مقالات تناولت الانتخابات الرئاسية اللبنانية وعلاقتها بالوضع السوري
نكبة الموارنة/ غسان شربل
ينظر الموارنة الى المنطقة فيتحسسون أطفالهم. تبخّر مسيحيو العراق. ومسيحيو سورية على الطريق. عدد الكنائس المحترقة في مصر كان قياسياً. سرّع «الربيع العربي» خريف الأقليات. يقلّب الماروني الصحيفة ويخاف. أعلام «القاعدة» ترفرف في اليمن والأنبار وسورية وليبيا والصومال. و «داعش» على مرمى حجر. كلما تذكّر رسالتها للمسيحيين المقيمين تحت سلطتها وحديث الجزية انقبضت أساريره. يُغمض عينيه. سقوط العروبة الحضارية مأساة. هل كان الخوف من الغرق في البحر الشاسع ما دفع ميشال عفلق إلى إطلاق فكرة «البعث»؟ هل كان الخوف نفسه وراء محاولة أنطون سعادة اختراع القلعة السورية لاعتراض الرياح؟ لا الأسئلة تفيد ولا الإجابات سهلة.
هذه أصعب الأيام. يقول ويأكله القلق. سقط التعايش في الإقليم. استؤنفت الحروب القديمة بعدما كمِنَتْ قروناً تحت رمادها. أسقطت الرياح المذهبية الحدود الدولية المصطنعة. جيوشٌ صغيرة متحركة ومقاتلون جوّالون.
كانت العقود الأخيرة قاسية على الموارنة. قاتلوا وقَتَلوا وقُتِلوا. اصطدموا بالسلاح الفلسطيني واستعان بعضهم بـ «الشيطان». تلطخت صورتهم وتزايدت عزلتهم. وحين تقدّمت سورية لإنقاذهم طالبت بثمن باهظ لضمان سلامتهم. وحين اصطدموا بها قلّمت أظافرهم وأصابعهم. اخترعت لهم زعماء ونصّبت لهم رؤساء.
وطأة سورية القوية مشكلة. وطأة سورية المفككة كارثة. ينظر الموارنة بقلق. سورية مهددة بالتحول إلى فيتنام سنّية – شيعية. «حزب الله» يستقبل النعوش العائدة من هناك. وعدد النازحين السوريين إلى لبنان يقترب من ثلث عدد سكانه. مأساة إنسانيّة مروّعة. ومخاوف أمنية وديموغرافية وملامح كارثة اقتصادية. ينظر الموارنة إلى لبنان فيشعرون بالقلق. ما جدوى التاريخ حين تخسر الجغرافيا؟ حروبهم مع الآخرين أتعبتهم. وحروبهم الداخلية أطاحت ما بقي من عناصر قوتهم. يهاجرون ويتقلص حضورهم في الخريطة والدولة والقرار. فقدوا قدرتهم على صناعة الاستقلال. وفقدوا ريادتهم في إبرام تسوية كبرى مع شركائهم تعيد اختراع مبررات الكيان.
يشعر الموارنة باليُتم. للشيعة حزب فولاذي أعاد صياغة الطائفة وموقعها وأحكَمَ ربط مصيرهم بقوة إقليمية صاعدة. للسنّة زعامة قوية، وإن أعوزها السلاح، تمتلك ترسانة علاقات عربية ودولية تمنع شطب دورهم. الموارنة أيتام. الغرب لم يعد مسيحياً وصلوات الفاتيكان لا تكفي.
إنه الأسبوع الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان. والاستحقاق الرئاسي وليمة مسمومة للموارنة والجمهورية معاً. تقلُّص صلاحيات الرئيس لم يُخفِض شراهة السياسيين الموارنة. أنا أو لا أحد. أنا أو نحرق البلد.
أكتبُ عن الزعماء الموارنة ولا أنكر صفتهم التمثيلية. لكنني أخاف من الجروح التي يحملونها في أرواحهم وذاكرتهم بفعل حروبهم مع الآخرين ومن منجم الأحقاد بفعل الحروب بينهم. هذا وافد من الحرب والسجن ومؤتمنٌ على إرث ستة آلاف شهيد. وذاك والد شهيد وشقيق شهيد. وثالث أنجبت حرباه كثيراً من الشهداء. ورابع ابن شهيد ومأساة عائلة كاملة.
أنهكَت لعنة القصر الموارنة. سجّل بشير الجميل سابقة خطرة مفادها ان انتزاع زعامة «الإقليم» المسيحي تضمن الاستيلاء على قصر الرئاسة. وقَعَ ميشال عون وسمير جعجع في إغراء لعبة بشير فسَلَك الموارنة طريق النكبة.
لم يعد لبنان قادراً على احتمال المجازفات. الفراغ سيكون موجعاً للبلاد وقاتلاً للموارنة. الأيام تنفد وعلى الزعماء الموارنة التفكير في حُكم التاريخ. لم يعد لدى الموارنة دمٌ يوزّعونه على حروب زعمائهم. سقوط التعايش والحدود يجعل لبنان بلا معنى ويضع الموارنة على طريق النكبة.
أَدعو عون وجعجع الى خفض الأضرار. إلى التفكير في رجل ثالث يدعمانه على قاعدة برنامج واقعي لإبقاء حلم الدولة حيّاً مع السعي إلى إحياء الشراكة الوطنية. وإذا أصرّ الجنرال على اغتنام «الفرصة الأخيرة» أدعوهما الى الإشفاق على الموارنة والتفكير في قصة جلال طالباني ومسعود بارزاني وفيها قدرٌ من الشبه مع قصتهما. رجل يذهب إلى قصر الرئاسة ويسلّم للآخر بالموقع الأول في الإقليم.
يتغيّر العالم ولا يتغيّر الموارنة. هذه قصتهم ونكبتهم. أكتبُ عنهم إخلاصاً لوهم قديم بأنهم ضرورة لبنانية وعربية. أكتبُ عن زعمائهم لأنهم في الغالب ظالمون ومظلومون ولأنني أعرفهم من الوريد إلى الوريد.
الحياة
البطريرك الراعي ورضا «حزب الله/ حازم صاغية
بغضّ النظر عن طبيعة الزيارة «إلى القدس وبيت لحم»، التي سيقوم بها البطريرك المارونيّ بشارة الراعي، فإنّ سؤالاً مُلحّاً يطرح نفسه علينا:
هل يمكن التعايش في رقعة مساحتها لا تتعدّى الـ 10452 كيلومتراً مربّعاً، ولا يقيم عليها من المواطنين أكثر من أربعة ملايين، صوتان: صوت يريد أن يحرّر القدس وبيت لحم، في عداد ما يريد تحريره، وآخر يزور صاحبه القدس وبيت لحم؟
لا بدّ من أنّ هناك خللاً ما. والخلل هذا كان ليتبدّد لو أنّ «حزب الله»، صاحب المقاومة والتحرير، وقف وقفة صلبة ضدّ زيارة الراعي، بل حتّى لو حاول منعها بالقوّة التي يملكها. لكنّ الحزب لم يفعل، وحسناً أنّه لم يفعل.
لقد اكتفى بكلمات قليلة تقول إنّه غير سعيد بالزيارة هذه، مُرسلاً إلى بكركي وفداً تصرّف بأتمّ اللياقة والتهذيب في تعبيره عن عدم سعادته.
والأمر، والحال هذه، ينطوي على مراعاة غير مألوفة كثيراً من الحزب لواقع الطوائف اللبنانيّة وخياراتها. ولأنّ المراعاة غير مألوفة، خصوصاً حين يكون الحدث زلزاليّاً كما هي حال زيارة الراعي، والتي ستشمل أيضاً «تفقّد» مَن انخرطوا في «جيش لبنان الجنوبيّ»، فإنّ ثمّة ما يدعو إلى التفكير والتمعّن في هذه المراعاة.
