مقالات تناولت مبادرة الخطيب
تصريحات الخطيب وفرص التسوية في سوريا
عبد الاله بلقزيز
الاستعداد الذي أبداه أحمد معاذ الخطيب، باسم “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، لمفاوضة ممثلين عن النظام، وتسميته فاروق الشرع، نائب رئيس الجمهورية، مفاوضاً مقبولاً وموثوقاً، ورفض “المجلس الوطني السوري” للدعوة، وهو الشريك في “الائتلاف”، وإصراره على الخيار العسكري، متمسكاً ب”الجيش السوري الحُر” أداة له، يُطلعنا على التناقضات العميقة التي تعتمل في جسم المعارضة السورية في الخارج، على الرغم من كل الرعاية والدعم اللذين تتلقاهما من الدول الغربية وتركيا وبعض الدول العربية، وعلى الرغم من أنها خضعت، قبل أشهر، لعملية توحيد قسري من الخارج (الولايات المتحدة خاصة) لم يرض “المجلس الوطني السوري” وإن هو قبله مرغماً . لكن ذلك يطلعنا، في الوقت عينه، على حجم التناقضات التي تجري بين القوى (الدولية والإقليمية والعربية) الراعية للمعارضة السورية، واحتدامها إلى حدود الإفصاح عن نفسها في شكل نذر انقسام في صفوف المعارضة، فالرعاة الخارجيون أنفسهم منقسمون بين داع إلى الاستمرار في الخيار العسكري لإسقاط النظام (فرنسا، تركيا)، وبين داع إلى التسوية السياسية (الولايات المتحدة)، والعرب منقسمون بين المعسكرين وإن كان سوادهم الأعظم مع التسوية السياسية .
الأهم من تصريحات أحمد معاذ الخطيب، الاحتفاء الدولي به في ميونيخ، واللقاءات التي حصلت بينه وبين نائب الرئيس الأمريكي، ووزير الخارجية الروسي، والمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، ووزير الخارجية الإيراني، وما رافقها وأعقبها من عبارات التشجيع له على المضيّ في فكرة الحوار الوطني والحل السياسي . وقد لا يكون مهماً، هنا، أن نبحث في ما إذا كانت تصريحات الخطيب سبباً أو نتيجة، أي في ما إذا كانت مبادرة منه لقيت ترحيباً من الدول الكبرى، أو تفاهماً سياسياً دولياً (أمريكياً – روسياً) اقتضى إخراجاً بلسان سوري معارض، المهم أن هذا المتغير الجديد يفتح، ولأول مرة منذ تفاهمات جنيف، أفقاً أمام حل سياسي للأزمة السورية المستفحلة منذ صيف العام 2011 . والجديد، الجدير بالتسجيل، في هذا المتغير أن المعارضة السورية لم تعد خارج فكرة الحوار الوطني، وأن منطق معارضة الداخل (“هيئة التنسيق”) غلب منطق معارضة الخارج، وفتح الأفق المنسد . وهذا الجديد ليس تفصيلاً عادياً، فهو في مقام بيت القصيد .
من النافل القول إن هذه المتغيرات لم تنشأ، فجأة، من عدم، وإنما سبقتها حقائق ومقدمات أفضت إليها:
أولى تلك الحقائق ثبوت استحالة الحل العسكري للأزمة السورية على الرغم من كل التغذية العسكرية والبشرية واللوجستية التي تلقتها المعارضة المسلحة، وعلى الرغم من كل النجاحات التي أحرزها الجيش النظامي في استرداد السيطرة على المدن والبلدات، التي سقطت أجزاء منها في قبضة المسلحين (حماة، حمص، درعا، دير الزور . .)، وفي حصر المعارضة عند أطراف المدن الكبرى (دمشق، حلب) وريفها . ومع تدفق المسلحين عبر حدود تركيا ولبنان، وحساسية ذلك بالنسبة لأمن الدولة الصهيونية، ما كان يمكن لدولة معادية للنظام السوري، مثل الولايات المتحدة، أن تتجاهل العواقب الوخيمة لذلك على الاستقرار في المنطقة .
