما عن الصعود القوي للجيش السوري الحرّ.
– كيف ولد الجيش السوري الحرّ؟
– بعد ثلاثة اشهر من القمع الدموي المكثف، برز الجيش السوري الحرّ في شهر حزيران من العام الماضي، اثر انشقاق الكولونيل حسين همروش و150 من رجاله في منطقة جسر الشغور. وبعد لجوء هرموش ورفاقه الى تركيا، انضم اليهم الكولونيل رياض الاسعد، الذي تسلّم القيادة باسم حركة الضباط الاحرار. ورياض الاسعد اعلن رسميا عن ولائه للمجلس الانتقالي السوري في كانون الاول من العام الماضي، وهو ما زال قائدا لهذا الجيش، حتى بعد انضمام الجنرال مصطفى الشيخ، الأعلى منه رتبة. فالمكتب الاستشاري العسكري الذي انشأه المجلس السوري الانتقالي بهدف ادارة هكذا نوع من النزاع حول الاولوية والقيادة لا يقوم بعمله…
– الجيش السوري الحر، من يمثل؟
– غالبية المجموعات الناشطة في سوريا لا تنتمي له الا رمزيا. ولكن الافواج الرئيسية الثلاثة تابعة له وتأتمر بأوامره. الفوج الاول، واسمه “فوج هرموش” تخليدا لذكرى اول منشق عن الجيش الرسمي، الذي اختطفه النظام في ايلول من العام الماضي واعدمه بعد ذلك بأربعة اشهر، هذا الفوج المؤلف من 150 رجلا ينشط في الشمال الغربي من سوريا، في جبل الزاوية تحديدا. هناك ايضا فوج خالد بن وليد، وهو اسم احد صحابة الرسول محمد، وقد ضم سوريا الى الاسلام عام 636 ميلادية، ودفن في مدينة حمص عام 642. يضم هذا الفوج 3000 مقاتل، وقد جرت عمليته العسكرية الاولى ضد قوات النظام في ايلول الماضي، في الرستن، بالقرب من حمص. كتيبة “الفاروق”، المنبثقة عنه، نشطت في حي بابا عمرو، احد احياء مدينة حمص؛ هناك اخيرا فوج “العمري”، الذي يضم بضعة مئات من المقاتلين في محافظة درعا. وهو اتخذ اسم اهم مسجد في مدينة درعا. اما الوحدات المتمردة الناشطة في دمشق، وحتى في حماه، فهي منضوية تحت الراية “الوطنية” للجيش السوري الحرّ، ولكن لا يبدو انها تتلقى منه المال او السلاح. وكما يحصل في مجالات اخرى من الثورة السورية، فان المهم هو الجذور المحلية لهؤلاء الرجال، وارتباطهم بشخصيات معترف بها. علينا ايضا الاشارة الى ان عناصر الجيش السوري الحرّ انسحبت بشكل منظم بعدما “أعاد” النظام “سيطرته” الدموية على حمص وادلب في شباط آذار الماضيين؛ ما يدعو الى الاعتقاد بأن “انتصارات” النظام العسكرية يمكن نعتها بكل الصفات، الا صفة الدوام.
– المجموعات السلفية، من تمثل؟
– ان المقاتلين السلفيين، وهم لا يمتون بأية صلة للجيش السوري الحرّ، تأكد وجودهم في الأشهر الاخيرة، وهم قادمون من العراق او من شمال لبنان. وانخراطهم هو بمثابة الاجابة الجهادية على تدخل “مستشارين” ايرانيين في المعركة لصالح النظام السوري. قوات بشار الاسد ساندتها ايضا ميليشيات مختلفة، من حزب الله اللبناني (الذي تراجع عن التزامه هذا)، ومن ميليشيات عراقية، كان عددها يتزايد كلما كان المالكي، رئيس الوزراء العراقي، يشدد على تضامنه مع النظام. اننا في قلب الكباش المذهبي، السني (السعودية) الشيعي (ايران). ولكن علينا الاشارة ايضا الى ان بشار الاسد نفسه “شيّع” قمعه لشعبه قبل ان تتسلل هذه المجموعات السلفية الى اراضي سوريا. ان تصريحات ايمن الظواهري و”القاعدة المركزية” ليس لها اساس، ولكن اجهزة المخابرات الاميركية تبرزها، في سياق مقاومتها لأي تدخل من جانبها في سوريا. الا ان من الممكن ان تكون هناك مجموعات، سورية او عراقية، تابعة للـ”قاعدة” تحت اسم “جبهة النصرة”، وقد تكون هي التي قامت ببعض الهجمات والتفجيرات.
– ما هي خطورة صعود الجيس السوري الحرّ على الثورة السورية؟
– بصورة عامة، ان معضلة الجيش السوري الحرّ هي سياسية قبل ان تكون عسكرية: اذ ان اية اشارة الى البعد العسكري للثورة ضد بشار قد تخل بصدقية هذه الثورة تجاه مشروع الامم المتحدة المتمثل بمبعوثها الحالي كوفي عنان، فضلا عن انها تؤجج الانقسام المذهبي. ان همّ الانتصار العسكري لدى الجيش السوري الحرّ ضئيل امام طموحه الرامي الى خلق مجالات انشقاق داخلية تنسف الاسس التي يقوم عليها النظام. ولكن كلما دامت مرحلة ما بعد بشار الانتقالية، كلما سهل تسلل المجموعات الجهادية. واذا فهمنا حرفيا “الكلام الروسي” حول اخطار المجموعات الجهادية، فنحن امام خلاصة واحدة لا غير: ضرورة تسريع رحيل الاسد. فامام عدو لايملك الا الرعب، فان الثورة السورية تملك العدد والوقت والمجالات. ان سقوط بشار لا ريب فيه. ولكن درجة عسكرة عملية اسقاطه سوف تحدد وجه سوريا المقبل.