فالمؤكّد الذي لا يقبل النقاش أنّ سلوكاً كهذا كان ليستحيل قبل 2005، حين كانت القوّات السوريّة في لبنان. لكنْ من المؤكّد أيضاً أنّه كان ليستحيل قبل 2011، حين كانت بوّابة الموضوع الإسرائيليّ المَعبَر الأهمّ، بل الأوحد، لخدمة المصالح الطائفيّة التي يرعاها «حزب الله»، معطوفةً على خدمة المصالح الإيرانيّة في المشرق العربيّ. أمّا بعد قيام الثورة السوريّة، فصارت البوّابة السوريّة هذا المَعبَر. فاليوم تُرسم في دمشق، لا في تلّ أبيب، صورة العلاقة بين الطوائف والجماعات، وفيها يقوى الجسر الإيرانيّ إلى منطقتنا أو ينهار.
أبعد من ذلك أنّ تبدّل الأولويّات هذا، وما استجرّه من سياسة المراعاة للطوائف، أو لبعضها، يوفّران حجّة أخرى للقائلين إنّ مقاومة «حزب الله» لم تكن إلاّ ذريعة لتمكين الطائفة ولتعزيز رعاتها الإقليميّين. ولطالما كانت فلسطين الموسيقى السهلة التي يرقص على نغمها من تودّ سوريّة «القويّة» ترقيصه. فحينما انهار الموقع السوريّ تحوّلت حلبة الرقص عن فلسطين.
هكذا يخذل «حزب الله» أفراداً بسطاء تحلّقوا حوله لأنّه «يقاوم إسرائيل»، مثلما تخذل الحقيقةُ الأوهام. ويُترك هؤلاء يقاتلون طائفة كبرى، غير مدعومين بطائفة كبرى، ظانّين أنّهم يحظون بمباركة «الجماهير» التي تأتي من خارج الطوائف، أي من خارج الواقع والوقائع، أي لا تأتي.
وفي هذا، على عمومه، درس مفاده أنّ قضيّة فلسطين إنّما صُنّعت وجُعلت قضيّة جوهرانيّة لا حلّ لها لأنّ سوريّة العسكريّة كانت تريدها هكذا، فتستخدمها كي تخنق شعبها وتضع يدها على لبنان وتُخضع الفلسطينيّين وتهدّد الأردنيّين…
والأبرياء الذين صدّقوا العسكر السوريّ، الذي تلازم صعوده السياسيّ مع نكبة فلسطين، صدّقوا أيضاً «حزب الله». لكنّ هؤلاء لم ينتبهوا إلى أنّ آباءهم في الخمسينات والستينات انقرضوا تماماً: ذاك أنّ الآباء كانوا فعلاً الجماهير لأنّ الزمن العسكريّ حينذاك كان يكبح البلدان والجماعات ويضع دواخلها في ثلاّجة مُحكمة الإغلاق، فلا يتيح للحناجر أن تصدح إلاّ بفلسطين. أمّا وقد استيقظت تلك الدواخل، بالوطنيّ فيها كما بالطائفيّ والعشائريّ، فقد صرنا في مكان آخر يتوهّم الأبناء فيه أنّهم… جماهير.
وفي هذه الغضون يستأنف البعض كذبهم في استغلال فلسطين، والبعض الأصغر بَلهَهم بطوبى فلسطين، فيما يتهيّأ الراعي لزيارة قد لا نستطيع اليوم أن نتخيّل دلالاتها البعيدة.
الحياة
“حزب الله” لا يريد عون/ حـازم الأميـن
صار من شبه المحسوم أن أكثر المتخوفين من وصول ميشال عون الى بعبدا هما نبيه بري ووليد جنبلاط. فالرجلان ارتعدا من الإشارات “غير السلبية” التي أرسلها سعد الحريري إلى الرابية. ويبدو أن “مسيحيّاً قوياً” أيقظ ذاكرات كانت طوتها سنوات الانقسام المستجد (الشيعي والسنّي). جنبلاط يُمثّل له عون استيقاظ الطموحات المسيحية بتصدر التمثيل الجبلي، وبري بدأ يستشف طموحات نفطية لدى الجنرال وصهره.
الحريري التقط على ما يبدو ذبذبات التوتر، فقال للزعيمين الشيعي والدرزي، عليكما أن تخوضا معركة رفض الجنرال وأن تدفعا ثمنها، في حين يُراهن صاحبا المعركة على أن تأتي تعليمات سعودية لكتلة المستقبل برفض ترشيح الجنرال، فيتخففا هما من دفع الأثمان.
“حزب الله” من جهته في موقع مُشابه لموقعي جنبلاط وبري، لكنه في وضع أكثر حساسية، فهو حليف الجنرال، لكن وصول الأخير الى الرئاسة خسارة أكيدة له. فبالنسبة إلى الحزب يبدو عون حليفاً لأن طموحه لم يتحقق، وهو أيضاً حليف لأن عُزلة دولية وإقليمية مضروبة حوله. لا شيء مضموناً إذا ما استعاد الجنرال عافيته وإذا ما فُكت العزلة من حوله. ثم إن رئيساً للجمهورية من نوع قائد الجيش مثلاً لا يُضرّ بالحزب، ويُبقي على الحليف المسيحي كما هو، حليفاً ومسانداً ولكن من دون طموحات فعلية في القيادة وفي الشراكة.
مرشّح بري وجنبلاط، على ما يتسرّب من “مجالسهما” اليوم هو النائب روبير غانم، والرجل هو امتداد لنوع من الرؤساء الذين تعاقبوا على كرسي الرئاسة منذ عام 1990، وكانوا الشريك الضعيف في السلطة.
هذا المشهد يوحي فعلاً بوجود فرصة لأن يكون للبنانيين دور حاسم في اختيار رئيسهم. ربما مثّل كلٌّ من حسن نصر الله وسعد الحريري إرادات غير لبنانية في تحديد في هذه المسألة، لكنّ الرجلين يُمثلان في نهاية الأمر شيئاً ليس هامشياً في التركيبة اللبنانية.
في السابق كان الرئيس يأتي بقرار سوري كامل. فقد قال غازي كنعان للنواب علناً وفي مناسبة عامة “عليكم أن تصوتوا للتمديد للرئيس الياس الهراوي علناً وبرفع الأيدي”! ففعلوا، وكرر رستم غزالي الأمر نفسه خلال التمديد للرئيس أميل لحود، فكرر نوابنا الأحرار طقس الامتثال.
الأمر مختلف اليوم. وستكون لتبديد الفرصة ارتدادات كبيرة على مستقبل المسيحيين في لبنان، لن تقلّ عمّا أصابهم خلال حربَي الجبل والإلغاء، مع فارق يتمثل في أنهم هذه المرة سيتحملون هم مسؤولية تبديد الفرصة أكثر من غيرهم. الانقسام قاتل فعلاً هذه المرة، والعلاقة المستحيلة بين سمير جعجع وميشال عون ستكون مسؤولة عن انتكاسة جديدة في مستقبل الجماعة.
يقول قطب في “8 آذار” إن الحريري طلب من عون التزامات خطية تجاه جعجع حتى يسعى لإقناعه بتسوية. ويبدو أن هذه “التسريبة” هدفها القول إن عون سيكون رئيساً مقيداً بالتزامات خطية تجاه جعجع ولن يكون مرشح “8 آذار”، فهو مرشحها إذا كان مقيداً بتفاهم “مار مخايل”.