وثانيتها أن ما جرى في بنغازي سدد ضربة لحسابات الإدارة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية، وخاصة “الجهادية” منها التي تعاونت معها في “الثورة” الليبية، وشجعت على تجنيدها في سوريا، وكان لافتاً أن الأمريكيين باتوا، منذ أشهر، يسلطون الضوء على “جبهة النصرة” وصولاً إلى اعتبارها حركة إرهابية . وإذا كان “المجلس الوطني السوري” و”الإخوان المسلمون” جادلوا واشنطن في موقفها، ودافعوا عن الجبهة و”مجاهديها”، فإن إدارة أوباما اكتفت بإعادة هندسة تحالف المعارضة على نحو يعيد “المجلس الوطني” إلى حدوده الطبيعية، كفصيل من فصائل المعارضة، لا ك “ممثل شرعي للشعب السوري” كما أرادته فرنسا وتركيا وحلفاؤهما من العرب .
والثالثة أن إطلاق سراح مهمة الإبراهيمي من انتظارها الطويل ما كان ممكناً إلا بتوافق مبدئي أمريكي – روسي على منح التسوية السياسية فرصة، حتى وإن لم يكن ذلك التوافق قد استعاد، تماماً، روح تفاهمات جنيف . وقد يكون ممكناً اعتبار إطلاق مهمة الإبراهيمي فاتحة حوار دائم بين الدولتين الكبيرتين هو، قطعاً، ما أنضج فكرة الحوار الوطني اليوم .
من هذه المقدمات وغيرها خرجت فكرة تزكية خيار التفاوض لدى المعارضة، ودُفعت هذه إلى إعلانه، أي – عملياً – إلى طي فكرة الحسم المسلح لإسقاط النظام . وما أغنانا عن القول إن مصالح القوى الدولية الكبرى في المنطقة قضت بأن تذهب الأمور في هذه الاتجاهات، وهذا ما أدركه “أصدقاء سوريا” الذين لم يعد التئامهم بالحماسة عينها التي كانت في الماضي، حيث لم يستطع الراعي الفرنسي لهذه الصيغة أن يجمع منهم في باريس أكثر من ثلثهم!
هي فرصة خرجت من بين شقوق الأزمة السورية لا ينبغي أن تُهدر بشروط من هذا الفريق أو ذاك تعادل إسقاطها، فقد لا تتكرر .
الخليج
هل يلتقي المعلم الخطيب في موسكو؟
رأي القدس
بينما تنسحب الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها العرب من الازمة السورية، وتتخلى عن حماسها السابق في دعم المعارضة المسلحة خوفا على اسرائيل وامنها من الحركات الجهادية المنخرطة في اوساطها، تنشط روسيا في المقابل، وتعمل على ملء الفراغ، وتتحول تدريجيا الى قبلة للحكومة والمعارضة معا، تحت عنوان ايجاد حل سياسي للازمة السورية.
ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي اعلن يوم امس ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس الائتلاف السوري المعارض احمد معاذ الخطيب سيزوران موسكو في اواخر هذا الشهر في زيارتين منفصلتين.
الشيخ الخطيب التقى سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي على هامش مؤتمر امني انعقد في ميونخ الالمانية، مثلما التقى ايضا علي اكبر صالحي وزير الخارجية الايراني، وهما اللقاءان اللذان اعتبرا خرقا لكل الخطوط الحمراء التي تضعها المعارضة السورية، وكرر الشيخ الخطيب مبادرته واستعداده للحوار مع ممثلي النظام السوري للتوصل الى حل سياسي يحقن الدماء في البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عما اذا كان السيدان المعلم والخطيب سيلتقيان وجها لوجه في موسكو مدشنين بدء المفاوضات المنتظرة، ام ان زيارتيهما لموسكو بدعوة روسية، هما تمهيد لهذه المفاوضات؟
من الواضح ان الجانبين الرسمي والمعارض في سورية توصلا الى قناعة راسخة بان حال الجمود الحالية، الناجمة عن فشلهما في حسم الامور على الارض عسكريا تحتم البحث عن طرق ومخارج وحلول اخرى، ووجدا ان موسكو هي الجهة الملائمة، او الاكثر ملاءمة في هذا المضمار.
المعارضة السورية بدأت تشعر بان اصدقاءها في الغرب قد خذلوها تماما، فلا السلاح النوعي الذي طلبته قد وصل، ولا التدخل العسكري لاسقاط النظام قد تحقق، وان جميع الوعود التي قدمتها الولايات المتحدة واوروبا في هذا المضمار قد تبخرت كليا.
