مع خلط الأوراق بعد إسقاط حكم “الاخوان” التداعيات المصرية تبعد جنيف 2 أكثر فأكثر؟
روزانا بومنصف
على رغم ان حلفاء كثرا للولايات المتحدة باتوا أخيراً يبدون مآخذ متصاعدة ازاء اسلوب غير جدي في التعامل مع الازمة السورية بما يحملها في رأيهم ما اصاب دول المنطقة من تخريب تبعا لتمادي هذه الازمة ودخول دول وعوامل كثيرة على الخط، فان اداء هذه الادارة حيال التطورات المصرية كان مفاجئا الى حد كبير. اذ يعتبر هؤلاء خصوصا من بين المحبذين لرحيل “الاخوان المسلمين” عن السلطة ان رد الفعل الاميركي غير الواضح والصريح على ما حصل كان مشجعا في شكل من الاشكال لبلبلة في المواقف الدولية من “الانقلاب” الشعبي الواسع على حكم “الاخوان” خصوصا ان مصر تعتبر مجالا رحبا مميزا للمصالح الاميركية في المنطقة، الامر الذي ارتد على الداخل المصري باعتبار ان الانقسامات في المواقف الدولية على شرعية ما حصل او عدم شرعيته فتحت الباب امام توظيف الافرقاء الداخليين المواقف الدولية في مصلحتهم، وربما مهد ذلك او ساعد في ترجمة صراع داخلي يخشى البعض تحوله حربا اهلية على خلفية قوى دولية داعمة لرحيل “الاخوان” واخرى معترضة على هذا الرحيل على رغم الاقتناع بان وجود الجيش في المقلب الآخر يفقد الاخوان القدرة على الحكم ولو استعادوا السلطة. ومع التعاطي المتردد والمرتبك للادارة الاميركية ازاء تطور الاحداث في مصر والتي خلص في نتيجتها كثيرون الى عدم فهم ما تريده الادارة فعلا، هل تود عودة محمد مرسي و”الاخوان” الى السلطة ام تحبذ خيارا اخر، فان احباطا متزايدا اصاب المتابعين المهتمين بالشأن السوري انطلاقا من اقتناع راسخ بانه اذا كان هذا النوع من الارتباك يواجه الاميركيين في مصر وما يفترض ان تعنيه مصر للولايات المتحدة في ظل الحرص على معاهدة السلام بينها وبين اسرائيل، فان الامر يكشف اكثر فاكثر عجز الولايات المتحدة وتخبطها ازاء انهاء الحرب السورية. ولا يتصل ذلك بالانتقادات الاميركية الاعلامية للرئيس الاميركي باراك اوباما وتوجهه الى لعب الغولف بينما تشهد مصر ما تشهد او كذلك انتقادات وزير الخارجية جون كيري وتمضيته وقتا على متن قاربه بالتزامن مع التطورات المصرية، بل تتصل بانكشاف غياب سياسة اميركية للتعامل مع احداث دول المنطقة على رغم مرور اكثر من عامين حتى الآن على انطلاق ما سمي بثورات “الربيع العربي”، وعدم وجود رؤية اميركية لتطور الامور او تحسبا لها او على الاقل في اطار المواكبة الصحيحة ايضا.
وسرقت التطورات المصرية الاضواء من الاجتماع الاخير لكيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في بروناي على هامش منتدى رابطة دول جنوب شرقي آسيا، وهو السابع بينهما منذ تسلم كيري منصبه في كانون الثاني الماضي اي بمعدل اجتماع كل شهر من الاشهر الماضية، وقد اكد فيه كيري اننا “اتفقنا على التعامل بجدية اكبر مع الملف السوري”. والمرجح بالنسبة الى المراقبين المهتمين ان يسرق مآل التطورات المصرية المتفاعلة الاضواء اكثر من امام الاهتمام الدولي، خصوصا الاميركي الروسي بالازمة السورية بحيث يتوقع ان يرجأ مؤتمر جنيف 2 الى امد غير منظور، بعدما اوحى مسؤولون روس واميركيون ان هذا المؤتمر قد يعقد في الخريف المقبل بعدما فشل تنظيم انعقاده في نهاية ايار او مطلع حزيران المنصرم. فالعوامل الخلافية الدولية لا تزال قوية على الازمة السورية. وكان الموقف الاخير للوزير كيري رسم سقفا يتعدى ما يجري على الارض من خلال قوله “ان التسوية السلمية بصرف النظر عما يحصل في حمص او في اي مكان اخر هي الطريقة الوحيدة لمحاولة انقاذ سوريا”، مما يعني ادراكه ان دماء كثيرة ستبقى تسيل حتى الوصول الى اوان التسوية. الا ان الارجاء المحتمل يخشى ان يقع في رأي هؤلاء المهتمين تحت وطأة جملة عوامل اضافية جديدة، من بينها الحاجة الملحة الى معالجة المسائل الطارئة أولا بأول، خصوصا انه لا يتوقع ان تنتهي التطورات في مصر قريبا، فضلا عن ان الطريقة التي ستنتهي بها الاجراءات الاخيرة التي اتخذت ستترك اثرها البالغ في دول المنطقة. اضف الى ذلك الاعتقاد بان الوضع في مصر سيترك تداعياته الكبيرة على جملة مسائل في المنطقة، بحيث يتعذر من الآن ادراكها ما لم تكن هناك خطوات استباقية لتجنب بعض هذه التداعيات. وما يتصل بسوريا ليس بعيدا من هذه التداعيات، خصوصا انه تجلى في شكل واضح في اجتماع ائتلاف المعارضة السورية في اسطنبول غداة التطورات المصرية من اجل انتخاب رئيس له، علما ان الاخوان المسلمين يشكلون مكونا رئيسيا من مكونات المعارضة السورية. وتاليا ان الضربة التي وجهت لتنظيم الاخوان في مصر لها انعكاساتها على تنظيم “الاخوان” في سوريا التي سارع نظامها الى توظيف ما حصل في مصر في خانة مصلحته المباشرة، اولا من جانب ابعاد الاخوان، ثم من جانب ان المواقف الخارجية الاخيرة للرئيس المصري المعزول ارتبط بقطع العلاقات الديبلوماسية مع النظام السوري واتخاذه مواقف حاسمة داعمة للمعارضة السورية. اضف الى هذه العوامل حصول خلط في الاوراق في المنطقة تبعا للمواقف المتناقضة من ضمن الافرقاء في الصف الواحد مما جرى في مصر، أي الدول العربية الخليجية في ما بينها في شكل خاص وبينها وبين تركيا، فضلا عن ارتباك المواقف في الدول الغربية مما يجري.
النهار