جعجع محق في طلب ضمانات خطية، فتاريخ العلاقة بين الرجلين يستدعي هذا الطلب. وعلى عون أن يكون مقيداً بضمانات لرجل لن يكون رئيساً من دون تسوية معه. هذا حرفياً ما ستبني عليه “8 آذار” رفضها عون رئيساً.
وفي النهاية يبدو أن التسوية مستحيلة، وكاتب هذه السطور ما إن يذهب بسيناريو وصول عون إلى بعبدا إلى آخره، حتى يختنق بمشهد العونيين هناك، ثم يعود ويتنفس الصعداء عندما يشعر بصعوبة أن يتحقق هذا السيناريو الخيالي.
التسوية صعبة الى حد الإختناق… لكنها ضرورية.
موقع لبنان ناو
تمرينات قاتلة لبنانية – سورية/ أحمد جابر
في سورية، فتح اللبنانيون ميدان تمارين قاتلة، حملوا ما تيسر لهم من ذخيرة ماضية، وأضافوا إليها من حيثيات وجودهم في مسرح القتال السوري، ذخائر وأسلحة جديدة. فوق ذلك المسرح، الذي ظنه بعضهم بعيداً، أفلت العنف الذي كان مضبوط الإيقاع في الديار اللبنانية، وحيث ظن كثيرون أن الخراب يعمُّ في بلاد أجنبية، عاد أولئك ليكتشفوا، أن زلزال الخراب أصاب بلدهم بارتداداته.
لم يكن الذهاب للقتال في سورية موقفاً سياسياً آنياً، استدعى وراكم مواقف أخرى. لقد كان الانضمام إلى الصراع السوري، قراراً واعياً استوفى شروط نقاشه، وأعدت له كل لزوميات تنفيذه، وأجريت لتداعياته المرتقبة كل الحسابات. هذا لا يتعارض مع القول، إنه ليس بالضرورة أن يتطابق «حساب حقل السياسة، مع بيدر نتائجها»، ولعل ما هو واضح حتى الآن، أن المفارقة هي التي تحكم منطق الدخول إلى المستنقع السوري، بالقياس إلى ما قاد إليه هذا المنطق من نتائج سلبية.
أخطار كثيرة عادت لتتقدم واجهة الاحتمالات اللبنانية، تنطلق من السياسي لتلامس المصيري. بعضها كان كامناً، فإذا ما أطل فعلى التباس أو تدوير زوايا، وبعضها ربما كان قد سلك طريق الاستكانة والتفكير في البحث عن مخارج جديدة، للمعضلات القديمة المزمنة، لكن كل ذلك عاد إلى ما قبل التأسيس الاستقلالي، بعد أن ظهر جلياً، أن المجموعات اللبنانية لا تكمن إلا في انتظار تحديد ساعة الخروج، وأن ما يبدو هدوءاً في أحوالها وفي مسالكها، لا يعدو كونه فترة تحضير وإعداد للذات الأهلية، التي ما إن تستشعر قوة لديها، ووهناً لدى «جيرانها»، حتى تخرج على الجميع شاهرة سيوف مطالبها الخاصة، التي لم تحمل في الحالة اللبنانية، إلا الاضطراب العام بوجهيه السلمي والحربي. السؤال عن الوطنية اللبنانية، كإطار تساكن جامع، وكجملة من البديهيات المتعارف عليها والمعترف بها، باتت الإجابة عنه صعبة. فلقد أصاب التمرين اللبناني المتمادي في سورية، بنية الوطنية الهشة، بدمار إضافي. صار من الصعب أكثر، تعريف اللبنانيين، تعريفاً غير مسبوق باسم الطائفة، وباسم المذهب، ومع التعريف الصعب، بات أمراً شديد التعقيد، التقيد فقط بذكر المذهب، دون إلحاقه بنعوت شتى، من ضمنها تسليم الشأن الوطني للإدارة الخارجية، وجعل أبناء المذهب المحدد، جزءاً من المشاريع السياسية العامة لهذه الإدارة. ماذا يعني ذلك غير «الخيانة»؟ أليس كل تنفيذ لإرادة خارجية، وكل ارتباط بها، على أي وجه من الوجوه، هو تعامل مع أجنبي؟ على هذه الصورة، يتقاذف اللبنانيون كرة الخيانة، بما هي استدعاء الأجنبي أو الالتحاق به، ولأن سورية اليوم، ملعب خارجي بامتياز، فإن «الخونة اللبنانيين»، لا يجدون حرجاً في رميهم بهذه التهمة، ولا يعدمون وسيلة لدفعها، بالشروح الوطنية والإسلامية والثورة والمقاومة، وصولاً إلى قاموس الحرية والديموقراطية وسائر المفردات.
على ما تقدم، وإذا كانت مسألة الانتماء على مكان ما، فكرة تأسيسية، يمكن القول إن التأسيس اللبناني الأولي، يعيش على خط الزلازل الداهمة، ولا يخفى أن فكرة الكيان في لبنان تنهل من مصادر عدة، باتت تحتل في وجدان طوائف «كيانية» مرتبة «الإيديولوجيا»، لذلك فإن الواقع الحالي يكاد يمسّ مسّاً حقيقياً مكونات الفكرة، التي تجعل من الذين يعيشون في كنف الجغرافيا الخاصة بها، أعداء «تأسيسيين» على صعيد إيديولوجي، وعلى مختلف أصعدة الحياة اليومية، بأسئلتها الشائكة، وبحلولها المفتوحة على اللا حلول.
في ظل ذلك، ماذا تصير السياسة؟ ليس أكثر من مذاهب دينية وطائفية، وكيف يكون الاجتماع؟ لا يذهب أمره أبعد من «مناطق التجميع»، التي يتداخل سكن أفرادها، بحكم الموروث الديموغرافي، ولا يشترك وارثو السكنى، بالكثير من مقتضيات التساكن. من الواضح أن السياسة تصبح عصية على النفاد ضمن هذه «التجميعات»، لأن السياسة، على معناها العام، تظل غريبة عن البيئات الحصينة، التي لا تنتج إلا حصاناتها الدينية والمذهبية.
لوحة التباعد، التي تتضمن الفكرة والسياسة والاجتماع، تقترب من تثبيت خطوط الافتراق الواقعي، الذي يلزمه الكثير ليصير افتراقاً عملياً، وتواجه صعوبات وتعقيدات في الوصول إلى هذه الصيرورة، لكن ذلك لا يلغي أن الافتراق بات فكرة مطروحة، من ضمن أفكار أخرى!. هذا يعود ليستحضر السؤال مجدداً: ما هذه الكيانية التي تعود لتواجه مصيرها عند كل مفترق؟ وكم يستوعب أبناء هذه الكيانية، معنى المسالك الخطرة التي تقود إلى هذه المواجهة؟ ولماذا يقدمون دائماً على السير في المسالك ذاتها التي جرى تجريبها؟!
لقد أدّى الجهر العالي بإثبات الذات، إلى التقليل من شأن الذوات الأهلية الأخرى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أعيد تعريف الآخر في البلد، من خلال قربه أو بعده، من هذه الطائفية أو تلك المذهبية. والتعريف، في وضعية التباعد والتنابذ، لا يتوقف كثيراً عند الموقف السياسي المختلف، بل يتجاوزه إلى صفات الآخر، فيسقطه أخلاقياً ومعرفياً… ليوحي أنه يسقطه وجودياً، أي يستبعده كفعل حاصل في الوجود، وكذات لها مقومات كينونتها، وضرورات استمرارها وأشكال تعبيراتها.