الشيخ معاذ الخطيب تحدث عن هذا الخذلان بمرارة عندما اعلن استعداده للحوار مع ممثلي النظام لحقن الدماء، ووقف آلة القتل الجهنمية، وتخفيف ان لم يتم وقف معاناة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في دول الجوار، علاوة على اضعاف هذا الرقم في الداخل.
موسكو التي تقيم علاقات قوية مع النظام السوري، واستخدمت حق النقض ‘الفيتو’ مرتين في مجلس الامن لمنع اي تدخل خارجي لاسقاطه، قد تكون الاكثر قبولا للحكم والمعارضة في ظل نفض واشنطن يديها كليا من الملف السوري.
ومن المفارقة ان النظام السوري لا يريد التفرد الروسي في حل الازمة، ويسعى من اجل دور امريكي، وهو الذي كان يتهم واشنطن باقذع التهم بسبب دعمها للمعارضة الممثلة بالائتلاف السوري وقبله المجلس الوطني، وتقديم المال والسلاح لفصائلها من خلال حلفائها في دول خليجية.
النظام السوري يتطلع الى علاقات مع واشنطن، خاصة بعد التقاء الطرفين، السوري والامريكي، على ارضية العداء للجماعات الجهادية الاسلامية، وتنظيم جبهة النصرة على وجه الخصوص، الذي عزز وجوده بشكل ملموس في الاشهر الاخيرة في المناطق الشمالية والغربية، ونفذت عناصره عمليات مشتركة في قلب العاصمة.
الرسالة التي يريد النظام ايصالها الى واشنطن تقول انكم ادركتم الآن خطر هذه الجماعات الاسلامية المتشددة، ووضعتم جبهة النصرة على قائمة الارهاب، فتعالوا نتعاون سويا لمواجهة هذا العدو المشترك.
الشيخ معاذ الخطيب ادرك ان واشنطن تريد ان يتحول ائتلافه المعارض الى قوات صحوات تقاتل جبهة النصرة والجماعات الجهادية التي تتبنى ايديولوجية تنظيم ‘القاعدة’، ولهذا عارض بشدة القرار الامريكي بوضعها على قائمة الارهاب، واطلق مبادرته من اجل الحوار مع ممثلي النظام مقابل تحقيق شروط انسانية مثل الافراج عن المعتقلين وتجديد جوازات سفر السوريين في المهجر العربي والغربي.
الحوار بين النظام السوري ومعارضيه بات وشيكا، وربما تكون موسكو الحاضنة لاولى جولاته، وسبحان مغير الاحوال!
القدس العربي
ملامح تسوية في سوريا
فايز رشيد
لا نعتقد أن التغيير في وجهة نظر رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب، وقبوله بالحوار مع النظام السوري ومع نائب الرئيس فاروق الشرع تحديداً، جاء صدفة، فهو بالتأكيد خلص إلى هذه النتيجة بعد تمحيص دقيق في مجمل ظروف ما يجري في سوريا، إنْ على الصعيد الذاتي أو الآخر الموضوعي . من جهة فإن أطراف المعارضة السورية وعلى مدى سنتين لم تستطع التوحد في جبهة أو ائتلاف واحد . هذا في ظل تباينات عدة بين أطراف الائتلاف الذي يتزعمه الخطيب، وخلافات مع الآخرين . المعارضة الخارجية السورية بدلاً من التوحد، ازدادت فرقةً وتصاعدت الاختلافات فيما بينها .
من جهة أخرى، توصل الخطيب إلى قناعة راسخة، هي انعدام فرص التدخل العسكري الأجنبي في الأحداث السورية، على شاكلة ما جرى في ليبيا، لاعتبارات عدة، أيضاً، فإن أحداً لا يستطيع إلغاء المعارضة للنظام في داخل سوريا، وهذه أيضاً لها قوتها على صعيد الشارع . لقد وقفت هذه المعارضة ولا تزال ضد عسكرة الصراع، وضد التدخل العسكري الأجبني في الشأن السوري، كما طالبت ولا تزال بالحوار الوطني مع النظام .
