مع أنّ الثمن كبير…/سمير العيطة
بعد انطلاق الثورة السوريّة كانت مصر هي الوجهة المفضّلة لدى السوريين للجوء والنشاط السياسيّ. كان هذا البلد قد أعطى المثال عبر إطاحته السلميّة والسريعة بالسلطة القائمة ورفض جيشه إطلاق النار على المتظاهرين. كما بقيت مصر على مسافة واحدة من جميع أطياف المعارضة، ودون قطيعة كاملة مع النظام السوريّ، ممّا وفّر مساحة كبيرة للحريّة والتواصل والنقاش والتحرّك. وفي مصر بالذات جرت محاولات توحيد المعارضة، خاصّة لتواجد الجامعة العربيّة على أراضيها.
لكنّ التطوّرات المصريّة أوصدت أبواب هذه البلد أمام السوريين، وما كان إجراءً مؤقتاً من جرّاء مشاركة بعض الناشطين إلى جانب إخوان مصر أضحى عقوبة جماعيّة. وخسر المثال من طوباويّته التبسيطيّة، فقد انقسم المصريوّن فريقين وتواجه الجيش والدولة مع فريقٍ منهم.
بقي لبنان بحكم التاريخ والجغرافيا وجهة طبيعيّة للسوريين. إلاّ أنّه كان على اللاجئين الخضوع للاصطفافات الطائفيّة والسياسيّة والميليشيويّة للبنانيين، لولا أنّ الحراك الاجتماعي كان الأنشط لاحتضانهم ومعونتهم. وبقي الحراك السياسي السوري هناك ضيّقاً من جرّاء التخوّف من هيمنة أنصار السلطة السوريّة على الأجهزة الأمنيّة، بل إنّ الأمن العام اللبناني بات اليوم يقوم ببعض الممارسات التنكيليّة مثل تخريب وثائق هويّة السوريين عند عبورهم الحدود. رغم ذلك، جرت بعض الاجتماعات الحواريّة المهمّة خاصّة على المستوى الشبابيّ، لكن إمكان استمرارها في المستقبل ليس واضحاً.
وفي الأردن خضع السوريّون لسيطرة دقيقة لأجهزة الأمن، لجوءاً أو حراكاً عسكريّاً عندما قرّر هذا البلد أن يكون قاعدة لذلك. دون أن يشهد في الواقع أيّ نشاط سياسيّ سوريّ يذكر. كما أنّ الوضع الأمني الداخلي لا يسمح للعراق باستضافة النشاط السياسي السوري، اللهم إلاّ في كردستان العراق، التي بقيت بوتقة لجزءٍ من هذا النشاط، الكرديّ بامتياز وليس نشاطاً جامعاً.
أمّا تركيا فقد اصطفّت مع أحد أطياف المعارضة وكانت ساهمت في تشكيله وفي انغلاقه على ذاته. كما كانت القاعدة الأساسيّة لتوريد السلاح وكذلك التنظيمات المتطرّفة، والإغاثة. لكنّها خاطرت كثيراً بتوازناتها الداخليّة عندما جعلت من لواء الاسكندرون مركز اللجوء والممرّ الرئيس. إلاّ أنّها نقلت اليوم كلّ هذا إلى عينتاب، بحيث بدت هذه المدينة “الغازية” عاصمة لسوريا أخرى، تتمركز فيها النشاطات السياسيّة والعسكريّة والإغاثيّة. لكنّ عينتاب ليست حلب، وطرقها ليست سالكة أمام ناشطي المناطق التي يسيطر عليها النظام.
فأيّ مكانٍ بقي للسوريين حتّى يعملوا من أجل وقف الحرب واستعادة أهداف الثورة ووحدة وطنهم؟ لا شكّ داخل وطنهم، كما يفعل المصريّون… مع أنّ الثمن كبير.