لقد بدأ محو الآخر اللبناني من جديد، عندما انخرط اللبنانيون في محو الآخر السوري. كان السوريون الآخرون «شخوصاً» في حقل رماية. هناك، في سورية، قتل كل لبناني عدوه الذي أراد قتله هنا. فوق الأرض السورية، ذهبت «الهويات» في مهمة إفناء متبادل، على أمل بأن يعود المحاربون، فلا يجدون في الديار… إلاّ أشباههم، لكن عندما يعود الأشباه من تمريناتهم القاتلة، لن يجدوا «اللبنانية»، وسيكون أشباه اللبنانيين، في مواجهة مفتوحة مع الذين شُبّه لهم، من الأغيار!
* كاتب لبناني
الحياة
المصلحة الشخصية بين الأسد وسليمان/ وليد شقير
يغادر الرئيس اللبناني ميشال سليمان القصر الرئاسي عصر غد السبت إلى منزله فيما يتهيأ الرئيس السوري بشار الأسد إلى تنظيم مسرحية تجديد رئاسته بانتخابات شكلية ينظمها بالحديد والنار والبراميل المتفجرة والمجازر المتنقلة، في 3 حزيران (يونيو) المقبل.
لتبرير بقاء الأسد في السلطة أصر مناصروه في لبنان على أن سليمان سعى إلى التمديد، في وقت تثبت الوقائع الفعلية عكس ذلك تماماً، ويذهب بعضهم، من الذين أصابتهم الخيبة من مواقف سليمان خلال السنتين الماضيتين حيال النظام السوري، إلى حد افتعال الفخر بأن الأسد باق في السلطة فيما الرئيس اللبناني ذاهب إلى بيته. وفيما يبرر خصومه اغتباطهم بتلك المفارقة، بأنه راهن على سقوط الأسد، تقول الوقائع إن تدهور علاقته به بدأ عندما اكتشف الأمن اللبناني مخطط سماحة- مملوك صيف 2012 لإحداث تفجيرات في الشمال تتسبب بردود فعل مذهبية.
منذ قرابة السنة قال سليمان في تصريح علني إنه لن يقبل بأي تعديل دستوري للتمديد له إذا لجأ إليه مجلس الوزراء ومجلس النواب، «لأني طعنت بدستورية قانون التمديد للبرلمان فكيف أقبل بالتمديد لي؟». وفي خريف 2013 طرح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على سليمان التمديد (حين التقاه في نيس)، فكان جوابه أنه مناقض للدستور، وكرر هولاند الفكرة في 5 آذار (مارس) الماضي على هامش اجتماع مجموعة الدعم الدولية في باريس، فكان جواب سليمان أنه بين التمديد وبين المواقف التي يعلنها (في شأن تدخل «حزب الله» في سورية ومسألة السلاح وحصرية الإمرة عليه بالدولة…) «أفضِّل أن أستمر في اتخاذ المواقف التي أعلنها». وفي الأسبوعين الماضيين طرحت غير جهة، من البطريرك الماروني بشارة الراعي (بتأييد من المطارنة) إلى سفراء، ومنهم الأميركي ديفيد هيل (قبل 3 أيام)، على الرئيس اللبناني أن يقبل بالتمديد كمخرج من الفراغ المحتم ولتفادي انعكاساته السلبية على المؤسسات في ظل العجز عن التوافق على انتخاب الرئيس الجديد، فكان جوابه أن الأمر غير وارد بالنسبة إليه حتى لو كان بصيغة تعديل دستوري لمرة واحدة يبقي الرئيس في حالة تصريف الأعمال إلى أن يُنتخب خلفه.
دأب سليمان خلال الأشهر الماضية على القول لبعض المقربين منه، من الذين لم يقتنعوا أنه سيذهب إلى النهاية في رفضه التمديد، حين رفعوا بوجهه حجة «مصلحة البلد»: «سأفعل ما تمليه علي مصلحتي الشخصية بعد أن قمت بما أراه مصلحة البلد خلال 6 سنوات، ومصلحتي السياسية ضد التمديد، وقد أسسست ما يكفي للذي سيأتي من بعدي كي يستند إلى ثوابت من أجل النهوض بالدولة، خصوصاً في مسألة السلاح، الذي لا يمكن أن يبقى على حاله». وقبل أن يطرح هيل فكرة التمديد على العماد ميشال عون ليرفضها، وقبل أن يتداول البعض فكرة اتصال بعض الدول بالجانب الإيراني كي يقنع «حزب الله» بالتمديد في انتظار الوصول إلى تسوية على الرئيس العتيد، كان سليمان يردد أمام مقربين منه: «من هو الغبي الذي يقبل بالاستمرار في الحكم؟ وماذا أستطيع أن أفعل في ظل هذا الوضع المعقد؟ ألا تدركون أي مشاكل ستفرض نفسها على العهد المقبل، بدءاً من قنبلة النازحين السوريين الموقوتة، إلى بقاء حزب الله في سورية وتفاعلاته السلبية على البلد في ظل قصر يد الدولة؟».
يعتبر سليمان أن معادلة التعايش القسري لسلاح «حزب الله» مع الدولة أفشلت عهده وأقفلت عليه أي إمكان لتحقيق أي إنجاز، وأنه دافع عن كرامة الدولة وكرامته الشخصية بإصراره على تحييد لبنان عبر «إعلان بعبدا» وعلى رفض فوضى السلاح وربط البلد بالمحاور الخارجية وبالأزمة السورية، والبعض ينقل عنه ما يشبه الشفقة على الرئيس المقبل.
هل أن اختلاف مصلحة سليمان الشخصية عن مصلحة الأسد يُحدث فارقاً في السياسة الواقعية؟
بحجة مواجهة مخطط أميركي إسرائيلي، والإرهاب الذي عُمل على تغذيته عبر «داعش» وغيرها، وجد الثاني مصلحته الشخصية في البقاء في السلطة من دون أن يحرجه القول لمعارضيه إنهم إذا أرادوا انتزاعها منه سيأخذونها وسورية مدمرة.
قضت «مصلحة» الأسد التمسك بالرئاسة بأن يسلم سورية بالكامل للإدارة الإيرانية، لتصبح ورقة بعدما كانت تستخدم العلاقة مع طهران ورقة في علاقتها مع الغرب والدول العربية. وفي وقت كان الاسد يصر على الترشح للرئاسة ويرفض قيام حكومة انتقالية في محادثات جنيف-2، ويفشّل الحل السياسي في سورية، كان سليمان يرفض التمديد ويقدم التنازلات من أجل قيام حكومة الرئيس تمام سلام ليضمن تسلمها الرئاسة وفق الدستور، في مرحلة انتقالية، إذا تعذر انتخاب خلفه.
الحياة
ما هو الفراغ؟/ حسام عيتاني
يعتقد المهولون بالفراغ الدستوري أنهم يرفعون في وجه اللبنانيين سلاحاً قاتلاً. وان عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيكون كارثة على الكيان وعلى المواطنين الذين ستتوقف أعمالهم وسيعسر عليهم تدبر أمورهم.
لا كذبة في لبنان أكبر من هذه.
لغوياً، يمكن ان يكون الفراغ عكس الامتلاء. دعونا نتأمل «الامتلاء» الذي يعيشه هذا البلد صاحب المؤسسات الدستورية الشرعية والسيادة الناجزة. لا يخفى عن كل ذي بصر ان الاعوام العشرة الماضية التي بدأت مع التمديد المفروض للرئيس السابق اميل لحود، هي سنوات فراغ بكل معاني الكلمة، رغم وجود رئيس وحكومة ومجلس نيابي وقضاء وأجهزة أمنية وغير ذلك. تَكَرَّس الفراغ وتَعَمَّق بعد اندلاع الازمة الوطنية المستمرة منذ اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري.