كثيرون من المحللين يرون أن الولايات المتحدة، والدول الغربية عموماً، قد اكتفت بما كانت تريده لسوريا بعد استكمال غزو العراق، تدمير البنية التحتية لهذا البلد، إضعاف الجيش السوري، إيجاد حالة هائلة من الدمار فيه، تفكيك المجتمع وإيجاد البؤر لصراعات مذهبية طائفية إثنية طويلة قادمة، وإقامة علاقات مختلفة لسوريا مع دول الجوار، وغيرها من الأهداف التي ستشغل سوريا بإعادة الإعمار وبقضايا صراعية داخلية محضة .
هذا سيعمل على تحويل الصراع في هذا البلد والمنطقة بشكل عام، من صراع عربي – صهيوني إلى شكل داخلي أسوة بما يجري من صراعات في العراق . فما لا شك فيه أن سوريا كما إيران تدعم المقاومة الوطنية اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولا شك في أن إضعاف سوريا سيؤثر سلباً في وحدة هذه الأطراف وسيعمل على تفكيك تحالفها، بما يحققه ذلك من إضعاف موضوعي لنهج مقاومة “إسرائيل” في المنطقة . سوريا غير العراق، في أن لها هضبة الجولان المحتلة من قبل العدو الصهيوني، وهي شاءت أم أبت معنية بالصراع في المنطقة، وإنهاك سوريا سيضعف من مجابهتها ل”إسرائيل” . عملياً ما وصلت إليه سوريا من حالة بعد ما يقارب السنتين على الصراع الداخلي فيها، تذكّر بما كان طلبه كولن باول من إملاءات على الرئيس الأسد الابن ورفض الأخير لها .
أما عدم التدخل العسكري الأجنبي من قبل الولايات المتحدة ودول حلف الناتو في سوريا(على شاكلة ما جرى في ليبيا) فيعود لأسباب كثيرة، من أبرزها أن بنية الجيش السوري قوية، في ظل امتلاك أسلحة حديثة مؤثرة دفاعياً، ووفقاً لتقديرات خبراء عسكريين كثيرين، فإن ما استعملته سوريا في الصراع لا يزيد على 20% من قوة الجيش السوري (بدليل المناورات العسكرية التي يجريها هذا الجيش بين الفترة والأخرى)، هذا الجيش استطاع مؤخراً تحقيق إنجازات تراكمية كثيرة في الصراع مع المعارضة . من الأسباب أيضاً: الدعم الروسي- الصيني – الإيراني للنظام السوري سياسياً، عسكرياً، واقتصادياً، فسوريا هي المعقل الأخير لروسيا في المنطقة، والأخيرة ليس لديها الاستعداد للتفريط في هذا المنفذ حتى في ظل تصاعد الصراع إلى درجات عالية مع الولايات المتحدة والدول الغربية . اقتصادياً: سوريا لم تكن مدينة لأحد قبل الأحداث، وآخر المساعدات الاقتصادية لها قرض بقيمة مليار دولار بفوائد ميسرة، قدمته لها إيران، الأمر الذي يشي: أولاً، الإصرار الكبير من هذه الدول على عدم السماح بانهيار سوريا اقتصادياً . ثانياً، الإمكانية الكبيرة لسوريا في قتالها ضد المعارضة لسنوات طويلة قادمة . من الأسباب كذلك، أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة باتت تدرك أن البديل للنظام السوري هم الأصوليون وبخاصة “جبهة النصرة” التابعة للقاعدة، لذلك فإن الخيارات لهذه الدول تنحصر بين السيئ والأسوأ، هذا عدا عن إخفاق الولايات المتحدة والغرب عموماً في أفغانستان والعراق، الأمر الذي لا يشجع على تدخل دولي جديد في الشأن السوري . هذا ما ذكره أوباما ضمناً في خطابه بمناسبة تجديد رئاسته في ولايته الثانية .
