معضلة “جبهة النصرة”
انّـا ماريـا لوكـا
يعقّد وجود “جبهة النصرة” في سوريا – ونجاحاتها العسكرية – محاولات الدول الغربية تسليح الثوار السوريين. ففي حين قد تضغط كل من فرنسا وبريطانيا العظمى على الجيش السوري الحر والإئتلاف الوطني لوقف تعاونهما مع الجهاديين، فإنّ بعض الفرقاء في المعارضة وكذلك المقاتلين في الميدان غير مستعدين للتخلّي عن العون الذي تمدّهم به “جبهة النصرة” في ساحة القتال.
رحّبت العديد من الأصوات في المعارضة السورية بإعلان فرنسا والمملكة المتحدة المزدوج في آذار الماضي عن استعدادهما لتسليح الثوار السوريين، وأنهما ستحاولان رفع الحظر على إرسال الأسلحة الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على سوريا. وقد فشلت محاولتهما، ومع ذلك قال وزيرا خارجية البلدين في حينها إنّهما سيبقيان على موقفهما، وسيستخدمان حقهما في نقض أي قرار للاتحاد الأوروبي لتمديد حظر الأسلحة المفروض على سوريا، إلاّ أنّ فرنسا لم تعد واثقة تماماً من اتخاذها مثل هذا الموقف.
“علينا أن نعطي جواباً في نهاية شهر أيار. وحتى ذلك الوقت، لا أستطيع أن أجيب بـ “نعم” أو “لا”، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. “لن نعطي أسلحة إن كانت ستصل الى المتطرفين في المعارضة”، أضاف. وممّا قاله إنّ فرنسا كانت بحاجة لأن تعرف مع من ستتعامل. “لدينا اجتماع في لندن الأسبوع المقبل، وقد طلبنا من معاذ الخطيب [رئيس المعارضة السورية لحين استقالته منذ أسبوعين]، وغسان هيتو [رئيس الوزراء الذي كلّفه الإئتلاف الوطني السوري برئاسة الحكومة الانتقالية] وسليم إدريس [رئيس أركان الجيش السوري الحر] الحضور”.
يُعتبر الجيش السوري الحر، المؤلّف من منشقين عن الجيش السوري النظامي ومن مدنيين حملوا السلاح، أبرز قوة مسلّحة تحارب الجيش السوري والميليشيات الموالية للنظام. وكان يُنظر إليه كقوّة معتدلة. غير أن بروز “جبهة النصرة” الجهادية كجزء من المعارضة السورية، ونجاحها كقوة مقاتلة في الصراع الدائر، هي على الأرجح السبب في هذا التردّد من قبل الدول الغربية.
وقد أعلنت “جبهة النصرة” بقيادة أبو محمد الجولاني عن نفسها في 23 كانون الثاني 2012. وصنفتها الولايات المتحدة في كانون الأول من العام الماضي كمنظمة إرهابية، بعد سلسلة من العمليات الانتحارية في أنحاء سوريا. ووفقاً لدراسة شاملة أعدّتها مؤسسة الأبحاث المناهضة للتطرّف Quiliam ومقرّها في لندن، تضم “جبهة النصرة” قرابة 5000 عضو بالإضافة الى بضعة آلاف من المقاتلين التابعين لها دون أن ينضموا الى صفوفها والمنتشرين في كافة أنحاء سوريا. ويأتي معظم أعضاء “جبهة النصرة” من شبكة “القاعدة” الجهادية السابقة في العراق، التي أسّسها أبو مصعب الزرقاوي. حيث تمّ إرسال المواطنين السوريين الذين كانوا الى جانب الزرقاوي على الحدود الإيرانية/ الباكستانية- حيث كان يعمل لفترة من الزمن- الى سوريا لإنشاء شبكات وإيجاد أماكن للاختباء. وفي ذلك الوقت، لم تكتف الحكومة السورية في التساهل مع هذه العمليات بل قامت كذلك بتمويلها. وبعد عام 2007، عندما قامت دمشق بتعديل سياستها الخارجية في العراق، أوقفت دعمها للحركات الجهادية. وعندما بدأت الثورة السورية، قرّر القادة الجهاديون في العراق أن يشاركوا في الصراع في سوريا.
وفقاً لدراسة Quilliam، فإنّ هدف “جبهة النصرة” النهائي هو إسقاط نظام الأسد وإقامة دولة إسلامية في سوريا وخلافة في المشرق. الخطوة التالية بعد سقوط الأسد ستكون حرباً مع باقي قوى المعارضة من أجل السيطرة على سوريا.
قد يروّع وجود “جبهة النصرة” في سوريا المتبرعين الغربيين المحتملين، ولكنّه بيّن لباقي المعارضة اندفاعها في الفوز بمعارك مهمة ضد النظام على كافة خطوط الجبهة: فقد حارب مقاتلوها الى جانب الجيش السوري الحر، ومن بينها إدلب وحلب، وساعدوا على احتلال قاعدة جيش الشيخ سليمان، واغتالوا وزير الداخلية آصف شوكت. ولكنّهم قاموا كذلك بإعدام صحافيين، وحرق متاجر لبيع الكحول، وفرضوا قانون الشريعة في بعض البلدات التي سيطروا عليها.
لم يستطع موقع NOW الوصول الى قيادة الجيش السوري الحر للحصول على تعليقها، غير أنّ أحد المنشقين السوريين في لبنان قال لـ NOW شرط عدم ذكر اسمه إنّه رغم عدم موافقة العديد على آراء “شباب النصرة” المتطرفة، فقد أحدث الجهاديون فرقاً كبيراً في معركة حلب. “إنهم يقاتلون في الحرب نفسها، إنهم على نفس الجبهة. بالإضافة الى ذلك، فقد خذلنا الغرب والولايات المتحدة مرّات عدة”، أشار قائلاً.
داخل الإئتلاف الوطني السوري، الأطراف ليست كلها مستعدة لمقايضة دعم جبهة النصرة بالمساعدة العسكرية من قبل البلدان الغربية، بغض النظر عن مدى أهمية وحيوية مثل هذه المساعدة بالنسبة للثورة ضد الأسد. “لقد جمعنا المعارضة المسلحة [فيما بينها جبهة النصرة] تحت قيادة واحدة، هي الجيش السوري الحر. يُظهر التصريح الفرنسي أنّهم لا يريدون التعاون مع المعارضة الموحّدة”، قال العضو في “الإخوان المسلمون” [الجماعة الإسلامية] السورية محمد سارنيني لـ NOW. “نحتاج الى دعم أي كان يحاول إسقاط نظام الأسد”، أضاف.
ساهمت يارا شحيد في إعداد هذه المقالة.
موقع لبنان الآن