لقد أفضى انهيار الوصاية السورية الى شلل كامل في عمل الدولة التي لم تنجح في اقرار حتى موازنتها العامة منذ تسع سنوات وتصرف اعمالها على طريقة المياومة السياسية والاقتصادية. لا مشاريع اصلاح في الافق. لا تغيير سياسياً او اجتماعياً يمكن الحديث عنه. لا حياة، بالمعنى الواسع للكلمة، ههنا. تصريف اعمال وانتظار وتأفف من أمر واقع لا يحول ولا يزول.
في المقابل، لا حرب أهلية قريبة في لبنان لأن العالم ليس في حاجة الى «ساحتنا» في منطقة باتت ساحاتها اعرض من ان تستوعب الصراعات الاقليمية والدولية. ولا وظيفة اقتصادية هنا غير ملء بعض الفراغات في الاقتصاد العربي والعيش على تحويلات اللبنانيين في الخارج.
لقد مضى نصف عهد الرئيس ميشال سليمان، تقريباً، في ترقب تشكيل حكومات ائتلافية تضم القوى السياسية – الطائفية صاحبة الشأن. وفشل «نواب الأمة» في اقرار قانون انتخابات تشريعية فاستمرأوا التمديد لأنفسهم وسط توقعات بارتباط أي انتخابات نيابية مقبلة بالتسوية التي ستأتي برئيس جديد للجمهورية، وإلا فنحن على موعد مع تمديد يعقبه تجديد على النحو الذي فعله نواب مجلس 1972 لأنفسهم فظلوا على مقاعدهم – سعداء – عشرين عاماً بالتمام والكمال.
وفي حال نجح «الفرقاء» ورعاتهم الاجانب في التوافق على رئيس جديد، ما هو مشروعه الواقعي في هذه المرحلة العاصفة في دول الجوار؟ ليس سراً أن الكعكة الوحيدة الموضوعة على المائدة هي كعكة النفط والغاز. ما يُهم اليوم هو الكيفية التي سيجري بها تقاسم غنيمة النفط، بعدما جفت او تكاد تجف الموارد المالية من الغنائم السابقة. الرئيس المسيحي القوي هو الذي ينتزع حصة اكبر من الصفقات المقبلة لمصلحته ومصلحة الأقارب والأتباع. الرئيس الضعيف هو الذي يترك للشركاء في الوطن نصيباً أكبر من نصيبه. هذا الايجاز، على كاريكاتوريته، يدخل في صلب بازار الرئاسة اللبنانية. أما الحديث عن المشاريع والسيادة ومعالجة الأزمات المزمنة فحديث خرافة لا طائل تحته ولا يصدقه حتى الاكثر سذاجة من المواطنين.
فما من مرشح لديه القدرة أو الرغبة في معالجة تفكك الدولة في لبنان وقضمها من قبل قوى الامر الواقع، المسلحة والتي تتوق الى التسلح. وما من مرشح يملك ادنى تصور للخروج من تفاقم الفقر والعوز والتفاوت الفاضح في مستويات المعيشة ومأساة اللاجئين السوريين. وما من مرشح يعي حقاً جسامة التحولات الجارية في المنطقة ويملك فكرة لدرء لبنان عن آثارها. النوايا الحسنة والخطابات البليغة لا تصنع سياسة ولا تؤسس لمستقبل. وهذه بداهة لا يجهلها سياسيونا، لكنهم لا يبالون بها ايضاً.
وإذا كانت هذه صفات «الامتلاء»، فما هو الفراغ؟
الحياة
سورية تجدد للأسد بمن حضر ولبنان يجدد للفراغ!/ عادل مالك
في نهاية هذا اليوم السبت في الثاني والعشرين من أيار (مايو) يصــبح القـــصر الجمهوري في بعبدا (احدى ضواحي بيروت) خالياً من نزلائه: الرئيس ميــشال سليمان وعائلته، وتتوقف نافورة المياه اشارة الى عدم وجود سيد القصر.
وحيث انه لم يتم التفاهم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية فليس هناك من عملية تسلم وتسليم بين رئيس خارج انتهت ولايته المؤلفة من ست سنوات، ورئيس داخل انتخب لولاية اخرى من ست سنوات.
ومن المفارقات ان الرئيس ميشال سليمان تولى الرئاسة بعد «اتفاقية الدوحة»، فهو لم يتسلمها من الرئيس اميل لحود ولا هو سيسلمها الى الخليفة المنتظر.
وبذلك دخل لبنان مرحلة «الفراغ»، وبعضهم الآخر يطلق عليها «مرحلة الشغور». هل من فارق جوهري بين التعبيرين؟
هل هي نهاية المطاف في حكم رئيس الجمهورية؟
لقد اخذ المشرع اللبناني هذه الناحية في الاعتبار، وحتى لا يترك المنصب والبلد في حالة من الفراغ، نص الدستور اللبناني في مادته الرقم 49 على ان منصب رئاسة الجمهورية عندما يشغر لأي سبب، فهناك صيغة بديلة للحكم وهي تتكون من مجلس الوزراء مجتمعاً حيث تنتقل اليه صلاحيات رئيس الجمهورية (في حدود معينة).
وعليه فإن لقباً جديداً يبدأ اليوم في لبنان مع رحيل العماد الرئيس ميشال سليمان، الا وهو: فخامة – دولة الرئيس تمام سلام ومجلس الوزراء مجتمعاً.
وتضم الحكومة السلامية نسيجاً وزارياً ينتمي الى مختلف ألوان الطيف السياسي اللبناني، وما يخشى منه اذا ما طالت فترة شغور مقعد الرئاسة ان تنتشر الخلافات بين مختلف اعضاء الحكومة، علماً أن رئيس الحكومة تمام سلام يجمع كوكبة من الوزراء المتفاهمين من حيث المبدأ على ضرورة قيادة هذه المرحلة في لبنان بالحد الأدنى من الخسائر والأضرار، كما ان تمام سلام وهو خريج المدرسة العريقة في السياسة في لبنان، الرئيس صائب سلام، يعرف كيف يتعاطى مع القضايا الساخنة التي تواجه لبنان في هذه الآونة بمزاج هادئ.
اذاً… تأكد الآن ان «فخامة الفراغ» صناعة لبنانية!
فهل سيكون البديل صناعة مستوردة ؟!
وها قد بدأ عهد فراغ الرئيس الثالث عشر الآتي باسم العجز!
وبدأ على الفور تقويم الأدوار التي قام بها الرئيس ميشال سليمان خلال فترة رئاسته. ويقتضي الإنصاف الاعتراف بأن عهده شــهد العديد من الفترات المضطربة في البلاد وهوعمل على التعاطي معها بقدر من الحكمة علماً أن فتره السنتين الأخيرتين من حكمه شهدت بعض التحولات في مواقفه، وأكثر تحديداً لـ «حزب الله» والحلفاء، علماً أنه ذكر في بعض خطبه العامة انه «سيرعى المقاومة برموش العيون». لكن اعقب ذلك وصف الرئيس سليمان لطروحـــات المـــقاومة ومــنها شعار: الجيش والشعب والمقاومة، بأنها «معادلات خشبية» وهذا ما اغضب حزب الله والحلفاء من رئيس الدولة.
كذلك حرص الرئيس في الفترة الأولى من ولايته على الإبقاء على حد ادنى من العلاقات الجيدة مع سورية، لكن تطور الحرب في الداخل السوري، ونقل السيارات المفخخة من سورية الى لبنان افقد هذه العلاقة كل الدفء، وتوقف الرئيس سليمان عند التساؤل لماذا لم يتصل بي الرئيس بشار الأسد؟
وفي احد اللقاءات مع الرئيس ميشال سليمان، وكان الحديث عما يجري في سورية وفي عدد آخر من الدول العربيه في الفترة التي عرفت بتسميتها الحركية «الربيع العربي»، قال لي: «إن افضل الحلول لكل المشاكل القائمة في العالم العربي يكون باعتماد «امتيازات» النظام اللبناني؟».