على صعيد آخر، وفي اللقاء الذي جمع بين نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ومعاذ الخطيب على هامش اجتماعات ميونيخ، كان الأول واضحاً في حدود المساعدة التي تقدمها أمريكا للمعارضة من خلال القول “إننا نعمل مع شركائنا لكي تصبح المعارضة السورية أكثر وحدة وأكثر تضامناً” . التصريح هو كلام دبلوماسي عام . وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التقى الخطيب أيضاً(وهو لقاء يتم للمرة الأولى) ودعاه لزيارة موسكو . جاء ذلك بعد قبول الأخير بالحوار مع النظام السوري، وما كان مثل هذا اللقاء سيتم بين الطرفين لولا استعداد رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض للجلوس مع ممثلي النظام على طاولة الحوار . ومعروف الموقف الروسي الذي قرره بوتين ويردده لافروف: “لا حل في سوريا على حساب الرئيس الأسد” . كان ملاحظاً في الحقبة الأخيرة أيضاً خفوت الموقف التركي الحاد ضد النظام السوري (رغم تصريح وزير الخارجية داوود أوغلو في ميونيخ وطالب فيه بإسقاط النظام)، وأن المساعدات الخارجية تنصّب الآن على “اللاجئين السوريين في الخارج”، وليس على المعارضة بشكل سافر .
لكل ما سبق يمكن الخروج بنتيجة واحدة: إن الأجواء حول سوريا تشي باحتمال طرح تسوية سياسية بين النظام والمعارضة، وإن جوهرها يتمثل في اتفاق دولي بين الولايات المتحدة وروسيا يتم فرضه على الطرفين .
الخليج
غاندي السوري أم حصان طروادة؟
راجح الخوري
قدم الاخضر الابرهيمي الى احمد معاذ الخطيب نصيحة من كلمتين: “تمسّك بمبادرتك”، وهذا يعني انه دعاه الى “التعلق بحبال الهواء” وإن كان سيهوي سريعاً الى قاع الاوهام المحطمة، لكن ما الفرق بين مبادرة الخطيب التي تنم عن مراهقة سياسية وتحرك الابرهيمي المغرق في الوهم منذ ستة اشهر ونيف، وهو ايضاً نوع من التعلق بحبال الاكاذيب الاميركية – الروسية التي تركته في قاع مهمة مستحيلة ومحطمة؟
لست ادري على ماذا راهن الخطيب عندما قدم مبادرته التي زادت التشظي في صفوف المعارضة، ولا على ماذا يراهن الآن عندما يصل به الوهم الى دعوة النظام الى التفاوض في “الاراضي المحررة في شمال سوريا”، إلا اذا كان يحسب نفسه غاندي الثورة السورية الذي لا يملك في مواجهة العنف المفرط غير النيات السلمية، ولكن اذا كان غاندي قد اضرب عن الطعام فلماذا لا يضرب الخطيب عن الكلام!
كان مثيراً ان نقرأ كلام الخطيب عن ان عدم تجاوب النظام مع مبادرته يمثل “رسالة سلبية”، هكذا بالحرف ولكأن حمامات الدم اليومية في سوريا تسمح ولو نظرياً بالحديث عن سلبيات وايجابيات وخصوصاً انه منذ اطلق مبادرته سقط مئات من القتلى، ولكأنه لم يرصد عدد الضحايا كما رصد “سلبية الرد” ليسجّل نقطة ضد النظام في الداخل والخارج!
ولكن التسجيل ضد النظام بعد عامين من المأساة وسقوط اكثر من ستين الف قتيل، لا يقاس بنقاط السياسة بل بنقاط الدم، فهل يظن “غاندي السوري” فعلاً ان النظام الذي يقصف شعبه ومدنه بالمدافع والقنابل البرميلية يمكن ان تهمه النقاط المسجلة ضده في الخارج، وهل يتصور ان هذا “الخارج” الاميركي والروسي تحديداً اقام للنظام حساباً بالنقاط؟
اذا كان رئيس “الائتلاف السوري” يظن ذلك فعلاً فهذا يعني انه إما واهم يجب ازاحته وخصوصاً بعد دعوته النظام أول من أمس الى التفاوض في المناطق المحررة وإما انه بمثابة حصان طروادة يسعى الاخضر الابرهيمي المتعلق بحبال “الحوار المستحيل” الى انزاله داخل صفوف المعارضة المنقسمة اصلاً، والدليل انه يدعوه الى التمسك بمبادرته، وقت تستعد الهيئة الاستشارية لـ”الائتلاف السوري” المعارض للاجتماع في القاهرة لوضع بنود مبادرة سياسية جديدة يراد منها ان تشكل “حركة تصحيحية” لمبادرة الخطيب!