وعندما عبرت عن بعض المفاجأة انصرف الرئيس سليمان للحديث عما يتصف به النظام في لبنان، وأن نفس هذه الوصفات يمكن ان يجري تبنيها من جانب الأنظمة العربية الباحثة عن الحرية وعن الديموقراطية.
وفي مناسبة اخرى وجدت الرئيس ميشال سليمان مزهواً بالتوصل الى اعتماد «اعلان بعبدا»، وراح يعدد محاسن هذا الإعلان، فاعتبر «ان له قوة النص الدستوري، وأن الإعلان تم ايداعه في الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة». وكان الرئيس سليمان يرمي من وراء التوصل الى اعلان بعبدا اخراج البلاد من قبضة تجمّعي 8 و14 آذار.
وفي العودة الى المرحلة التي يجتازها لبنان حالياً.
اولاً: ان عدم تمكن مجلس النواب اللبناني من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعني بالدرجة الأولى سقوط اللبننة في هذا الاستحقاق، ولأن البلد منقسم على نفسه أفقياً وعمودياً (خاصة) فما من طرف يستطيع تأمين الأكثرية التي تضمن له انتخاب رئيس للجمهورية. والأمر الوحيد الذي يؤمّن عملية الآنتخاب هو تمكن فريق الثامن من آذار، أي العماد ميشال عون وحزب الله وحركة أمل وبعض الأحزاب الأخرى من احداث «اختراق» في تجمع الرابع عشر من آذار وعماده تيار المستقبل بقيادة الرئيس سعد الحريري.
ورغم الكلام الهامس عن وجود اتصالات بين الأقطاب، فإنها لم تصل الى خواتيمها بعد، وكل طرف يبدو حذراً من الطرف الآخر في التعاطي مع منح اصواته النيابية الى هذا المرشح او ذاك.
ثانياً: ان فشل الزعماء اللبنانيين في الاتفاق على رئيس جديد لجهوريتهم يحتم في هذه الحال التوجه الى «الخارج»، وقد تعوّد لبنان في مختلف مراحله على التعاطي مع الخارج كمنقذ. لكن هذا «الخارج» ليس في وارد الاهتمام بالأوضاع اللبنانية، لذلك نحن امام المعادلة التالية: فشل حل اللبننة وعدم نجاح حل «الخارج» حتى لا نقول «الخوارج».
ثالثاً: مرة بعد مرة يتأكد ان ما يعاني منه لبنان ليس ازمة تأليف حكومة، او ازمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل هي ازمة تأليف وطن («الحياة» السبت 25 كانون الثاني/ يناير 2014). فهذه الصيغة التي ظهرت مع ولادة الاستقلال الأول في العام 1943 اصيبت مع الزمن بالترهل والإرهاق لا بل ببعض «الصدأ القومي»!
ولا بد من اجراء مراجعة جذرية وفي العمق للتفاهم على اسس جديدة لمجموعة الطوائف اللبنانية، مع الابتعاد عن التسميات التي تثير هواجس هذا الفريق او ذاك.
فليتوقف تسوّل بعض اللبنانيين بحثاً عن رئيس جديد للجمهورية خارج حدود الوطن، فأي «خارج» سيكون مهتماً بمعالجة المشكلات اللبنانية وهل الخارج جمعيات خيرية لا تبغي الربح؟
وإذا ما تركنا الداخل اللبناني ولو لبرهة واتجهنا بانظارنا الى سورية، لنطرح السؤال الكبير المحير: هل يعقل ان تجرى انتخابات رئاسية في سورية، ولا يمكن اجراء مثل هذه الانتخابات في لبنان؟ ونحن لا نردد هذا السؤال تشبهاً «بالنموذج السوري» بل لملاحظة كيف اننا نعايش عصر اللامعقول عندما يصبح معقولاً.
بعد اربع سنوات (تقريباً) من الحروب الشرسة على مختلف الأراضي والمحافظات السورية، يبرز الرئيس بشار الأسد «من تحت الأنقاض» ليطرح نفسه من جديد على انه منقذ سورية، بعد ان اكدت كل الخطط الغربية والشرقية التي اعدت لتقويض حكمه فشلها، وهي انظمة لم تتغلب على الرئيس الأكثر تكلفة في التاريخ، بشار الأسد («الحياة» السبت 6 تشرين الأول /اكتوبر 2012). على ان يوم الثالث من حزيران (يونيو) الآتي ستجرى الآنتخابات في سورية بمن حضر نظراً للظروف المعروفة والتي هجّرت الملايين من السوريين الى دول الجوار وبخاصة لبنان الذي يعاني الكثير من المتاعب مع ارتفاع عدد النازحين السوريين اليه الى ما يزيد على المليون ونصف المليون يتوزعون بين مناطق الشمال وعكار، والجنوب والبقاع.
على ان اخطر ما يرافق الحديث عن اجراء الانتخابات الرئاسية في سورية ان من سيشملهم هذا الانتخاب، سيعطون غالبية اصواتهم الى «المنقذ» بشار الأسد. لكن الموضوع لن ينتهي هنا، مع وضع نقطة على السطر. بل الأخطر هو الحديث الآتي عن اقتراب مخطط التجزئة والتقسيم من اتخاذ خطوت عملية تفضي الى تكريس تقسيم سورية كأمر واقع.
لقد اعدت دراسة معمقة من جانب مؤسسة بحثية دولية ركزت على «الآثار المدمرة للحرب في سورية». وأهم ما فيها هو الآتي:
أولاً: خلال العمليات العسكرية والجارية من دون انقطاع بين جيش النظام وقوات المعارضة على تعددها، جرت وتجري عمليات فرز طائفي ومناطفي وعرقي، وكلما طال امد تواصل العمليات العسكرية حدث المزيد من «النزوح» في الداخل السوري، وصار اكثر كثافة وتأقلماً مع واقع الحال، لذلك ومع مرور الزمن اذا لم يتمكن النظام من استرداد سيطرته الكاملة على كل الأراضي السورية، وحيال فشل القوات المقاتلة المحتشدة في سورية من كل حدب وصوب في تقويض نظام بشار الأسد، فإن الوهن بدأ يتسرب الى صفوف المقاتلين المعارضين، فضلاً عن الأخطار الناشئة عن الحرب الأخرى المستقره في الداخل بين مقاتلي جبهات «داعش» و»النصرة». وفي نفس هذا السياق قام رئيس تجمع الائتلاف السوري احمد الجربا بزيارة واشنطن، لكن لا هو ولا الرئيس باراك اوباما الذي اجتمع به «مصادفة في مكتب مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي سوزان رايس»… تطرق الى الحديث عن تزويد قوات المعارضة بأسلحة نوعية يمكن ان تحدث اختراقاً في سير المعارك.
لكن القناعة الراسخة لدى الغرب الأميركي منه والأوروبي لم تعد تميل الى تزويد المعارضة (وأي معارضة) بأسلحة ثقيلة مضادة للدورع وللطائرات كما يطالب الجربا.
وفي الحديث عن «تقسيم سورية»، فنحن لا نقوم بــ «تسويق» فكرة التقسيم، بل نحن نرصد ما ستؤول اليه التطورات اللوجستيه والميدانية، حيث يلاحظ متابعون عن قرب لما يجري ان طبيعة التدمير الشاملة التي تشهدها المدن والمناطق السورية على اختلافها تحتاج الى وقت طويل لإعادة إعمارها وتأهيلها، هذا اذا توقفت الحرب، وهذا الأمر يؤدي الى الحقيقة الآتية: إن سورية «السابقة» لن تعود الى سابق عهدها وإن إعادة إعمار ما تهدم وما سيتهدم يحتاج الى وقت طويل. لذا ومن هذه المعطيات اضافة الى المعطيات الأخرى غير الظاهرة للعيان، فإن الرئيس بشار الأسد سيكون رئيساً لسورية «بمن حضر».