ما يدور في القاهرة اشبه بحراك مفلسين، فالابرهيمي يبكي على كتفي نبيل العربي الذي يحتاج اصلاً الى مهدئات، وكلاهما غارق في حوار الحائرين مع الخطيب ورياض سيف، والنار تتأجج في تلك الحرب التي سميتها منذ البداية “حرب يا قاتل يا مقتول” التي لن تنتهي غداً. نعم هذا حراك مفلسين. فالروس ينسحبون الى الظل وباراك اوباما يستعيد تصريحه قبل سنة ونصف سنة ليبشر السوريين بأن “الاسد سيرحل عاجلاً أم آجلاً”… فانتظروا!
النهار
المواقف من مبادرة الشيخ معاذ الخطيب وفرص نجاح التفاوض لانهاء الماساة السورية
د. طارق كتيلة
طرح الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري مبادرة للحوار مع النظام السوري انتقدها البعض وايدها البعض الاخر.
ما اخذ على طرح الشيخ معاذ الاولي عدم استشارته للائتلاف او مكتبه السياسي قبل طرح المبادرة علما بأنه رئيس الائتلاف كما انه لم يشر بداية بأن الحوار يهدف الى تسليم السلطة وهو الشرط الذي لن يقبل معظم المعارضين السوريين بأقل منه بعد كل ما حل ببلدهم من دمار وبشعبهم من قتل ومجازر من قبل هذا النظام.
لاحقا اوضح الشيخ معاذ بأن المقصود من الحوار هو ايجاد اليه لوقف نزيف الدماء وتدمير البلد والتفاوض على الية رحيل النظام وكان ان اجتمع مع الهيئة السياسية للائتلاف التي اجمعت بأن لا تفاوض مع النظام الا على الية تسليم السلطة.
في هذه الاثناء كان هناك لقاءات مهمه للشيخ معاذ في جنيف مع نائب الرئيس الاميركي ووزير الخارجية الروسي بالاضافه الى وزير الخارجية الايراني والمبعوث الدولي والعربي الاخضر الابراهيمي. هذه اللقاءات اججت من امتعاض بعض اطراف المعارضة وبخاصة في المجلس الوطني السوري الشريك الاكبر في الائتلاف تجاه الشيخ معاذ وخاصة بسبب لقائه بالروس والايرانيين الذين باتوا من قبل الكثير من المعارضة والشعب السوري بحكم الاعداء بسبب دعمهم اللامحدود لجرائم النظام وتلوث ايديهم بدماء الشعب السوري مع بدء القمع الدموي لإنتفاضة الشعب ضد الفساد والظلم والديكتاتورية.
خرج بيان شديد اللهجة من المجلس الوطني السوري يصف هكذا لقاءات بالطعنة للثورة السورية ويعارض خطوة الشيخ معاذ ومبادرته بالحوار مع النظام بشرط اطلاق سراح السجناء وتجديد جوازات السفر اولا كما جاء في المبادرة.
في هذه الاثناء تفاعلت الازمة في المعارضة في مقابل شبه تجاهل من النظام للمبادرة وعدم رد رسمي عليها سلبا او ايجابا الا من خلال حديث لنائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في بكين من ان النظام يقبل الحوار لكن بعد القاء السلاح.
من الواضح وعبر دراسة الاشهر السابقة من عمر الثورة السورية بأن النظام لن يقبل بالتفاوض الجدي والحقيقي مع المعارضة والذي قد ينتج عنه انتقال سلمي للسلطة واحد اهم الاسباب لهذا هو بنية النظام وعقلية مويديه والتي باختصار تقول ‘الاسد او نحرق البلد’ وهذا ما يراه العالم بأم عينه.