وفي الكلام الأخير:
قبل إلقائه خطبة الوداع بساعات قليلة عادت ذاكرة الرئيس ميشال سليمان الى الأحداث التي سبقت الاتفاق عليه كرئيس توافقي. وكان لديه من الشجاعة ان يعرب عن اسفه لهذه الصيغة لبلوغ رئاسة الجمهورية، والأخطر من ذلك هو التساؤل الآتي:
هل يعقل ان يكون لبنان عرضة لأحداث مماثلة او شبيهة بما حدث في 7 أيار وذلك في سعي من اي طرف لإحداث «خرق ما» في الجدار المسدود المانع لإجراء الانتخابات الرئاسية.
اذاً… في ضوء ما جرى حتى الآن نقول:
هناك رئيس لم يحضر بعد ولم تنضج «طبخته» حتى الآن لكن هناك من يصنع الرئيس في لبنان.
* إعلامي لبناني
الحياة
لبنان النائم على قنبلة سورية!/ راجح الخوري
وصل تقرير منظمة الأغذية والزراعة الدولية “الفاو” عن انعكاسات الازمة السورية على الاقتصاد اللبناني الى بيروت في اسوأ الاوقات، إذ ليس هناك الآن من يلتفت الى هذا الموضوع الخطير، لأن الجميع غارقون في مشكلة الاستحقاق الرئاسي الذي يدخل الى الفراغ، بما يعني ان التقرير المذكور سيذهب به النسيان ولن يجد من يكلّف نفسه في هذه الدولة البائسة عناء قراءته فحسب !
عملياً، هذا ليس تقريراً بمقدار ما هو إنذار هدفه لفت الدولة اللبنانية الى انها تنام على قنبلة مخيفة قد تدمر البلاد ان لم تجد الحلول الاستباقية لمشكلة اللاجئين السوريين، الذين يتدفقون على لبنان بكثافة لم يشهد تاريخ الازمات لها مثيلاً، والمعروف انه قبل الحديث عن عائلة تدخل الينا كل دقيقة، كان عدد اللاجئين قد تجاوز مليوناً ونصف مليون وفق قيود الامم المتحدة، فاذا أضفنا مثل هذا العدد تقريباً من الذين دخلوا ولم يتم ادراجهم على القيود، يصبح في الإمكان القول ان العدد الإجمالي بات يساوي ٤٠٪ من عدد اللبنانيين تقريباً!
لذا لم يعد يجوز الحديث عن مشكلة بل عن كارثة، او عن قنبلة ضخمة تستطيع ان تطيح البلد، وليس هناك من يتنبّه الى ضرورة معالجتها باشراك الدول الاخرى في تحمل أوزارها المدمرة، والدليل انه عندما عقد المؤتمر الأول للدول الداعمة في الكويت، فوجئنا بأن ارقام الامم المتحدة عن أعداد اللاجئين تكاد تساوي ضعفي الارقام التي تحدثت عنها الدولة اللبنانية، ومنذ ذلك الحين حتى الآن ازداد تدفق التسونامي،الذي لا تستطيع اي دولة في العالم ان تتحمل وزره، فلكأن ١٥٠ مليون مكسيكي دخلوا فجأة الى اميركا او ١٠٠ مليون صيني لجأوا الى روسيا !
التقرير ركّز على الناحية الاقتصادية فقط، اي انخفاض نمو الناتج المحلي بنسبة ٢,٩ ٪ كل سنة ودفع ١٧٠ الف لبناني الى براثن الفقر، إضافة الى مليون يعيشون تحت خط الفقر، وارتفاع البطالة بسبب المنافسة غير المشروعة بنسبة ٢٠٪ وزيادة النفقات بما قيمته ٢,٦ ملياري دولار، لكن الخطورة لا تقتصر على الناحية الاقتصادية فحسب، بل على التوازن الديموغرافي على المدى البعيد، باعتبار ان عدداً كبيراً من اللاجئين لن يعود غداً الى سوريا حتى لو توقفت الحرب، كالذين دمرت منازلهم او الذين تدبروا عملاً لهم في لبنان ليس متوافراً في بلدهم !
عام ١٩٥٤ كان عدد اللبنانيين مليوناً وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين ١٠٠ الف، ويكفي ان نقيم مقارنة بين الحالين مع الأخذ في الاعتبار الوضع الأمني، الذي سيسوء تدريجاً نتيجة ما ستتركه معاناة اللجوء في غياب دولة قادرة فعلاً على وقف تسونامي مدمر، في حين انها لا تملك وقتاً لقراءة التقرير فكيف بتفكيك القنبلة الموقوتة ؟
النهار
المذكرة القضائية السورية”: النظام لا يتغيّر تحذيرات ديبلوماسية من تصعيد طبيعة الفراغ/ روزانا بومنصف
بالنسبة الى رئيس نظام يخوض معركة وجودية ضد شعبه بكل انواع الاسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة وسواها منذ ثلاث سنوات من اجل استمراره، بدت المذكرة القضائية السورية ضد النائب وليد جنبلاط والزميل فارس خشان تزامنا مع توقيت بحث مجلس الامن الدولي مشروع قرار فرنسي باحالة النظام السوري على المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية بمثابة تأكيد ان هذا النظام لم يخرج ابدا من واقعه من اجل ان يغير مقاربته للامور او لكي يظهر بالحد الادنى ان تجربة هذه الاعوام الثلاثة قد ساهمت في احداث اي تغيير ايا يكن نوعه او طبيعته. الرسالة الرمزية معنويا والمفترضة من هذا التصرف انه، وفيما تضغط الدول الغربية من اجل محاسبة النظام وتسعى الى تجريده من محاولات تثبت شرعية استمراره، يحاول هو ان يضغط على لبنان او يوحي بانه لا تزال لديه الادوات من اجل محاسبة من يعتقد انه يتعين عليه محاسبتهم فيما تحاول الدول الغربية نفسها حماية لبنان او تقول انها ستعمل على حمايته من تداعيات الحرب السورية. في حين ان جانبا اخر من الرسالة المفترضة من المذكرة القضائية ضد جنبلاط تفيد انه لا يزال لدى النظام قضاءه وان كانت من اللاذقية وليست من دمشق وتاليا انه هو الذي يحاسب ويقيم عدالة ما وليس مجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية وهو في موقع من يحاسب (بكسر السين) وليس من يحاسب (بفتح السين) او انه ايضا يحاول الايحاء انه استعاد قدرته على محاسبة الاخرين من منتقدي سياسته واسلوبه في مواجهة شعبه وكان جنبلاط من ابرزهم ولا يزال. لذا لم يكن غريبا ان يسجل القضاء اللبناني في المقابل عدم امكان تبليغ جنبلاط “المجهول الاقامة” فيما يعود حلفاء النظام مفاخرين من زيارات له بانه، وفيما يدعم بشار الاسد استمراره في السلطة بولاية جديدة على نحو يتحدى فيها غالبية المجتمع الدولي، فإن لبنان الذي تخطى مخاطر كبيرة خلال السنوات الثلاث من الحرب الاهلية السورية بالحد الممكن من الاستقرار يواجه فراغا كبيرا محتملا في رأس مؤسساته الدستورية واحتمال تعطيل المؤسسات الاخرى. وفيما لا تقيم مصادر سياسية وديبلوماسية اي قيمة لرسائل النظام السوري بهذا المعنى مع اصرار المصادر الديبلوماسية على ان الفيتو الروسي والصيني الذي حال دون احالة النظام على المحكمة الجنائية الدولية لا يعني احتمال ان يكون له مستقبل في سوريا، فانها لا تخفي ان الفراغ الذي يدفع به البعض في سدة الرئاسة الاولى واحتمال ان ينسحب ذلك على المؤسسات الاخرى يخدم المنحى الذي يتحدث به حلفاء النظام وفقا لما قاله السفير البريطاني في لبنان من ان الفراغ الرئاسي هو نكسة للبنان ولداعميه.