هكذا انظمة من الصعب ان تستسلم بسهولة او تفاوض على ذهاب رأسها لأنها انظمة من نوعية فريدة الرأس فيها هو نفسه القاعدة والتي بذهابها يتهدم البناء على اصحابه ولعل ليبيا مثال مايزال ماثلا امام اذهاننا حيث ان القذافي بقي يقاتل حتى قتل رغم العروض المغرية التي عرضت عليه مقابل تنازله عن السلطة ورغم ان اي عاقل يدرك بأنه من الصعب هزيمة المعارضة الليبية المدعومة بضربات حلف الاطلسي وتحالف عالمي كبير على رأسه امريكا وفرنسا بالاضافة لمعظم دول الخليج العربي الغنية والمؤيدة بقرارات من مجلس الامن الدولي والجامعة العربية. لهذا فإن فرص الحوار الجدي الذي قد يفضي الى نتيجة في المسأله السورية شبه معدومة في ظل حالة الجمود الميداني على الارض الحاصل في الاشهر الاخيرة رغم بعض التقدم النسبي لقوات المعارضة في بعض المناطق.
ان النظام السوري لن يقبل بالتفاوض الا اذا احس بأنه يخسر الحرب وهذا لن يتم الا عبر خسارته لمدينة حلب وشمال سورية كاملا او دخول قوي للمعارضة الى داخل مدينة دمشق العاصمة يشبه الى حد ما وضعها الآن في مدينة حلب حيث تسيطر على اكثر من نصف المدينة.
اذا فقط انتصارات عسكرية حاسمة على احد هاتين الجبهتين وخاصة جبهة دمشق هي التي ستقنع النظام السوري بأن ايامه اصبحت فعلا معدودة وبالتالي تسمح بامكانية قبوله بمفاوضات جدية تؤدي فعلا الى الانتقال الديمقراطي للسلطة الذي يعلق عليه الامال الكبيرة في وقف حمام الدم السوري الرهيب.
لذلك يأمل السوريون من كل الدول الداعمة للشعب السوري بل وحتى الدول المحايدة التي ترغب في رؤية نهاية سريعة لحمام الدم السوري الرهيب بأن تدعم قوات المعارضه السورية اقله بما يحقق هذا التوازن الجديد الذي يقنع النظام بأن الحل العسكري فشل وبالتالي لا مخرج له من هزيمة محققة الا ان يجلس مرغما مع المعارضة والتحاور الجدي لإيجاد حل يرضي تطلعات الشعب السوري بالحرية والديمقراطية بعد اريعين عاما من الديكتاتورية والقمع وحكم العائلة الواحدة.
اخير ان اختلاف المعارضة بشأن مبادرة الشيخ معاذ والحوار مع النظام او مع ايران وروسيا لا يجب ان يؤخذ بشكل سلبي كما يراه البعض لأن اختلاف الرأي حول الطريقه المثلى والاسرع لوقف حمام الدم وانتقال السلطة امر طبيعي ولا يعني هذا الخلاف في الطريقة بأي حال من الاحوال خيانة لمبادئ الثورة او طعن لها طالما ان الهدف النهائي هو نفسه للجميع.
كما ان هذا الاختلاف مفيد في حقيقة الامر في تقوية موقف الفريق المؤيد للتفاوض مع النظام بشروط اذا ما تم الجلوس على طاولة المفاوضات او حتى عند التحاور مع الاطراف الدولية كون هذا الفريق لا يستطيع تقديم الكثير من التنازلات لأن هناك اطراف اخرى اكثر تشددا ستقف له بالمرصاد اذا ما رضي بما هو اقل مما توافقت عليه كافة اطراف المعارضة السورية الا وهو رحيل النظام كاملا والانتقال بالبلد الى الديمقراطية التعددية.
طبعا هذا الاختلاف الجيد برأيي كما ذكرت قد يتحول الى سلبي في حال اطلاق عبارات التخوين او محاوله تصفية حسابات شخصية او فئوية واللعب على هذه الاوتار.
لقد رأى الكثيرون بالشيخ معاذ شخصية وطنية محبوبة من الطيف الاوسع للشعب السوري خرجت من رحم الثورة وعانت ما عانت من النظام ومشهود لها بالوطنية والاخلاص وبالتالي انها فرصة للالتفاف حوله كرئيس للائتلاف الوطني الذي اعترفت به معظم دول العالم كممثل شرعي للشعب السوري في هذه المرحلة الدقيقة لتحقيق اهداف الثورة وبأقل الخسائر على انه لا مانع من النصح والنقد البناء وحتى الاختلاف على الحل الامثل والطريقة الانسب لكن دون تخوين وتجريح شخصي اكثر من يستفيد منه النظام.
‘ كاتب فلسطيني مقيم في امريكا
القدس العربي