وتقول المصادر الديبلوماسية انه تم التسليم بالفراغ امرا واقعا لم يعد في الامكان تجنبه مع انتهاء ولاية الرئيس سليمان على امل الا يطول هذا الفراغ. ولعل مسارعة السفير الايراني الجديد الى المجيء الى لبنان ليومين فقط من اجل تقديم اوراق اعتماده الى الرئيس سليمان قبيل مغادرته قصر بعبدا، علما ان السفير الحالي لم يغادر مركزه بعد على غير ما هو معهود في الاطار الديبلوماسي، مؤشر على ان ايران تتوقع فراغا قد يمتد الى الصيف المقبل وانها لا ترتقب تغييرا على هذا الصعيد في المدى المنظور مما يعني ان المرحلة مفتوحة على فراغ طويل نسبيا. وفيما تضيف المصادر الديبلوماسية ان هناك اتصالات ومساعي، فضلا عن تحذيرات جدية من تخطي الخط الاحمر الداخلي لجهة تصعيد طبيعة الفراغ او انسحابه على كل المؤسسات الدستورية نظرا للتداعيات الكارثية على كل الصعد ناهيك بإمكان فتح البلاد على مجهول، يقول البعض انه حذر العماد عون من ان يكون هو من يتحمل مسؤولية تاريخية في شأنه عبر الدفع نحو اعادة النظر في صيغة لبنان، فان هذه المصادر تصر على ان المحاولات لن تتوقف من اجل عدم اطالة فترة الفراغ علما ان المؤشرات لا تبدو سهلة. اذ ان رئيس التيار العوني، وان تلقف الرسالة بعدم احتمال دعم وصوله لموقع الرئاسة، فمن غير المحتمل ان يقوم احد حلفائه ولا سيما ” حزب الله” بقطع الطريق امامه او ان يكون هو من يتولى ذلك لان لا مصلحة له بذلك راهنا، وهو كان املاً مع سواه من الافرقاء ان يتولى الرئيس سعد الحريري ابلاغه بعدم دعمه للرئاسة فرد الحريري الكرة الى ملعب المسيحيين شأنه شأن الرئيس نبيه بري لئلا يتحمل هو ما يسعى الاخرون الى تحميله اياه اي رفض الرئاسة لاحد ابرز الزعماء المسيحيين. وقياسا على اظهار عون سرعة استيعابه لعدم وصوله ومن ثم الانتقال الى مرحلة التفاوض على مرشح اخر يوافق على دعمه، كما انه قياسا على تجربة تعطيله تشكيل الحكومات في الاعوام القليلة الماضية من اجل ضمان وزارة الاتصالات ثم الطاقة واخيرا الخارجية للوزير جبران باسيل والتي استغرقت بضعة اشهر في كل مرة، فان التوقعات تذهب في اتجاه ان يدوم الفراغ اشهرا علما ان ثمة ما يدعم ذلك من خلال انشغال اقليمي، يعول عليه كثر من اجل حلحلة العقد المحلية ولا سيما انجاز الانتخابات الرئاسية، لكن يبدو انه لن يعطي لبنان ما يحتاجه من اهتمام وفق ما يرغب اللبنانيون نظرا لاولويات اخرى كثيرة ليس لبنان من ضمنها.
النهار
الفراغ اللبناني من الفشل الداخلي الى التجاذبات الاقليمية/ جويس كرم
دخول لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي مرتبط بفشل الطبقة السياسية اللبنانية من اتمام مسؤولياتها وغرقها بالانقسامات الحزبية والفئوية، وبالتالي المساهمة في نقل الاستحقاق الرئاسي الى الملاعب الاقليمية والدولية بانتظار تفاهم أكبر يوصل أحدهم الى كرسي بعبدا.
الطبقة السياسية اللبنانية لم تتفاجأ طبعا بالوصول الى نقطة الفراغ. التهويل بخطورته، وقطع الوعود بتفاديه هو “كلام فاضي” مع خروج الرئيس ميشال سليمان من قصر بعبدا اليوم وفشل ال١٢٨ نائب ( المجدد لهم) من الاتفاق على خلف له. بالاقتراع للفراغ، اختارت النخبة السياسية اللبنانية وضع المصالح الحزبية والفئوية فوق المصلحة العليا للبلاد. فمعظم الخلافات بين المرشحين اللبنانيين ، وما أكثرهم، ليست حول الأجندة الرئاسية ومصلحة المواطن بقدر ما هي شخصية، بعضها يعود لحرب أهلية دمرت البنية التحتية طوال ١٥ عاما، واستمرار ذهنية تصفية الحسابات بالسياسة اليوم بدل السلاح .المفارقة ان هذا النهج بالذات والانقسامات التي عززها المرشحون “الكبار” هي العائق الأكبر أمام وصولهم اليوم، وكون لا قدرة لهم على حصد الأصوات المطلوبة ولا على نيل ثقة الخارج ولا لعب دور توافقي في حال انتخابهم لموازنة القبان السياسي وتحفيز الاستقرار.
وفي وقت تتوالى فيه الأزمات على لبنان من قطاع الكهرباء الى الأجارات الى الأمن، يحلو لبعض المرشحين المبالغة بوزنهم الاقليمي والدولي ، وتصوير أن وصولهم للرئاسة سيربط الشرق بالغرب، أو سينهي الحرب في دولة مجاورة، أو سيقرب أميركا بايران، أو سيجعل من لبنان دولة نفطية. طموحهم ليس بجديد، انما كلفة تعنتهم هي باهظة على لبنان واستقراره . هذا الفشل الداخلي ساهم في رمي الملف الرئاسي الى الملعب الخارجي، ولتتقاذف كرته قوى اقليمية ودولية ، فيما التداعيات السلبية الأكبر ستحل على المواطن اللبناني.
نقل الكرة الرئاسية اللبنانية الى الملعب الخارجي يعني استمرار الفراغ في المدى المتوسط وحتى الطويل في حال ارتأت هذه القوى ذلك أو في حال اتسع الشرخ الاقليمي. فلا الخلافات مع ايران سيتم حلها قريبا، ولا الحرب في سورية ستنتهي أو ستنقلب المعادلة فيها رأسا على عقب في المدى المنظور. ومن هنا، قد ينتظر اللبنانيون ما قد تؤول اليه المفاوضات الايرانية مع الغرب حول الملف النووي في تموز (يوليو) المقبل، ورد الفعل الاقليمي على أي اتفاق أو عدمه ، لانتخاب رئيسهم. أو قد ينتظرون انتهاء تنفيذ الاتفاق الكيماوي في سورية هذا الصيف، وجهود تنظيم المعارضة العسكرية لمعرفة اسم الرئيس.
الفراغ وانعكاساته الأمنية والسياسية مسؤولة عنها الطبقة السياسية اللبنانية بجميع اصطفافاتها وولاءاتها. فعندما تظلل الطريق الى بعبدا معادلة “أنا أو لا أحد” ولو كان ذلك على حساب اقتصاد متهالك وسياحة معدومة وأزمة لاجئين خانقة وأمن على كف عفريت، فالفراغ هو أقل ما يمكن توقعه من طبقة سياسية قصيرة النظر وقيادات مهووسة بالسلطة ولو جاءت عن طريق الخارج.
الحياة